أحيا شعبنا الفلسطيني يوم 15 أيار الجاري الذكرى الـ 67 عاماً لوقوع نكبة فلسطين باقامة مهرجانات ومسيرات وفعاليات عديدة وندوات ومؤتمرات وورشات عمل.. الخ، وهذا الاحياء يعيد تساؤلاً واضحاً وصريحاً وجريئاً: أين هي قضيتنا الفلسطينية الآن؟
لقد كانت في السابق قضية العرب الاولى، وتراجعت حتى أصبحت قضية منسية أو على الرف في عالمنا العربي، اذ ان هذا الوطن العربي الكبير أصبح صغيراً في أدائه ونفوذه على الساحة الدولية، وأصبح ضعيفاً الى حد "الشفقة" أو "الضحك" عليه.
لننظر الى وضع العالم العربي، أو بالأحرى الى وطننا العربي الكبير الذي كنا نتغنى به في السابق، فهو يعيش في ظروف صعبة، ونزاعات مريرة محزنة ومكلفة.
ولننظر أولاً الى العراق، فقد احتلته القوات الاميركية في نيسان 2003، وبارك هذا الاحتلال عدد من "القادة" العرب، وخاصة في منطقة الخليج العربي. وأصبح العراق يعيش ظروفاً صعبة وقاسية جدا، أجواء التقسيم موجودة، واميركا تسعى الى ذلك، وها هو يقاتل تنظيم "داعش" الارهابي، وهذا القتال الشرس يكلفه أموالاً باهظة.. وكان العراق مستقلاً ومستقراً، أصبح اليوم ضعيفاً فقد استقلاليته نتيجة تدخل دول عديدة في شؤونه الداخلية.
أما سورية التي كانت تنعم بالاستقرار وبالاكتفاء الذاتي، فقد تآمر عليها المجتمع الدولي، وشن هجوماً عليها عبر وكلاء ارهابيين، وها هي تتصدى للارهاب، وتعاني من تكلفته الباهظة، واستطاعت الصمود، وان تلحق الخسائر في صفوف الارهابيين الذين ينتمون لشتى انواع الاسماء من التنظيمات، وسيّدها "واحد"!
لقد وصفوا الرئيس القذائفي بالجنون، وقتلوه ودمروا ليبيا، رغم ان هؤلاء الذين شاركوا في طعنه هم القادة الذين توسلوا دعمه، وترجوا مودته، وقبّلوا يديه، لكنهم أرادوا ليبيا مدمرة وضعيفة.
ومصر، أم الدنيا، والأم الكبرى، تعاني من الارهاب في سيناء، وتواجه أخطاراً محدقة من كل حدب وصوب، ويعملون على اضعافها بادخالها في قضايا داخلية صعبة وشائكة، وتحاول الخروج من هذه الاجواء الحالكة في اسرع وقت ممكن..
ودول الخليج العربي فهي في مأزق اذ انها تواجه مشاكل في اكثر من جبهة، فالبحرين غيرمستقرة، وهناك حراك شعبي يطالب بالمزيد من الحريات. وهناك فوضى في جنوب الخليج، معارك داخلية في اليمن اذ ان اطرافا عديدة تشارك فيها. وها هي السعودية تقود تحالفاً عسكرياً لتدمير اليمن، أي أن العرب يحاربون بعضهم.. وهذا أمر محزن، لقد كانت السعودية تشكل ضلعاً من اضلاع المثلث القوي الذي يحافظ على العالم العربي، والضلعان الآخران هما مصر وسورية.. وها هي السعودية تستنزف قوتها العسكرية والمالية لأن هناك من يحرض على ذلك ليس محبة بالسعودية أو اليمن، بل لاضعاف العالم العربي.
كل هذه النزاعات والحروب والمعارك الداخلية في وطننا العربي تستهدف أولاً وأخيراً، اضعافه وتقسيمه وتجزئته.. وهناك مخطط لاتفاق سايكس بيكو جديد للمنطقة. وتم التحذير منه قبل سنوات طوال، ولكن يبدو أن هناك من لا يسمع، أو أن هناك من لا يستطيع التصدي لهذه المخططات.. وسورية الوحيدة تصدت لهذه المخططات وتدافع عن العروبة حتى الآن، رغم أنها تدفع ثمناً باهظاً مؤلماً جداً.
لماذا كل هذه المخططات لاضعاف عالمنا العربي؟ وفي مصلحة من تصب في النهاية؟
ان هذا الذي يجري هو لصالح اسرائيل أولاً وأخيراً، وبالتالي فهو على حساب القضية الفلسطينية، قضية الأمتين العربية والاسلامية الاولى، التي أصبحت قضية مهملة.. حتى ان الدعم المالي الذي كان يوفر للقيادة الفلسطينية لصالح القضية قد شُح أيضاً.. وبدلاً من دعم نضالات الشعب الفلسطيني لازالة الاحتلال، يضغطون على القيادة للتخلي عن النضال، والاعتماد على مفاوضات مع المحتل لأرضنا. وبدلاً من أن يقاطعوا اسرائيل، هناك دول عربية لم تقم سلاماً مع اسرائيل، تتعاون معها اقتصاديا وسياسياً وأمنياً. وبدلاً من ان تكون البوصلة موجهة الى فلسطين، أصبحت موجهة لدى البعض الى ايران للايقاع بين الدول ذاتها، وادخال العرب والمسلمين في حروب دينية.
والمؤلم والمحزن في أن المخططات المرسومة لضرب العالم العربي يشارك في تنفيذها قادة عرب لا يدركون أن نار هذه المؤامرة على الدول العربية ستنتشر لتحرق دولهم. ولا يدركون أن المخططات تستهدف الجميع ومن دون استثناء.
إن قضيتنا الفلسطينية تدفع ثمن ما يواجهه العالم العربي، وتدفع معها الثمن شعوبنا العربية من الخليج الى المحيط، ولكن هل من يقظة؟ وهل من استفاقة قبل فوات الأوان؟ أين هم أصحاب الفكر القومي العربي، واين هم الابطال الشرفاء في عالمنا العربي؟ لماذا لم يتحركوا ومتى سيتحركون، هل بعد فوات الأوان؟
وهل من أعجوبة فلسطينية تقضي على الانقسام وتعيد اللحمة الى شعبنا؟ وتشجع عالمنا العربي على التحرك لنصرة قضية عادلة، ولانهاء احتلال بغيض على شعب عربي؟ إننا في انتظار العمل والجهد الصادقين، ولسنا في انتظار اعجوبة، لأن الاعجوبة نستطيع أن نصنعها اذا كنا في مستوى المسؤولية والأداء والعطاء.