عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير اجتماعاته في رام الله يومي 4 و5 آذار 2015 بحضور الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس الوزراء رامي الحمد الله، واعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والأمناء العامين للفصائل الفلسطينية. وترأس الجلسات، كما ينص عليه القانون، الاخ سليم الزعنون (ابو الاديب)، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني.
وقد حضر هذه الجلسات 80 عضوا من اصل 110 أعضاء المجلس، وغياب 30 عضوا بسبب الاعتقال، وكذلك بسبب منع حركة "حماس" بعض الاعضاء من مغادرة القطاع، وكذلك منع سلطات الاحتلال الاسرائيلية لعدد آخر من الاعضاء من الوصول الى منطقة رام الله، اذ ان الاجتماع عقد في مقر المقاطعة.
وكانت كلمة الافتتاح لرئيس المجلس أبو الاديب الذي رحب بالحضور، واكد ان هذه المرحلة حساسة وصعبة ومهمة، وتتطلب اتخاذ القرارات المسؤولة والمهمة، كما دعا الى ترتيب البيت الفلسطيني، وكذلك الى ضرورة وقف التنسيق الامني مع اسرائيل.
كلمة الرئيس عباس
وبعد ذلك القى الرئيس عباس كلمة مهمة وشاملة دعا فيها الى عدة أمور أساسية وجوهرية وأهمها: ضرورة اعادة النظر في دور السلطة ووظائفها، وهذا يعني دراسة كيفية قيام سلطة وطنية ذات سيادة حقيقية، وان تكون التزاماتها بالمعاهدات متبادلا من الطرفين. واكد على ان حل القضية الفلسطينية حلا عادلاً سيساهم في انهاء العنف والتطرف في المنطقة.
وأكد الرئيس عباس مجدداً على شروط القيادة الفلسطينية للعودة الى طاولة المفاوضات وهي:-
1. وقف الاستيطان في الضفة والقدس.
2. الافراج عن الاسرى القدامى، اي الدفعة الرابعة من هؤلاء الاسرى كما تم الاتفاق على ذلك.
3. رفض الاعتراف بالدولة اليهودية.
4. التمسك بحل الدولتين على حدود آمنة ومعترف بها من قبل الدولتين والعالم كله.
جلسات جادة وصاخبة
شهدت الجلسات العديدة نقاشات جادة، وجدال عنيف حول القضايا التي طرحها الرئيس في كلمته وأهمها ضرورة اعادة النظر في دور السلطة الوطنية، وما هو المطلوب لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، اذ ان أمناء الفصائل وغالبية اعضاء اللجنة التنفيذية ادلوا بدلواهم، وبآرائهم. وبعض أعضاء المجلس عاتبوا القيادة الفلسطينية على عدم اتخاذ القرارات المصيرية الصعبة، وتأخير توقيع انضمام فلسطين الى المؤسسات والمعاهدات الدولية المختلفة، وضرورة تقديم دعاوى في المحكمة الجنائية الدولية.
هذا النقاش الساخن والصاخب في بعض الاحيان، عكس حرية التعبير عن الرأي، وعكس المرحلة الصعبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني، وبضرورة تحمل الجميع مسؤولية ما يجري. وكان هناك نقاش حول المصالحة الوطنية مع حماس، حيث شدد الرئيس عباس على ضرورة ان ترسل "حماس" رسالة رسمية تعلن فيها موافقتها على اجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن. ووعد بعد تسلم الرسالة، بانه سيصدر مرسوما بموعد اجراء هذه الانتخابات. ومطالبة الرئيس لهذه الرسالة الخطية الرسمية تعكس عدم ثقته بما تطالب به "حماس"، وعدم التزامها بما يتم الاتفاق عليه. واراد امتحانها عبر ارسال رسالة تلزم نفسها بقبول اجراء الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية.
قرارات المجلس
تضمنت قرارات المجلس 12 بنداً رئيسياً، وبعض البنود تفرعت الى بنود أخرى..
وقد تناول البند الأول تمسك المجلس بالثوابت والحقوق الوطنية غير قابلة للتصرف، وهو بند يتكرر ذكره وتناوله في مختلف قرارات اهتمامات المجلس السابقة.
أما البند الثاني فقد تطرق الى الدعوة الى تحقيق المصالحة، وتطبيق الاتفاقات والمعاهدات، واعطاء الفرصة لحكومة الوفاق الوطني على تحمل مسؤولياتها في ادارة القطاع، وتهيئة الظروف لفتح معبر رفح عبر منح أمن الرئاسة الصلاحيات للاشراف الكامل عليه.
في حين أن البند الثالث من القرارات دعا شعبنا الفلسطيني الى الصمود في وجه الاحتلال عبر النضال السلمي والمقاومة الشعبية الواسعة له.
موضوع صمود القدس والدعوة الى دعم أهلها بما يكفل ويضمن تعزيز صمودهم، والدعوة كذلك الى توحيد المرجعيات السياسية الوطنية، ورصد الموازنات اللازمة لهذا الصمود. والاعتماد على لجنة القدس التابعة لمنظمة التحرير كمرجعية أساسية! جاءت جميعاً ضمن البند الرابع من قرارات المجلس المركزي للمنظمة.
حول علاقة السلطة الوطنية مع الاحتلال الاسرائيلي
البند الخامس من قرارات المجلس توقف كثيراً حول رؤية المجلس لعلاقة السلطة الوطنية الفلسطينية مع الاحتلال. وعالج ست قضايا اساسية وهي:-
1. حمل المجلس اسرائيل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني كسلطة احتلال لشعب، وهذا الاحتلال مخالف لكل القوانين والشرائع الدولية.
2. التوصية بوقف التنسيق الامني بكافة اشكاله في ضوء عدم التزام اسرائيل واحترامها لاتفاقات الموقعة معها.
3. أي قرار جديد لمجلس الامن الدولي يجب أن يؤكد الالتزام بقرارات الشرعية الدولية السابقة، وفي الوقت نفسه يحدد سقفاً زمنياً لانهاء الاحتلال الاسرائيلي.
4. تأكيد المجلس المركزي على رفض فكرة الدولة اليهودية، وكذلك رفض أي اقتراح لحدود مؤقتة للدولة الفلسطينية.
5. تكليف اللجنة التنفيذية بمتابعة القضايا القضائية، أي الدعاوى والشكاوى المقدمة لمحكمة الجنايات الدولية بالتعاون مع لجنة المتابعة العليا التي اصدر الرئيس عباس مرسوماً بتعيين اعضائها الذين زادوا عن 30 عضوا.
6. أوصى المجلس المركزي بضرورة استمرار مقاطعة المنتوجات الاسرائيلية كشكل من اشكال المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الاسرائيلي.
البنود الاخيرة من القرارات
أما البنود السبعة من قرارات المجلس فكانت شبه عادية، وهي لم تأت إلا بالقليل من الجديد. وهذه البنود هي:-
في البند السادس ثمن المجلس المركزي وشكر توقيع الرئيس عباس على الاتفاقات والمعاهدات الدولية، أي بمعنى قرار الانضمام الى المنظمات والمؤسسات الدولية المختلفة، ومن أهمها اتفاقية روما، ومحكمة الجنايات الدولية.
وشدد المجلس في البند السابع على ضرورة متابعة منظمة التحرير لاوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الشتات. في حين أن البند الثامن تضمن ادانة المجلس المركزي للجرائم التي يرتكبها تنظيم داعش وخاصة اعدام الطيار الاردني حرقا معاذ الكساسبة، واعدام 21 مصرياً في ليبيا.
أما البند التاسع من القرارات فقد دعا الى تحقيق المساواة الكاملة مع المرأة في دولتنا الفلسطينية، وفي البند العاشر حيا المجلس نضال الاسرى في السجون الاسرائيلية ودعا الى ضرورة دعمهم.
والبند الحادي عشر من قرارات تضمن موافقة المجلس المركزي على انضام المبادرة الوطنية الفلسطينية الى منظمة التحرير. وتضمن البند الثاني عشر والأخير ضرورة انتظام عقد اجتماعات المجلس المركزي مرة كل ثلاثة شهور، وبضرورة قيام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بمتابعة هذه القرارات وتطبيقها وتقديم تقرير شامل عن ذلك في الاجتماع المقبل للمجلس المركزي لمنظمة التحرير.
ما الجديد في القرارات
الجديد في قرارات المجلس المركزي عدة أمور وأهمها:-
أولاً: التوصية بوقف التنسيق الأمني مع اسرائيل.
ثانياً: استمرار المقاطعة للمنتوجات الاسرائيلية لانها تشكل من المقاومة الشعبية للاحتلال.
ثالثاً: متابعة القضايا والدعاوى المقدمة لمحكمة الجنايات الدولية.
رابعاً: قبول المبادرة الوطنية الفلسطينية عضوا في منظمة التحرير، مع ان امين عام المبادرة الدكتور مصطفى البرغوثي كان يشارك في العديد من اجتماعات القيادة الفلسطينية.
خامساً: التركيز في القرارات على المقاومة الشعبية السلمية اذ ان المجلس لم يذكر البت المقاومة المسلحة، وركّز على المقاومة الشعبية. وقبول المبادرة الوطنية في المنظمة هو دعم لهذه المقاومة، لان المبادرة الوطنية هي من دعاة ورعاة هذه المقاومة الشعبية التي تشهدها المناطق الفلسطينية، وخاصة يوم الجمعة من كل أسبوع.
سادساً: اصرار المجلس على عقد اجتماعاته مرة كل ثلاثة شهور، وهذا يعني معاتبة للقيادة، ولرئيس المجلس الوطني بعدم الدعوة المنتظمة لعقد المجلس اجتماعاته. وهذا ايضا يعكس أمراً مهماً ألا وهو ضرورة توحيد الصفوف في هذه المرحلة حتى يتحمل الجميع المسؤولية عن مختلف القرارات المصيرية التي ستتخذ، والتي يجب ان يتحمل مسؤولياتها الجميع، وليس فقط اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
قرارات لامتصاص غضب المقدسيين
فيما يتعلق بالقدس، فان القرارات هي حبر على ورق، لانه ليست هناك موازنة لمدينة القدس، وهناك تعدد للمرجعيات، وهناك تقصير كبير تجاهها.. والدعوة لتعزيز صمود أبناء القدس ما هي لامتصاص غضب ابناء القدس على الجميع لانهم كلهم مقصرون، وكلهم "يتاجرون" بنضال أبناء القدس الذين يذوقون مرارة المعاناة القاسية اليومية.. والغريب أن المجلس المركزي يدعو الى تخصيص موازنة لدعم صمود أبناء القدس مما يؤكد انه لم تكن هناك موازنات، ودعا المجلس الى توحيد المرجعيات السياسية، وهذه دعوة معقولة ومنطقية ويرددها ابناء القدس باستمرار، ولكن هل من مجيب فعلي لهذه الدعوة الجادة من الجميع؟ وهل تكون هناك موازنة للقدس أم معاناة السلطة المالية لن تحلها الا الاموال التي تأتي للقدس وتذهب لدعم السلطة بدلاً من دعم صمود أبناء هذه المدينة المقدسة.
قرارات مهمة عامة
والأكثر اهمية التطبيق
أما الدعوة لتحقيق المساواة مع المرأة فهذه دعوة جادة، ولكن كيف يكون التطبيق الفعلي؟ فكم امرأة (التي تمثل نصف المجتمع) هي رئيسة مجلس محلي في فلسطين، أو عضو في المجلس التشريعي. جاءت الدعوة نظراً لاقتراب الاحتفال بيوم المرأة، ولكن على ارض الواقع، فليست هناك تطبيقات.. فهل يكون هناك قانون يلزم بأن تمثيل المرأة في المجلس التشريعي وجميع المؤسسات يجب ان تكون اكثر من 20 بالمائة. في الدول الاسكندنافية، تقول الكوتا أن المرأة يجب ان تتمثل في 40 بالمائة من مؤسسات الدولة المختلفة.
والتساؤل الذي يطرح دائماً: هل ستطبق جميع هذه القرارات ام انها مجرد حبر على ورق؟ وهل السلطة الوطنية قادرة على وقف التنسيق الامني، وتحمل بالتالي تبعات ونتائج وارتدادات القرار؟ فهل تجد من يؤازرها في العالم العربي في حالة تبني هذا القرار؟
لقد ركز المجلس المركزي على ضرورة اكمال مشوار المصالحة؟ ولكن أين هي هذه المصالحة على ارض الواقع؟ حماس تعتقل في القطاع أبناء حركة فتح، في حين ان حماس تتهم السلطة الوطنية بشن حملة اعتقالات واسعة شملت السياسيين من أبناء الحركة، وذلك بعد مرور اقل من 24 ساعة على انتهاء اعمال المجلس المركزي للمنظمة.
موضوع المصالحة مهم جدا، ويجب أن يتحقق، والسؤال متى؟ والجواب واضح وهو انه عندما تكون النوايا جادة ويكون الولاء والوفاء للقضية والوطن، فوق كل الاعتبارات الاخرى.. وهل من الممكن ان يلعب المجلس المركزي دورا في تحقيق هذه المصالحة؟ نعم يمكن اذا تعاضد الجميع، ورتبوا جميعا البيت الفلسطيني ليكون قويا ومتماسكا امام الظروف والمعطيات والاجواء الصعبة الاتية!