مواضيع المختلف عليها لم تثر وتم التغاضي عنها
هل ستكون هذه القمة مختلفة عن سابقاتها
في تنفيذ ولو جزء من قراراتها
عقدت في منطقة البحر الميت في الاردن القمة العربية في دورتها الـ 28، وذلك يوم الأربعاء 29 آذار 2017 بمشاركة حوالي 16 زعيماً وقائداً للدول العربية. واستمرت أعمال القمة ليوم واحد كامل. وصدر عن هذه القمة بيان ختامي تضمن 15 بنداً. في قراءة أولية سريعة، فان القمة كانت ناجحة من عدة نواح ومن أهمها:
· نسبة الحضور الجيد للقادة العرب.
· الترتيب والتنظيم الناجحان وكذلك الاعداد لهذه القمة.
· لم تقع أي خلافات ومشادات كلامية على غرار القمم السابقة.
· القضية الفلسطينية كانت الموضوع الرئيس الذي جمع مواقف الدول العربية، وكان العامل المشترك المتفق عليه.
· البيان الختامي كان جيداً وناجحاً في صياغته، إذ أنه لم يكن حادا.
· حاولت هذه القمة رأب الصدع بين القادة العرب، واعادت الوفاق فيما بينهم.
· لم يتناول البيان الختامي أي اشارة الى القضايا المختلف عليها.
· أكد توافق القادة العرب على ادانة ومحاربة الارهاب.
· الاجماع على حل سياسي للازمات في سورية وليبيا واليمن.
لكن نجاح القمة لا يعني أن العالم العربي نفض عنه غبار الاختلاف والتباين في المواقف، ولكن هذه القمة هي الاولى بعد "الربيع العربي" السيء والتي فيه تكون القمة ناجحة وتعالج القضايا المتفق عليها، وتتفادى وتتغاضى عن الاشارة أو معالجة القضايا المختلف عليها.
هذه القمة تاريخية في نظر كثيرين لانها انجزت كل الأمور في يوم واحد!
ورغم هذا النجاح لا بدّ من قراءة حيادية جادة للبيان الختامي لهذه القمة لمعرفة ما هو الآتي سياسياً في الاشهر القليلة القادمة!
القضية الفلسطينية
لقد كانت المحور الرئيس، وهذا أمر جيد. واكد القادة العرب تمسكهم بالمبادرة العربية التي تم المصادقة عليها في قمة بيروت عام 2002. واعتبرها القادة الاطار الشمولي لأي حل سياسي.
واكد القادة العرب رفضهم لأي تعديل على هذه المبادرة من خلال التأكيد على ضرورة معالجة جميع قضايا الحل النهائي، وفي مقدمتها حق اللاجئين في العودة الى ديارهم، وكذلك تمسكهم بالانسحاب الاسرائيلي الكامل لحدود 4 حزيران 19674.
وأكد القادة العرب تمسكهم بحل الدولتين، ورفضهم لكل الاجراءات الاسرائيلية التي تغير الوضع القانوني والتاريخي للمقدسات الاسلامية والمسيحية. واكد العرب مجددا، كما في القمم السابقة، المطالبة بضرورة تنفيذ جميع قرارات الشرعية الدولية وخاصة قرار مجلس الامن 2334 الذي يدين الاستيطان.
لقد عادت القضية الفلسطينية لاحتلال مركز الاهتمام الاول للعالم العربي، وهذا أمر ايجابي وجيد، سيعزز الموقف الفلسطيني في مواجهته للاجراءات الاسرائيلية احادية الجانب.
والثغرة في هذا البيان ان العرب يدعون الى اعادة اطلاق المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وهذا البند قد يستغل لممارسة ضغوط مستقبلية على القيادة الفلسطينية للعودة الى طاولة المفاوضات دون التمسك بشروطها وهو وقف الاستيطان!
الازمة السورية
هناك اختلاف في الموقف العربي تجاه سورية عن القمم السابقة إذ أنه أكد تكثيف الجهود لايجاد حل سياسي ينهي الازمة، ويحقق طموحات الشعب الفلسطيني ويحفظ وحدة سورية ويحمي سيادتها واستغلالها، وينهي وجود جميع الجماعات الارهابية فيها.
هذا البند يعتبر تراجعا كبيرا، اذ ان قادة عربا هم من حاولوا تمزيق سورية، والمس بسيادتها ووحدتها الوطنية عبر دعم الجماعات الارهابية. وهؤلاء القادة يصرون اليوم على انهاء وجود هذه الجماعات الارهابية التي ضم ضخها الى سورية مع توفير الدعم الكامل لها.
وفي هذا البند لم يتطرق القادة العرب الى عودة سورية الى الجامعة العربية.. بل انهم تباحثوا الموضوع السوري دون تواجد المعني به، مما يفقد العرب التأثير على هذا الموضوع.
والغريب ان سورية عانت من الارهاب نتيجة الموقف العربي، وخاصة الجامعة العربية، وعانت من رفض الدول العربية ايجاد حل سياسي من خلال افشال كل جهد فيما يتعلق بذلك.
وقد كلف القادة العرب مجلس الجامعة على المستوى الوزاري لبحث آلية محددة لمساعدة الدول العربية المستضيفة للاجئين النازحين السوريين!
الوضع في العراق وليبيا واليمن
اعتبر القادة العرب واكدوا على أن أمن العراق واستقراره وتمسكه ووحدة أراضيه ركن أساس من أركان الأمن والاستقرار الاقليميين والامن القومي العربي. واكدوا دعمهم للعراق في استئصال ومحاربة الارهاب.
لم يدن البيان التدخل التركي لا في العراق ولا في سورية مما يؤكد ان القادة العرب لم يبحثوا القضايا المختلف عليها، وحتى انهم لم يشيروا اليها في بيانهم الختامي!
أما فيما يتعلق باليمن، فقد ساند القادة العرب جهود التحالف العربي (بقيادة السعودية) دعم الشرعية في اليمن وانهاء الازمة اليمنية على اساس المبادرة العربية الخليجية.
هذا الموقف هو مؤيد للسعودية والتحالف معها، والغريب ان القادة العرب يعتبرون ان الحرب جاءت للحفاظ على الشرعية في اليمن، ولكن وللاسف في سورية لا يريدون بقاء الشرعية. أمر يُعبّر عن اختلاف بالمواقف، وعن معايير مختلفة في معالجة قضايا العرب كلها.
وكذلك شدد القادة العرب على ضرورة تحقيق الاستقرار الامني والسياسي في ليبيا من خلال مصالحة وطنية، وشددوا أيضاً على ضرورة دعم المؤسسات الشرعية الليبية، ودعمهم للحوار. واكدوا وقوفهم الى جانب الاشقاء الليبيين في جهودهم لدحر العصابات الارهابية، واستئصال الخطر الذي يمثله الارهاب على ليبيا وعلى جوارها!
مكافحة الارهاب
جاء في البند السادس من البيان الختامي للقمة العربية ما نصه: "نلتزم تكريس جميع الامكانات اللازمة للقضاء على العصابات الارهابية، وهزيمة الارهابيين في جميع ميادين المواجهة العسكرية والامنية والفكرية". واضاف: "سنستمر في محاربة الارهاب وازالة اسبابه والعمل على القضاء على خوارج العصر ضمن استراتيجية شمولية".
التساؤل الذي يطرح: من دعم وغذى هذا الارهاب في العديد من الدول العربية وخاصة في سورية؟ اليست نفس الدول العربية التي تدين الارهاب اليوم؟
هذا البند جميل في صياغته، ولكنه لم يشر الى ضرورة العمل على تجفيف منابع الدعم لهؤلاء الارهابيين، وخاصة من الدول العربية التي تتحمل مسؤولية كبيرة في ما وصل عليه العالم العربي اليوم من معاناة والأم نتيجة هذا الارهاب.
رفض التدخلات بالشؤون الداخلية
تناول البند الثامن رفض كل التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية، وادانة المحاولات الرامية لزعزعة الامن، وبث النعرات الطائفية والمذهبية أو تأجيج الصراعات.
والمقصود في هذا البند هو ايران، اذ يتهمها بعض القادة العرب بالتدخل في شؤون العرب الداخلية. ويتهمونها بأنها وراء الفتنة الطائفية.. في حين ان هذا الاتهام مردود ايضا على بعض القادة العرب الذين يريدون تحديد شكل النظام في الدول، وفرض هذا الرئيس أو ذاك، أو عزل رئيس شرعي.. فهم تدخلوا في ليبيا، وفي سورية وفي العراق وفي اليمن.. وهذه التدخلات هي وراء معاناة هذه الدول، وهم مسؤولون عن هذا الوضع العربي السيء.. فهل يحترمون ما اتفقوا عليه من ادانته ورفضه، وبالتالي يتوقفون عن التدخل في شؤون الدول العربية الأخرى!.
وبالاشارة الى التدخلات، فان القادة العرب كرروا مواقفهم المساندة لدولة الامارات في عودة السيادة لجزرها الثلاث طنب الكبرى، وطنب الصغرى وابو موسى. ودعوة ايران للاستجابة لمبادرة دولة الامارات لايجاد حل سلمي لقضية الجزر الثلاث من خلال المفاوضات المباشرة، أو من خلال اللجوء الى محكمة العدل الدولية!
بنود مختلفة
وتضمن البيان بنودا أخرى تحدثت عن ضرورة متابعة تنفيذ القرارات السابقة، والتشديد على دعم الجامعة العربية، واستمرار التشاور، وتقديم الشكر للاردن على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة والاعداد المحكم للقمة.
وعبر القادة العرب عن امتنانهم للملك عبد الله الثاني على ادارته الحكيمة لمجريات القمة، وعلى جهوده التي جعلت من قمة عمان منبراً لحوار عملي ايجابي صريح أسهم في تنقية الاجواء العربية في تعزيز التنسيق والتعاون على خدمة الامة، والتصدي للتحديات التي تواجهها!
المواضيع التي لم تثر
لم يتم في هذه القمة بحث قضايا مهمة جدا. وتم تفادي ذلك لتجنب وقوع مشادات وخلافات ومن أهمها:-
· عدم بحث طلب ورغبة بعض الدول العربية في الغاء تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية!
· لم تتم ادانة التدخل التركي العسكري في شمال العراق، أو في شمال سورية.
· لم يتم تناول ما يجري في جنوب السودان من معارك ونزاعات دموية.
· لم تتم الاشارة الى النزاع المغربي حول الصحراء الغربية، اذ أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، لم يشارك في هذه القمة!
· لقد كانت هذه القمة هي قمة الوفاق وبحث المواضيع المتفق عليها، وقمة التغاضي عن القضايا المختلف عليها، لان العاهل الاردني اراد نجاح القمة، وسعى الى عودة التنسيق والتعاون بين العرب.. أي ان النظرة كانت الى "الجزء المليء بالماء في الكأس". وليس في الجزء الفارغ أو "الفاضي" منه.. وبالتالي نجحت القمة، مع ان هناك شكوكا كبيرة في ان يلتزم القادة العرب بتنفيذ وتطبيق ما قرروه واتفقوا عليه، وهذه هي مشكلة القمم العربية، اذ يمتاز القادة العرب بالاندفاع اثناء عقدها، وبالتراجع عن القرارات بعد الانتهاء منها.
ولكن هل هذه القمة العربية الـ 28 ستكون مختلفة، وتنفذ ولو جزءاً من قراراتها!