أعلن مؤخراً عن التوصل الى اتفاق بين اسرائيل وتركيا يتم بموجبه اعادة العلاقات التركية الاسرائيلية "السياسية" الى ما كانت عليه قبل نهاية أيار 2010، أي قبل الهجوم الاسرائيلي على أسطول الحرية بقيادة سفينة مرمرة.. وهذا الهجوم العسكري على هذا الاسطول كان سبباً لتوتر وفتور العلاقات "السياسية" بين أنقرة وتل أبيب.

ليس المهم ما جاء في نصوص بنود الاتفاق، وما أعلن عنه سواء في تل أبيب أو أنقرة، بل المهم هو معرفة الاهداف المشتركة للسعي الحثيث والمكثف لعودة العلاقات الدبلوماسية الى طبيعتها، وهذه الاهداف ليست ضمن نصوص الاتفاق بل تتواجد في ما بين السطور الاتفاق ذاته، وخاصة ما جرى من أحاديث واقوال متبادلة حول قضايا مشتركة.

أولى الاهداف المشتركة هو تعزيز التعاون العسكري فيما يتعلق بالبلدين، وهذا يعني تبادل معلومات حول ما يجري في سورية، وكذلك قيام اسرائيل عبر وسائل عدة بمراقبة سورية عبر اقمارها الصناعية وطائراتها الحربية التي تحصل على ضوء أخضر لتصول وتجول في الاجواء التركية على الحدود السورية.

وأما الهدف الثاني المرتبط أيضاً بالأول هو سعي قيادتي الدولتين لاسقاط الدولة السورية، واقامة "نظام" موالٍ لاسرائيل وتركيا، يمنح شمال سورية للاتراك لمنع الاكراد من اقامة أي كيان مستقل أو شبه مستقل لهم تحت شعار اقامة منطقة عازلة، وهذا "النظام الجديد" الموافق على تجزئة وتقسيم سورية سيمنح اسرائيل الجولان السوري المحتل لتصبح ارضاً "اسرائيلية".. وهذا ما يطمح اليه رئيس وزراء اسرائيل وائتلافه الحكومة.

أما الهدف الثالث المهم أيضاً فهو أن اسرائيل تريد أن تكون على علاقة جيدة مع ما تُسمى بدول العالم السني (تركيا، قطر، السعودية..)، وبالتالي تحشد هذه الدول لمعاداة ايران أولاً وأخيراً، ومن ثم تساهم هذه العلاقة في خلق فتنة دينية.. اذ أن تحالف تركيا مع اسرائيل سيساهم الى حد كبير في تغيير كفة التوازن الاستراتيجي والعسكري بين الدول القوية في منطقة الشرق الاوسط. وان تركيا، وفي حال وقوع أي مواجهة مع ايران، لن تقف الى جانب ايران، بل ستكون الى جانب اسرائيل.

وأما الهدف الرابع يتعلق بانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، اذ أن اسرائيل وعدت تركيا بالعمل حول ذلك، وانها ستبذل قصارى جهودها ونفوذها في انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، وهذا الوعد ليس محبة باوروبا ولا بتركيا، بل لهدف اسرائيلي خطير الا وهو "الانتقام" من الموقف الاوروبي، والذي تتهمه اسرائيل بمساندة القيادة الفلسطينية في الامور السياسية، وتقديم منح مالية لها، ومناصرتها في موضوع المستوطنات وفي المقاطعة. واذا تم ضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي، فان هذا الاتحاد سيخسر كثيراً اذ أن الاتراك سيسيطرون على سوق العمالة وعلى أسواق أخرى، كما أن التواجد التركي سيساهم في نشر ونقل  الآراء الاسلامية المتطرفة الى قلب اوروبا ذاتها.

واما الهدف الخامس فهو ان تركيا تحاول امتطاء فرس القضية الفلسطينية، وتعتبر نفسها الراعية لها، ولذلك فان أي انجاز لصالح الفلسطينيين سيعتبر انتصاراً لتركيا التي ستكسب شعبية كبيرة في اوساط بعض الشعوب العربية. وهناك شبه اتفاق على أنه اذا قامت تركيا بحل موضوع الاسرى الاسرائيليين لدى حركة "حماس"، فان الحصار الاسرائيلي على قطاع غزة سيرفع نهائياً بكفالة وضمانة تركيا. وسيكون التواجد التركي في القطاع دعما للخيار السياسي لحركة "حماس"، وكذلك دعما للاخوان المسلمين في المنطقة، وخاصة اولئك المتواجدين في مصر. وسيكون هذا التواجد التركي بصورة أكثر وضوحاً بمثابة ورقة اسرائيلية تلوح بها للضغط على مصر، وبعض الدول العربية.

انطلاقاً مما ذكر، فان هذا الاتفاق هو لمصلحة تركيا واسرائيل، وعلى حساب قضيتنا الفلسطينية، وعلى حساب العرب جميعا، اذ أن اسرائيل تسعى الى جعل تركيا هي صاحبة الوصاية على العرب، وهي قائدة المنطقة وهي المرجع لكل الامور والقضايا.

كما أنه لا يخفى على احد ان هذا الاتفاق التركي الاسرائيلي سيعزز سلبا ام ايجابيا العلاقة مع كل من قبرص واليونان وبلغاريا، أي تحالف اسرائيل مع المحور الارثوذكسي، اذ ان اسرائيل ستستغل ورقة الاتفاق مع تركيا للحصول على مكاسب وابتزازات عديدة واضافية.

الاتفاق التركي الاسرائيلي يأتي لتعزيز علاقات قائمة ومستمرة منذ سنوات، ولاعطاء الغطاء والمظلة لتعاون مشترك يدفع ثمنه العرب أولاً وأخيراً.. لان هدف اسرائيل تصفية القضية الفلسطينية، وقد يتم ذلك عبر تركيا بحصولها على بعض "المكاسب" الآنية، والتي قد لا تدوم.