"المنطقة العازلة" لن تكون آمنة للجيش التركي
صوت البرلمان التركي يوم الخميس الموافق 2 تشرين الأول/ اكتوبر عام 2014 لصالح مشروع قرار قدمته الحكومة التركية برئاسة أحمد اوغلو يجيز للجيش التركي محاربة الارهاب والقيام بعمليات عسكرية خارج حدود الدولة التركية.
هذا المشروع تبنته الحكومة بناءً على رغبة من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي غيّر موقف تركيا من متحفظ من المشاركة في التحالف التي تقوده اميركا ضد داعش الى المشارك في هذا التحالف.
لماذا غيّر اردوغان موقفه
لقد اضطر اردوغان الى تغيير من موقفه المعارض للمشاركة في التحالف ضد داعش الى الانضمام اليه لعدة أسباب:-
1. عدم المشاركة في التحالف تعني ان تركيا تدعم الارهاب وما يقوم به، وخاصة تنظيم "داعش"، وهذا الموقف يعني:-
أ. استفزاز الأكراد الذين يقاتلون داعش حفاظاً على أبناء شعبهم.
ب. توجيه اتهامات بأن تركيا تتعاون مع داعش وتزوده بكل ما اوتي من دعم. وهذه الاتهامات صحيحة اذ أن زعيم هذا التنظيم ابو بكر البغدادي كان يصول ويجول على الاراضي التركية، وكان يحظى بدعم تركي واسع النطاق، حتى انه كان مشاركاً في لقاء التنظيمات "المعارضة" لسورية مع عضو الكونغرس الاميركي ماكين اوائل عام 2012.
2. أراد اردوغان أن يزيل بعض الفتور في العلاقة الاميركية التركية حول قضايا عديدة، ومن أهمها عدم موافقة اميركا على شن هجوم عسكري اميركي واسع على سورية؟ وكذلك لان اميركا لم تقدم – رغم كل ما قدمته – المساعدات العسكرية لقوى المعارضة المسلحة على الاراضي السورية، وكذلك رفضت اميركا، وكذلك حلف "الناتو" توفير دعم لتركيا لاقامة منطقة عازلة أو حزام امني على الحدود السورية التركية، وعلى حساب الاراضي السورية والذي طرحته قبل ثلاث سنوات!
3. اراد امتطاء الموجة الحالية ضد الارهاب ليعيد من جديد الى السطح مشروع اقامة المنطقة العازلة لتوفير الامان لتركيا، وهذه المنطقة ستكون ليس مع سورية بل مع العراق أيضاً على طول ما يقارب 1200 كيلومتر. فمن خلال المشاركة في التحالف سيحصل على دعم لاقامة هذه المنطقة، وبالتالي توفير المزيد من الدعم للمسلحين من اجل تدمير سورية، وذلك من خلال اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، اي ان مشاركته هي مقايضة للحصول على دعم دولي لتحقيق مآربه الذاتية.
4. لقد مارست اميركا ضغطاً على اردوغان بضرورة ان يلعب دورا فعالاً في التحالف لمواجهة داعش، اذ أن هذا التحالف يحتاج الى "جيش" للقيام بمهمات على الارض لان القصف الجوي يحتاج الى دعم بري. وقد يقوم الجيش التركي بهذه المهمة بدلا من اضطرار هذا التحالف للتنسيق مع الحكومة السورية، وبالتالي دعم الجيش السوري ليقوم بهذه المهمة، وهذا يعتبر انتصاراً لسورية.
5. لقد اتخذ قرار مجلس الأمن رقم 2178 الذي يطالب الدول بوقف دعمها للارهاب، والعمل على تجفيف منابع دعمه وتمويله وتسليحه، وبالتالي تركيا مضطرة للالتزام بهذا القرار، وفي حالة الانضمام للتحالف، فانها تستطيع أن تظهر موقفها العلني ضد الارهاب، وهذا سيغطي دعمها للارهاب على مدى السنوات السابقة، وقد يعفيها من أي ملاحقة، ولربما تواصل دعم الارهاب بصورة خفية، وكل هدفها من المشاركة هو العمل على اسقاط النظام في سورية.
6. في هذه المنطقة "الآمنة" أو "العازلة" تستطيع تركيا أن تحتضن المسلحين المعارضين للحكم في سورية، وتوفر لهم الدعم، وبالتالي اطالة أمد الأزمة السورية لاستنزاف الدولة قدر الامكان، وبعد الانتهاء من هذه المهمة، واذا جاء حكم جديد في سورية بعد الاطاحة بالرئيس الاسد، فان تركيا تطمح في ضم هذه المنطقة العازلة لتركيا اذ أن النظام الجديد الموالي لتركيا قد يقدم مثل هذه التنازلات لتركيا، وكذلك سيقدم التنازل ايضاً عن الجولان. وهناك تصريحات لمعارضين تحتضنهم تركيا أكدوا ذلك، ولم يستحوا ولم يخجلوا من هذه المواقف، ولا من قيامهم بزيارة اسرائيل.
7. اقامة منطقة عازلة أو ما تسميها تركيا بمنطقة "آمنة" ستساهم الى حد كبير في منع اقامة كيان كردي مستقل في المنطقة الواقعة بين الدول الثلاث تركيا وسورية والعراق.
8. هذه المنطقة العازلة – اذا استطاعت تركيا اقامتها – فانها تحد من أي نشاط عسكري كردي مستقبلي، وخاصة في حالة انهيار اتفاق الهدنة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية.
9. ستدعي الحكومة التركية ان هذه المنطقة اقيمت من اجل توفير حماية للاكراد من خطر ارهاب داعش بحق الاكراد، وبالتالي جعل الاكراد تحت رحمة السيادة الامنية التركية على تلك المنطقة.
10. هذه المنطقة العازلة ستشكل ازمة ايضاً للحكومة العراقية في بغداد، وستوتر العلاقات، وتكون بمثابة وسيلة ضغط غير مباشرة ضد ايران التي لها نفوذ كبير في العراق، وعلى الحكومة العراقية بالتحديد.
11. محاربة "الارهاب التكفيري" مثل داعش سيساهم في رفع أسهم حزب الاخوان المسلمين في المنطقة، وان اردوغان يعتبر نفسه قائداً لهذا التنظيم، ولذلك يريد اعادة البريق اليه بعد فضح أمره ودوره، وفشل في العديد من الاقطار العربية.
12. أن تكون تركيا داخل التحالف بقيادة اميركا سيعزز ذلك من مكانتها الاقليمية، وغيابها قد يعزز هذه المكانة والاهمية للدول المنافسة لها مثل "السعودية" التي لم تتردد في الاعلان عن قبولها تدريب الآلاف من المسلحين من أجل الاطاحة بالنظام السوري.
أسباب حقد اردوغان على سورية
من يتابع تصريحات اردوغان ضد سورية، وضد شخص الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، سيتساءل: لماذا هذا الحقد الكبير على سورية؟ وما هي أسبابه.. ولكن المتابع والمراقب للامور يجد أن اردوغان حاقد على سورية لعدة أسباب ودوافع ومن أهمها:-
أ. رغم كل ما بذلته تركيا من جهود في دعم وتمويل واستضافة المعارضة، الا ان سورية بقيت قوية، ولم تسقط كما توقع كثيرون، وصمدت، وأثبتت الاحداث ان الشعب السوري متمسك بوحدته، ويساند قيادته ويدعمها، ويتصدى للارهاب بشتى اشكاله وانواعه رغم الآلام والمعاناة الكبيرة لذلك.
ب. لقد حاول اردوغان ان يأتي بحكم "اخواني" في سورية، وفشل في ذلك، وحاول الطلب من القيادة السورية في بداية الاحداث ان يسمح لحزب الاخوان بممارسة نشاطاته السياسية، وان يتم ضمه الى الحكومة، ومنحه مناصب جيدة ورفيعة، لكن الرئيس بشار الأسد رفض ذلك، وتمسك بالدستور السوري الذي صوت له الشعب بأغلبية، ورفض ان تكون هناك "محسوبيات" لصالح حزب خطير عانت منه سورية في الثمانينات من القرن الماضي.
جـ. سورية عرّت اردوغان وكشفت مؤامراته ومخططاته للسيطرة على العرب، والعودة الى امجاد الدولة العثمانية.. يجب الا ننسى ان الاتراك صفقوا واعلنوا سرورهم عندما احتلت اسرائيل للاراضي العربية المحتلة عام 1967، أي انهم "شمتوا" بالعرب وبكل هزيمة لهم؟
د. أثبت اردوغان انه شخص "خادع"، يجيد فن التضليل، اذ انه اقام علاقات وطيدة مع الرئيس بشار الاسد من اجل الدخول الى العالم العربي عبر سورية، ولكنه قام بطعن هذه القيادة الوفية له.. وبالتالي فقد صداقتها، ولن يستطيع ترميم علاقته معها، ولذلك فهو يريد "الاطاحة بها"، وكأنه هو الشعب السوري يريد أن يفرض ما يقوله ويتمناه ويسعى اليه. وهذا يعني أن اردوغان فقد الممر الآمن له للدخول الى الجماهير العربية، واغلق هذا الممر السوري أمامه ولن يعاد فتحه بتاتاً!
هـ. سقوط الاخوان المسلمين على أبواب دمشق ساهم الى حد كبير في سقوطهم على أبواب القاهرة، ويصب اردوغان جام غضبه على الرئيس المصري المنتخب والشرعي عبد الفتاح السيسي، لان حُكم الاخوان في مصر رحل ولم يعد... وهذه ضربة كبيرة لاردوغان.
و. لقد استطاعت سورية عبر مواجهتها للمؤامرة الكونية عليها، وتركيا المشارك الرئيس فيها، ان تقلب السحر على الساحر، اذ ان الحكومة السورية تركت الاكراد يدافعون عن أنفسهم في شمال شرق سورية، مع توفير الدعم لهم، وهذا بالتالي تشجيع الاكراد في تركيا لتوفير الدعم لها.. أي بعبارة واضحة ان سورية وحدت اكراد سورية وتركيا في مواجهة الارهاب ومن يدعمه وهذا بحد ذاته ادى الى اثارة حفيظة الاكراد مجدداً على الحكومة "التركية".
امكانية اقامة
المنطقة العازلة
تساؤل يطرحه كثيرون: هل بامكان تركيا اقامة منطقة عازلة داخل الاراضي السورية على عرض 20 كيلومترا وطول قدره حوالي 900 كيلومترا، أي احتلال ارض مساحتها ما يقارب من ثمانية عشر الف كيلومتر مربع.
واذا استطاعت تركيا اقامة هذه المنطقة، ماذا سيكون رد سورية: هل سيكون دبلوماسيا أو عسكرياً أو الاثنان معاً؟ وكيف ستواجه سورية ذلك. هل ستندلع حرب جديدة، أو حرب استنزاف على الحدود وفي هذه المنطقة.؟
في البداية لا بدّ من القول أن تركيا حصلت على ضوء أخضر اميركي باهت للقيام بذلك، ولكن هل سيكون ذلك من دون تكاليف، واذا كانت التكاليف باهظة، هل سيسكت الشعب التركي على هذه الخسائر.
الموضوع معقد جدا، ولكن لنقل نظرياً أن تركيا اقامت منطقة عازلة بنجاح، ولكن ماذا بعد ذلك.. هناك عدة خيارات لسورية والعراق في الرد على ذلك ومنها:-
الخيار الأول: مطالبة المجتمع الدولي بوضع حد لهذا الاحتلال، وازالته فورا، لانه اعتداء على سيادة دولتين.
الخيار الثاني: اضافة للعمل الدبلوماسي، فان القوات التركية في المنطقة ستواجه مقاومة قوية، توقع يوميا العديد من الاصابات في صفوف الجيش التركي. وستشهد المنطقة العازلة بالتالي حرب استنزاف ضد الجيش التركي.
الخيار الثالث: السكوت الى ان تنتهي الازمة في سورية والعراق، والقضاء على تنظيم داعش. وبالتالي اجبار تركيا على الانسحاب لانه لا حاجة الى منطقة آمنة بعد القضاء على الارهاب!
الخيار الرابع والاخير: مواجهة عسكرية بين سورية وتركيا قد تؤدي الى تبادل قصف صاروخي. والتساؤل: هل الشعب التركي مستعد لخوض حرب لصالح آخرين.. هذا الخيار مستبعد الآن، وتركيا حريصة على عدم الوصول اليه، لان مثل هذه المواجهة قد تشعل المنطقة بأسرها ويعاد تقسيم المنطقة بأسرها، وتدفع تركيا الثمن اذ يتم تقسيمها الى دويلات ايضاً.
الرئيس التركي حاقد جداً على سورية والعراق، ولكن هذا الحقد لن يغير شيئاً من الوضع في العراق او سورية... بالعكس هذا الحقد سينعكس سلباً على تركيا، وهو، أي اردوغان، سيدفع ثمن هذا الحقد القذر!