لا تغيير متوقع في الخريطة السياسية بشكل عام
المطالبة بتحالف الأحزاب العربية حتى تتجاوز نسبة الحسم
بدأت المعركة الانتخابية في اسرائيل حال قيام البرلمان الاسرائيلي بحل نفسه بعد الاتفاق بين الأحزاب، والمصادقة على اجراء الانتخابات الجديدة والمبكرة يوم 17 آذار 2015. وبدأت الاستعدادات من قبل جميع الأحزاب لخوض هذه المعارك الانتخابية الحامية.
وهذه الاستعدادات تشمل قيام تحالفات، وفي الوقت نفسه، وقوع انشقاقات وانقسامات. وهذه الاستعدادات والتجاذبات والتقاربات بين الأحزاب تؤكد أن كل شيء متوقع في داخل وخارج الأحزاب، وقد تظهر أحزاب جديدة، ولكن الخريطة العامة الحزبية لن تتغير الا بمواقع الأشخاص المشاركين في خوض الانتخابات، وفي أسماء الأحزاب سواء أكانت جديدة بوجوه قديمة، أم بأحزاب قديمة لم تتغير ولكن حدث تغيير عليها.
تحالف العمل مع الحركة
استطاع حزبا "العمل" و"الحركة" بقيادة كل من اسحاق هرتصوغ وتسيبي ليفني التوصل الى اتفاق لاقامة تحالف حزبي بينهما لخوض الانتخابات معا في قائمة واحدة.. والغريب في هذا التحالف أن زعيمة حزب "الحركة" ليفني كانت عضوا فعالاً ومقرباً الى زعيم حزب الليكود آرئيل شارون، ومن ثم انتقلت معه الى الحزب الذي شكله شارون وهو حزب كاديما، وتولت قيادته. وبعد أن تولى شاؤول موفاز قيادة حزب "كاديما"، تركت الحزب، وخاضت الانتخابات للبرلمان الـ 19، باسم حزب الحركة، وهذا الحزب حصل على 6 مقاعد في البرلمان الاسرائيلي، وها هي تتحالف مع حزب العمل، وتتفق مع هرتصوغ على التناوب في تولي منصب رئاسة الوزراء في حال فوز كتلتهما المشتركة بمقاعد كبيرة، وتكليفها بتشكيل الحكومة.
وهذا التحالف يؤكد أن القياديين في اسرائيل ليسوا متمسكين بمبادىء، فهذه المواقف والمبادىء تتغير حسب المصلحة الخاصة، ومن أجل الحصول على حصة كبيرة أو صغيرة في السلطة الحاكمة.
الأحزاب الدينية
هناك أحزاب دينية متعددة تخوض المعركة الانتخابية ولكن أهمها: حزبا "شاس" بزعامة الحاخام آريه درعي، وحزب اغودات اسرائيل، وحزب يهوديت هتوراه... ولم يبق منها سوى "شاس"، وديغل هتوراة لان اغودات اسرائيل وحزب الوطنيين الاحرار وتكوما وغيرها انصهرت في حزب البيت اليهودي الذي يجمع بين الدين والصهيونية والعلمانية ويتزعمه نفتالي بينيت.
حزب "البيت اليهودي" يدعم الاستيطان، ويرفض أي قوانين أو قرارات ضد المتدينين، وخاصة الخدمة العسكرية الالزامية. هذا الحزب وحسب الاستطلاعات فانه قد يرفع من عدد مقاعده في الكنيست الى حوالي 18 – 20 مقعدا. أما حزب شاس الذي حصل على 11 مقعدا في الانتخابات الأخيرة للبرلمان/ الكنيست 19، لكنه خسر زعيمه الروحي عوفديا يوسيف الذي رحل قبل أكثر من عام، وكذلك تغير رئيس كتلته من ايلي يشاي الى الحاخم اريه درعي المتخاصمين والمتنافسين سياسياً ودينياً. وقد أعلن يشاي عن خروجه من حزب "شاس"، وتشكيل حزب ديني جديد مما يعني أن حزب شاس لن يحصل على 11 مقعداً في الانتخابات القادمة بل أقل من ذلك.
أما حزب "يهوديت هتوراه" فهو حزب متماسك حتى الآن، واخباره وتحركاته لا تغطيها الصحافة الاسرائيلية، هو حزب منغلق على نفسه، وعلى أعضائه.
والقاسم المشترك بين جميع الأحزاب الدينية انها لا تجري انتخابات ديمقراطية وشفافة لانتخاب قوائمها، ومن يعد قائمة كل حزب هو رئيس الحزب بالتعاون مع القادة الروحيين له، أي مجلس حاخاماته الكبار.
حزب الليكود في ورطة
يواجه حزب الليكود مخاطر عدم عودته لقيادة الحكم في اسرائيل إذ أن 60 بالمائة من مواطني اسرائيل، حسب الاستطلاعات العامة، لا يريدون عودة زعيم الحزب بنيامين نتنياهو الى منصب رئيس الوزراء، لأنهم ملّوا من سياسته... وهذه ليست المعضلة، بل ان هناك داخل الحزب من يعارضه وينافسه ومن بينهم موشيه فيجلين، المتطرف جدا، وكذلك داني دانون الذي فصله نتنياهو عن منصبه كنائب لوزير الدفاع لمواقفه المعارضة لسياسة نتنياهو خلال الحرب العدوانية على القطاع في الصيف المنصرم.
الوزيرة الليكودية ليمور ليفنات أعلنت اعتزالها الحلبة السياسية، وتفرغها لامورها الخاصة بعد سنوات طويلة من كونها عضوا في الكنيست منذ 1996 وحتى الآن، أي لدورات عديدة.
جدعون ساعر، وزير الداخلية سابقاً استقال قبل عدة شهور من حزب الليكود للتفرغ لأمور حياته العائلية.. أما موشيه كحلون، فقد ترك الحزب قبل الانتخابات الأخيرة (رقم 19) ولكنه يعود الى الحلبة السياسية بتشكيل حزب جديد اسمه "كلـُّنا"، وهذا قد يحصل على بعض أصوات الليكود.
حزب الليكود في أزمة داخلية، فهل المؤتمر العام للحزب الذي سيعقد يوم 31 كانون الاول الجاري سيحسم هذه الازمة، ويبقى نتنياهو في سدة القيادة أم أن هناك مفاجآت؟ الاجابة هي عند أعضاء الحزب وفي نهاية هذا الشهر.
من أحزاب الوسط: "هناك مستقبل"
حزب "هناك مستقبل" بقيادة يائير لابيد، وحسب استطلاعات الرأي العام، قد لا يحصل على 19 مقعدا كما هو الحال في الكنيست المنحلة، وقد يحصل على اقل من ذلك.
هناك مساع لتشكيل تحالف حزبي مع حزب "كلنا" بزعامة كحلون، واذا تم هذا التحالف فان التكتل الجديد سيحصل على اكثر الاصوات مقارنة ببقية الاحزاب، ولكن هذا التحالف لم يقم ولم يتم حتى كتابة هذا التحليل، فكل أمر ممكن.
ليبرمان يسعى لمنصب رئيس الوزراء
أما حزب "اسرائيل بيتنا" فانه لن يخوض الانتخابات مع حزب الليكود كما كان الحال في الانتخابات الماضية. وزعيم الحزب افيغدور ليبرمان تحوّل الى خصم سياسي لرئيس الوزراء نتنياهو، وهو لا يخفي طموحاته في أن يصبح رئيس وزراء اسرائيل القادم. وقد قامت الشرطة مؤخراً، بالاعلان عن اجراء تحقيق مع العديد من موظفي الدولة الكبار ومن بينهم نائبة وزير الداخلية عضو كنيست عن حزب اسرائيل بيتنا، حول فساد وتبييض أموال. واعتبر حزب "اسرائيل بيتنا" هذه التحقيقات مقصودة ولضرب الحزب بعد أن قرر الانفصال عن تحالفه مع الليكود. وهاجم الحزب النائب العام للدولة وقائد الشرطة على هذا التصرف الذي وصفه "بالفاسد" في حين أن المفتش العام للشرطة نفى هذه الاتهامات والادعاءات، وقال أن توقيت التحقيق والاعلان جاء بعد اكتمال التحقيقات والتحريات السرية حول هذه الاتهامات والتي بدأت قبل عام. وان الشرطة على مسافة واحدة من كل القوى السياسية والمواطنين.
أي أن ليبرمان يخوض معارك على أكثر من جبهة، وخاصة الجبهة التي ستحافظ على سمعة الحزب أمام ناخبيه، وسيحاول اظهار أن حزبه "نظيف"، ويتعرض لتشويه. ولكن هذه التحقيقات ستساهم الى حد ما في ابعاد ليبرمان عن تحقيق طموحاته السياسية، ومن الصعب ان يصل الى منصب رئيس الوزراء، الا اذا حدثت اعجوبة سياسية في اسرائيل حولته الى بطل قومي كبير.
احزاب قد تختفي
من الاحزاب المتوقع لها الاختفاء عن الساحة السياسية في الانتخابات القادمة هو حزب "كاديما" بزعامة شاؤول موفاز لانه حصل على مقعدين في الكنيست المنحلة، وفي الانتخابات القادمة رفعت نسبة الحسم مما قد يؤدي الى عدم الحصول على أي مقعد، ولذلك فانه يسعى للانضمام الى أي حزب جديد أو قديم ليضمن الحصول على مقعد له في الكنيست الآتية الجديدة.
ويجب الاشارة الى ان احزاباً عديدة شاركت في الانتخابات الماضية، ولكنها لم تتجاوز نسبة الحسم، وبالتالي رحلت عن الحلبة السياسية. وحزب كاديما قد يرحل كما رحلت العديد من الاحزاب في السنوات الماضية، وخاصة أحزاب الوسط التي تظهر وتبرز وسرعان ما تنهار في انتخابات لاحقة لها. وحزب "كاديما" من 29 مقعدا الى مقعدين، وحزب "المتقاعدين" برئاسة تومي والد يائير لبيد اختفى..
الاحزاب العربية بحاجة الى توحيد
هناك ثلاثة احزاب عربية الآن هي حزب الجبهة، والتجمع والعربي للتغيير.. وتملك هذه الاحزاب 12 مقعداً في الكنيست المنحلة، ومع رفع نسبة الحسم الى حوالي 3,5 بالمائة، فان هذه الاحزاب قد تغيب عن الساحة السياسية الا في حالة التحالف فيما بينها بتشكيل قائمة موحدة. واذا تم تشكيل كتلة حزبية واحدة، فان هذه الكتلة البرلمانية الموحدة ستشكل ثقلاً في الكنيست الجديدة. وتقول مصادر عديدة أن كتلة موحدة، وتصويت بنسبة كبيرة لدى الأوساط العربية ستحصل على ما يقارب الـ 15 مقعداً، وهذه كتلة سيكون لها وزنها وثقلها في تشكيل الحكومة القادمة، وسيكون لها الاثر الكبير في منع سن قوانين عنصرية جديدة في البرلمان القادم.
ولكن التساؤل المطروح: هل الطريق مفتوحة أمام تشكيل كتلة واحدة موحدة؟
الاجابة على هذا السؤال تقول وبكل وضوح أن امكانية تشكيل كتلة واحدة هو أمر صعب نتيجة خلافات شخصية وكذلك سياسية. ومن الممكن فقط تشكيل كتلتين بدلا من ثلاث كتل، وهذا أمر خطير ومغامر بسبب أن نسبة الحسم كبيرة وعالية، واذا لم تتجاوزها أي كتلة منهما أو الاثنان معا، فهذا يعني غياب الكتل العربية عن البرلمان، ليحل مكانهم أعضاء عرب ينتمون لاحزاب صهيونية واسرائيلية.
الجهود متواصلة لاقناع قادة الاحزاب بالمشاركة في كتلة واحدة دون توحيد المبادىء والآراء والبرامج، فالمهم خوض الانتخابات معا، ومن ثم كل حزب يعمل كما يريد داخل الكنيست، وفي معظم الأحيان فان هذه الأحزاب تلتقي في التصويت معا ضد العديد من القوانين العنصرية، ولصالح قوانين يطرحها أعضاء كنيست عرب هي لصالح العرب الفلسطينيين الذين يمثلهم هؤلاء النواب!
من مصلحة الأحزاب الاسرائيلية الصهيونية أن يختلف العرب فيما بينهم، والا يشكلوا كتلة واحدة، ومن مصلحتهم أن تفقد الأحزاب مقاعدها عبر عدم تجاوز نسبة الحسم فبالتالي تضيع أصواتها لصالح أحزاب أخرى، أو تضيع هباءً لا يستفيد منها أحد.
هناك مطالبة من الجماهير العربية بضرورة أن تتوحد الأحزاب، وكذلك من الضروري جدا اضفاء نكهات لهذه الاحزاب أو هذه الكتلة المتحالفة من خلال ترشيح وجوه جديدة حتى تبث دماء جديدة وفعالة فيها، والا تبقى هذه الأحزاب محصورة أو مقيدة بنفس الشخصيات مع الاحترام لكل واحد منهم.
والتساؤل: هل تتحد هذه الأحزاب لتشكل كتلة أو كتلتين على الأكثر؟ الواضح أنه لن تكون هناك كتلة واحدة، بل ستكون هناك كتلتان، واذا تم تشكيل أكثر من ذلك فان المسؤولية تقع على قادة هذه الكتل والاحزاب في أي فشل قد تواجهه في الانتخابات القادمة.
خلاصة القول
لم تتضح الصورة النهائية، ولا القائمة النهائية للاحزاب التي ستخوض الانتخابات القادمة، ولكن ما هو مهم وحسب استطلاعات الرأي العام، فان اليمين هو الذي سيحصد الغالبية من الاصوات، فبالتالي لن يكون هناك أي تغيير سوى في أسماء الاحزاب والتكتلات والمواقع، وتبقى سياسة اسرائيل على ما هي عليه، وهذا يعني أن الوضع لن يتغير، مع الامل، مع أنه ضعيف، في أن تكون هذه الاستطلاعات غير صائبة ويحدث تغيير لصالح تحقيق سلام دائم وشامل وعادل في المنطقة.