ما هي الأسباب التي تقف وراء توتر العلاقة بمختلف أشكالها بين قطر ومصر؟ ولماذا فشلت جهود المصالحة التي بذلتها السعودية قبل عدة أشهر؟ وما هو المتوقع مستقبلا، أمزيد من التدهور أو توجه نحو الانفراج؟
هذه الأسئلة وغيرها تطرح يوميا، وخاصة ان مصر تحتل مكانة كبيرة في العالم العربي، والمتوقع أن تكون علاقاتها مع جميع الدول العربية جيدة اذ انها تعتبر أم الدنيا، فهي بالتالي أم للعرب جميعا؟ وقد يقول أحدهم هي أم للعرب وليس للقادة العرب الذين لهم ميولهم وانتماءاتهم وسياساتهم الخاصة!
التوتر في عهد مبارك
التوتر بين مصر وقطر لم يبدأ قبل سنة أو سنتين، بل كان موجودا في عهد الرئيس المصري المعزول حسني مبارك اذ ان قناة الجزيرة كانت تشن عليه حملات اعلامية، وكذلك الاخوان المسلمون المقيمون في قطر.
حاول الرئيس مبارك "ترقيع" هذه العلاقة، وزار قطر أكثر من مرة، لكنه فشل؟ كما ان قطر كانت تعامل الايدي العاملة المصرية بصورة سيئة.
ولعبت قناة الجزيرة القطرية دوراً كبيراً في تجييش وتحريض الشارع المصري ضد الرئيس مبارك، وفي تغطية ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وعندما تنحى مبارك عن الحكم في 4/2/2011، لعبت قطر الدولة دورا كبيراً في دعم حركة الاخوان المسلمين لكي يقطفوا ثمار هذه الثورة. وتوجه القرضاوي من الدوحة الى القاهرة، وشارك في القاء خطب دينية احتفالية بالاطاحة بمبارك، حتى انه رفض أن يعتلي المنصة أي من الشبان المصريين الذين ناضلوا وقادوا ثورة الشباب ضد مبارك.
انتخابات 2012
في عام 2012 جرت انتخابات رئاسية، وقد فاز مرشح "الاخوان المسلمين" فيها وهو الرئيس محمد مرسي الذي استمر حكمه لمدة عام كامل حيث أطيح به في ثورة 30 حزيران 2013. وفي العام 2014، جرت انتخابات رئاسية جديدة فاز فيها عبد الفتاح السيسي، وأدى قسم اليمين وتولى المنصب رسميا يوم 7 حزيران 2014.
وخلال حكم الرئيس مرسي الاخواني لعبت قطر دورا كبيرا في دعمه ودعم الاخوان بشكل واضح. حتى ان قطر قدمت منحة مالية للاقتصاد المصري، وشجعت نظام الحكم على "أخونة" الدولة، عبر قرارات أثارت غضب الجماهير المصرية، حتى ان اتهاماً وجه الى مرسي بأنه وقع اتفاقا سريا مع حركة "حماس" في القطاع يقوم بموجبه باعطاء مساحة كبيرة من الارض لتوسيع مساحة القطاع مقابل مبلغ معين (10 مليار دولار) ستدفعه قطر!
ضد السيسي
وبعد أن أطيح بالرئيس مرسي وقفت قطر ضد الثورة، ووصفته بأنه انقلاب ضد الشرعية. وبدأت بدعم حركة الاخوان المسلمين التي أنشأت ذراعاً عسكرياً مقاوماً للنظام الجديد في مصر.. حتى ان الدولة المصرية الحالية تتهم قطر بتمويل نشاطات الاخوان المسلمين المعادية لها، وان قطر تقف خلف جماعة "بيت المقدس" في سيناء؟
أي أن مصر تتهم قطر بدعم "الارهاب" في سيناء، وهذا الدعم يأتي عبر حركة حماس في القطاع، حسب هذا الاتهام، لذلك نرى مصر تقف موقفا معادياً جدا لحماس، وهناك أجواء شعبية مصرية مناهضة لهذه الحركة (حماس)، لأن هناك انطباعاً بأن كل حركات الاخوان المسلمين سواء في الشرق أو الغرب تقف ضد مصر.
وهناك مطلوبون من قادة الاخوان فرّوا من مصر، ويقيمون حاليا في قطر وتركيا، ويشنون حملات اعلامية ضد مصر من تلك الدولتين.
جهود المصالحة فشلت
حاولت السعودية تحقيق مصالحة بين مصر وقطر، وقام مندوب قطري بزيارة مصر، واجتمع الى الرئيس السيسي. ولكن هذه الزيارة لم تنتج عن أي شيء لان المطلوب كان وقف الحملات الاعلامية القطرية ضد مصر، والتعامل مع النظام الشرعي الحالي، ووقف دعم نشاطات الاخوان في مصر، وابعاد قادة الاخوان المطلوبين للعدالة عن قطر الى مصر.
من الصعب أن تقبل قطر بهذه الشروط، وكذلك من الصعب على مصر أن تقبل تدخل قطر في شؤون مصر الداخلية.
وهناك اتهام لقطر بأن ما تعرضت له ليبيا من خراب ودمار تتحمل مسؤوليته قطر أيضاً لأنها شاركت في ما يسمى بالربيع العربي، بناءً على أوامر الادارة الاميركية. حتى أن قطر انتقدت مؤخراً قيام الطائرات الحربية المصرية بقصف مواقع "داعش" وغيرها من التنظيمات الارهابية في ليبيا، مع ان هذه الغارات تمت بناءً على طلب رسمي من الحكومة الليبية الشرعية.
وما دام هناك عداء مصري للاخوان، وما دام الاخوان المسلمون لا يعترفون بثورة 30 يونيو، ويعترضون عليها، ويعتبرونها انقلاباً، وما دامت الحركات الارهابية تقاتل الجيش المصري في سيناء، فان العلاقة بين القاهرة والدوحة لن تتحسن، بل تزداد سوءاً في المستقبل.. اذ أن قطر وتركيا تعتبران من الدول الداعمة والحاضنة والراعية للاخوان المسلمين ليس في مصر، بل في كل أقطار العالم العربي.
ولا شك أن بعض دول الخليج هي ضد "الاخوان المسلمين"، مثل السعودية ودولة الامارات، ولذلك فان مصر تلقى دعما من هاتين الدولتين واللتين تعانيان من الاخوان المسلمين، وتتمنيان اضعاف هذه الحركة، لا بل القضاء عليها.
في الخلاصة، فان الصراع بين مصر من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى هو صراع بين مصر والاخوان المسلمين.. ولن يهدأ هذا الصراع الا اذا توقفت تركيا وقطر عن دعم الاخوان، وهذا امر شبه مستحيل في الفترة الحالية.