الحسابات الغربية لسياساتها وخطواتها ومواقفها في منطقة الشرق الأوسط هي خاطئة، وقد قيل أن الاتحاد الاوروبي سيراجع سياسته الأخيرة نحو الوضع في منطقة الشرق الأوسط نتيجة ابتعادها عن الواقع، ولأنها قد تكون مؤذية على المدى القريب أو البعيد للأمن والأمان في اوروبا نفسها.
وحسابات اميركا خاطئة لأن النتائج تخرج عكس ما تسعى اليه الادارة الاميركية لتحقيق أهداف لتعزيز نفوذها وسيطرتها وهيبتها على منطقة الشرق الأوسط.
في عام 1979، وعند انطلاق الثورة الايرانية، حاولت اميركا محاصرة هذه الثورة لمنعها من الانتشار في الدول المجاورة، ووقعت الحرب الايرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات كاملة... وفي العام 1991 شنت اميركا حرباً على العراق "مكافأة" له على منع انتشار النفوذ الايراني الى العراق ودول الخليج، واحتلت اميركا العراق في نيسان 2003، فكانت النتيجة أن دمّر العراق، واصبح النفوذ الايراني مسيطراً عليه الآن، وتحاول اميركا ابعاده لكنه أصبح أمراً واقعاً من الصعب تغييره.
واحتلت اميركا في اوائل الثمانينات لبنان، وهُزمت واضطرت للانسحاب، وحاولت اسرائيل عبر اجتياحها للبنان عام 1982، فرض اتفاق (17 أيار 1973) عليه، الا ان تلك المحاولة فشلت فشلاً ذريعاً، وكانت النتيجة أن لبنان تحول الى دولة مواجهة بعد أن كان دولة مهانة هادئة. ولا ننسى ان اسرائيل هاجمت مطار بيروت في اواخر الستينات ودمرت حوالي 20 طائرة جاثمة على أرضه وغالبيتها تابعة لطيران الشرق الأوسط.. فالاعتداء على لبنان، وادخاله في اتون حرب داخلية استمرت 15 عاماً كلها عوامل ساهمت في ظهور المقاومة اللبنانية التي استطاعت مواجهة اسرائيل، واجبارها على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، وكذلك لم تستطع ضرب المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006.. واصبحت اسرائيل تحسب جيدا قبل الاعتداء على لبنان!
ولنتوجه الى ما يسمى بالربيع العربي المزيف الذي أرادت من خلاله اميركا خلق "فوضى خلاقة" في المنطقة لانتاج شرق أوسط جديد، فتخلت عن قادة كانوا موالين لها، وتابعين لسياستها.. ودعمت ارهابيين في ليبيا لاسقاط نظام الحكم هناك، وانتقلت ليبيا من دولة مستقرة الى دولة متوترة، الى دولة تعاني من الارهاب، الى دولة هي محطة لتصدير الارهاب الى المنطقة والعالم كله.
ودعمت اميركا ودول غربية العناصر الارهابية في سورية من جبهة النصرة الى "داعش" واخواتهما من مجموعات عديدة لاسقاط الدولة السورية، ففشلت فشلا ذريعا، وها هي اليوم تقود تحالفاً للتصدي لهذه التنظيمات التي دعمتها ومولتها بالمال والعتاد، لانها بدأت تشكل خطراً على اميركا نفسها، اضافة الى اوروبا.
وتحاول اسرائيل بشتى الطرق والوسائل دعم ما تسمى بـ "المعارضة المسلحة" في سورية، ودعم جبهة النصرة على حدود الجولان، مع ان هذا التنظيم هو ارهابي حسب رأي الشرعية الدولية.. وهي تريد اسقاط الدولة السورية لاضعاف محور المقاومة، والنتيجة أن هذا المحور يزداد قوة، فمن خلال اعتداءاتها المتكررة على الاراضي السورية، وخاصة الاعتداء الجوي الاخير على موكب لحزب الله في القنيطرة، وضعت اسرائيل نفسها في قفص الاتهام والخطر، واقترب النفوذ الايراني من حدودها.
لننظر الى معالجة اسرائيل للقضية الفلسطينية، فانه ورغم تقديم القيادة الفلسطينية لتنازلات كبيرة لصالح تحقيق سلام وللتوصل الى اتفاق شامل عبر محطة اوسلو، الا ان اسرائيل ما زالت تماطل، وما زالت تتبع سياسة التوسع والاستيطان، مما ادى الى "حرق" الخيار السياسي السلمي الذي بنى الفلسطينيون آمالاً عليه، وهو حل الدولتين. فاليوم من المستحيل ان يتم تنفيذ وتطبيق هذا الخيار على ارض الواقع.. وها هم الفلسطينيون يتوجهون الى محكمة الجنايات الدولية لتقديم قادة عسكريين وسياسيين في اسرائيل للمحاكمة.. اي أن حسابات السياسة في اسرائيل خاطئة وقد تدفع اسرائيل ثمنها باهظاً.
الضغط على القيادة الفلسطينية لن يجدي نفعا، وتجميد تحويل اموال الشعب الفلسطيني لن يكون لصالح اسرائيل، وعدم الاعتراف بحقوق شعبنا ليس لصالح اسرائيل، لأن المعطيات الدولية والواقعية على الارض تؤكد ان خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية هو الخيار الذي بقي للتفاوض عليه، وبالتالي فان محاولة اسرائيل التهرب من هذا الخيار عبر سن قوانين تؤكد يهودية الدولة، ستعقد الامور أكثر، وستنقلها الى دولة عنصرية أكثر وضوحاً مع أنها كذلك الآن.. وبالتالي ستواجه وضعاً صعباً، غير مستقر.
اوروبا قررت مراجعة شاملة لسياستها، وعلى اميركا ان تفعل ذلك، وعلى حليفة اميركا اسرائيل مراجعة سياستها، واجراء تقييم جدي لها تجاه الفلسطينيين. فاذا لم تتم مراجعة هذه السياسة الخاطئة، فان اسرائيل ستواجه صعاباً، وقد تندم على فرص ذهبية ضاعت منها.
السياسة الغربية الحالية التي استندت الى دعم الارهاب في المنطقة سيدفع ثمنها القادة الاوروبيون والاميركيون، ولا بدّ من القول أيضاً أن اسرائيل ستدفع الثمن ايضاً لأن الارهاب هو ارهاب، وقد ينتقل الى اسرائيل والى كل دول العالم، فبالتالي سيكون الثمن باهظاً جدا جدا. وحينها لن ينفع الندم؟ واذا لم يتم تدارك الوضع بتغيير السياسة الحالية، ووضع حسابات جديدة واقعية، وليست وهمية أو "احلامية"، فاننا سنشهد اعصاراً سياسياً مدمراً ليس في منطقة الشرق الأوسط وحده، بل سيصل الى ساحات عالمية أخرى..!