اعترف الرئيس الاميركي باراك اوباما بأن جهاز الاستخبارات الاميركية أخطأ في تقدير خطورة تنظيم داعش (دولة الاسلام في العراق والشام) خلال السنوات الماضية. وفي هذه الفترة فقط، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات كاملة على دعم التنظيم، أدركت هذه الوكالة الاستخبارية خطورته.
لم يكشف الرئيس اوباما النقاب عن أسباب ارتكاب هذا الخطأ في التقدير، ولم يبين لماذا هذا الحماس الاميركي لمحاربة "داعش" بعد أن كانت الادارة الاميركية من داعميه ومسانديه ومموليه ومتبنيه.
من تابع تصريح الرئيس اوباما هذا، ليجد أن الادارة الاميركية تنافق بمعنى تكذب، واذا كانت غير ذلك، أي مُضللة، فيعني أن عملاءها كانوا منافقين، أي كانوا يزودونها بمعلومات خاطئة، ومضللة، مع أن الاحتمال الثاني غير وارد لأن الادارة الاميركية تملك امكانيات كبيرة جدا تستطيع من خلالها مراقبة الوضع، ومعرفة حقيقته، ولا يستطيع أحد أن يخدعها أو يضللها، فهي عراب وصنيعة التضليل والخداع في العالم، وخير شاهد على ذلك الادعاء بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، هذه الكذبة الكبيرة كانت تهدف أولاً وأخيراً الى ايجاد ذريعة للهجوم على ا لعراق واحتلاله، واسقاط النظام الحاكم هناك، للمجيء بحكم "ديمقراطي جداً". وبعد مرور 11 سنة على هذا الاحتلال تبين للجميع أن العراق نقل من حالة الاستقرار، الى حالة أسوأ، الى حالة الديمقراطية المقرونة باللااستقرار، ومقرونة أيضاً بالاقتتال والخلاف والدمار.
تحالف "كاذب"
وانطلاقاً مما ذكر فان هناك شكوكا حول اهداف هذا التحالف الذي تقوده اميركا، للتصدي لداعش.. وهذا يعني أن هذا التحالف لا يسعى للقضاء على داعش بل "مناوشتها" لمدة ثلاث سنوات على الاقل.
الغارات الجوية اليومية وعددها بالآلاف لم تحقق شيئاً على أرض الواقع، بل قتلت أعداداً محدودة من عناصر داعش، وهذه الغارات لم تضع حداً لامتداد تنظيم داعش في سورية، واحتلال مدينة عين العرب "كوباني"، واحتلال مدن أخرى في سورية، الهدف فقط هو منع هذا التنظيم من احتلال اربيل وبغداد لأنهما خطان أحمران لاميركا، وخاصة مدينة اربيل عاصمة كردستان، اذ أنها مدينة تشهد سوقاً عالمياً بارزاً، وتجارة دولية ومقار لشركات استثمار من مختلف أنحاء العالم، وحتى شركات اسرائيلية.
وصرح وزير خارجية اميركا جون كيري تعليقاً على حصار مدينة كوباني قائلاً: لن نغير استراتيجيتنا، وهي محاربة داعش، وليست الدفاع عن كوباني أو غيرها من المدن (خاصة في سورية)، أي أنه يدافع عن مصالح اميركا فقط، ولا يدافع عن مصالح الأكراد، لأنه لو كان يريد مصلحة الأكراد لدافع عنهم في سورية كما يدافع عنهم (أو يدعي ذلك) في العراق، لأنهم ينتمون إلى نفس القومية والعرق... وهم أخوة سواء أكانوا في العراق أو في البلاد المجاورة.
غارات من دون فاعلية
الغارات الجوية على تنظيم داعش تساهم في تسليط الأضواء الاعلامية الدولية عليه، وهذه الغارات من دون فاعلية، اذ أنها لا تنسق مع لجان الحماية الكردية، ولا مع أحد في سورية، وقصفها يمكن أن يوصف بأنه عشوائي أو بالأحرى "دعائي".
وتدرك اميركا أن هذه الغارات غير مفيدة، ولذلك قررت وضع سقف زمني لمحاربة داعش لمدة 3 سنوات على الأقل، أي أن هذه المواجهة مستمرة ومتواصلة ضد "داعش" علنا، ولكن لربما هناك أهداف أخرى من وراء هذه المواجهة.
والتساؤل الذي يطرح: الا تعرف اميركا أن هذه الغارات غير مفيدة... وهي تقوم بها للضحك على الآخرين، أو للنفاق... حتى أن المشاركين في هذا التحالف هم أيضاً يضحكون على اميركا أو ينافقونها!
لقد أثبتت الادارة الاميركية أنها لا تعرف الكثير عن المنطقة ولذلك فهي مخدوعة بما تنقله لها اسرائيل من معلومات أو ما ينقله لها من معلومات عملاؤها في المنطقة، ولذلك فهي تفشل، في تحقيق أي شيء، وخاصة في تحقيق أهدافها، وتتلقى الهزيمة تلو الهزيمة منذ سنوات وخاصة بعد احتلال العراق.
المطلوب مصداقية في التعامل
لقد دفعت اميركا كثيراً ثمناً لفشلها المتواصل في المنطقة، والثمن هو معنوي، لأن الثمن المالي، وللأسف تسدده بعض الأنظمة الخليجية... وهي التي خلقت "القاعدة" لمحاربتها، وها هي اليوم تصنع "داعش" من أجل محاربتها، ولأجل تمرير بعض أهدافها... وهناك توقع بأن نجد تنظيماً جديداً في الغرب العربي اسمه "دامع" (دولة الاسلام في المغرب العربي)، وتنظيماً آخر باسم "داجع" (دولة الاسلام في الجزيرة العربية) لان اميركا لا تريد ان تستقر المنطقة، ولا تريد الا تفتيتها... ولكن هذا الاسلوب في التعاطي مع الشرق الأوسط وشمال افريقيا سيكون فاشلاً، اذ سيرتد على اميركا نفسها، وستكون اميركا في ورطة أكبر.
المطلوب من اميركا جدية في التعامل مع الارهاب، وعليها أن تبتعد عن أسلوب "النفاق" لأنه لن يكون لصالحها، وهذا ما ستؤكده الاشهر والسنوات القادمة.