دوافع استمرار مراهنة اوباما على الاسلام السياسي المعتدل
يُجمع كثيرون بأن السياسة الاميركية الخارجية تجاه الشرق الأوسط فاشلة، اذ ان الادارة الاميركية الحالية خسرت العديد من الحلفاء الأوفياء، وراهنت على حصان "الاسلام السياسي المعتدل"، وسعت الى احداث "فوضى خلاقة" في العالم العربي لتقسيمه وتجزئته، واستعانت بالارهاب من أجل تنفيذ مخططاتها الفاشلة في المنطقة.
لم تقرأ الادارة الاميركية جيداً الوضع في المنطقة، ولا المعطيات المتوفرة، وكذلك، وحتى يومنا هذا، لم تستوعب عادات وطبيعة الشعوب، لذلك فشلت فشلاً ذريعاً، وها هي تدفع ثمن ذلك حتى الآن!
دعم "الربيع" العربي
عندما انطلق ما يسمى بـ "الربيع" العربي في تونس اواخر عام 2010 بصورة مفاجئة لها، ووضع حليفها الرئيس المعزول التونسي زين العابدين بن علي في موقف صعب ومحرج، سارعت الى التخلص منه عبر عدم توفير أي دعم له، واضطر للهروب الى السعودية حيث يقيم هناك من دون أي نشاط أو ذكر له.
وظنت هذه الادارة ان الربيع العربي سيجيء بأنظمة جديدة موالية لها، وهي أنظمة "اسلامية".. فدعمت "الربيع" في مصر، وتنحى مبارك، ودعمت وصول الاخوان الى السلطة، وغضبت عندما أطاح الشعب المصري عبر ثورة 30 يونيو بالرئيس الاخواني محمد مرسي.. ورحل بصورة بشعة الرئيس الليبي معمر القذافي الذي كان حليفاً ممتازاً للغرب، وخاصة لفرنسا وايطاليا، والوضع في اليمن ما زال متدهوراً حتى يومنا هذا، ودعمت الادارة الاميركية ما يسمى بـ "الحراك" الشعبي في سورية، ولكن سرعان ما تبين انه مؤامرة خبيثة وكونية تقف وراءها اميركا وحلفاؤها.
الربيع العربي لم يخدم اميركا كثيراً، اذ أنها فقدت تونس وليبيا واليمن ومصر.. وكسبت عداءً قوياً من محور الممانعة والمقاومة الذي صمد أمام مؤامرة النيل منه.
مناصرة "الارهاب" والاخوان
وبعد أن فقدت حلفاءها الاساسيين الثابتين، تحالفت الادارة الاميركية مع من يُسمى ويعرف بالاسلام السياسي المعتدل، والمقصود به هو تيار أو حركة الاخوان المسلمين. وقد وجه الرئيس الاميركي باراك اوباما خطاباً من على منبر جامعة القاهرة في حزيران 2009 مد يد الادارة الاميركية للمصافحة والتعاون مع الاسلام السياسي. وحينها ذكر مراقبون عديدون ان اوباما كشف عن ميوله أو انتماءاته الدينية السياسية، والى الاخوان المسلمين بالتحديد.. وتكشفت هذه الميول أكثر عندما دعم الاخوان المسلمين في تونس ومصر من أجل الوصول الى سدة الحكم.. ولكن هذا الرهان فشل في مصر، وكذلك في تونس.. ووجهت لحركة الاخوان المسلمين صفعات عديدة ومؤلمة رغم الاموال الطائلة التي صرفت من قبل قطر بناءً على أوامر ونصائح اميركية، لدعم هذه الحركة.
ومشروع "الربيع العربي" المزيف اصطدم بصخرة قوية في سورية، اذ تبين سريعا أن هناك مؤامرة لتفتيت وتقسيم سورية، فلم تتردد الادارة الاميركية في دعم ما دعيت وسميت بالمعارضة المسلحة، التي سرعان ما تبين أنها مجموعات ارهابية وليست معارضة.. ورغم أن الامم المتحدة اعتبرت "جبهة النصرة"، حركة ارهابية رغم حصولها على دعم من قطر وتركيا، ولكن هذا الاعلان الدولي لم يغير من الامور على ارض الواقع، فاستمر الدعم المالي والعتادي والاعلامي لهذه الجبهة "الارهابية" لعل وعسى تحقق اهداف اميركا في اسقاط الدولة السورية، ومن ثم تقسيم سورية. ولم تدعم الادارة الاميركية جبهة النصرة بل العديد من المجموعات الارهابية مثل داعش وجيش الاسلام، وحركة أحرار الشام والمجموعات ذوات الأسماء الاسلامية الرنانة والطنانة.. وهذا الدعم الكبير جعل من هذه المجموعات قوة كبيرة.. وخاصة تنظيم "داعش" الذي توجه ايضاً للعراق، واحتل جزءاً كبيراً منه، واقترب من عاصمة كردستان العراقية "اربيل"، فأدرك الاميركيون ان دعم الارهاب هو سيف ذو حدين، قد ينقلب عليهم.
والغريب ان اميركا قررت تشكيل قوة التحالف هدفها الاول والاخير التصدي ومواجهة تنظيم داعش. وهذا التحالف بقيادة اميركا يشن غارات جوية على مواقع التنظيم لاضعافه لانه خرج عن اطار الاتفاق الذي كان مبرماً معه.
حتى ان هذا التحالف أساء لاميركا نفسها، لانه تبين ان الهدف منه ليس القضاء على "داعش" كاملاً، بل حصره في المكان الذي تريد منه ان يبقى فيها لتنفيذ المخططات الاميركية، لا أن يتوسع أكثر ويهدد مصالح اميركا. وأعلنت اميركا ان قتال داعش سيستمر لمدة ثلاث سنوات، اي ان الفوضى في العراق وسورية ستستمر لمدة ثلاث سنوات من اجل استمرار نزيف الدم العراقي والسوري، وحتى تبقى الدولتان ضعيفتين بسبب انشغالهما في مواجهة الارهاب على اراضيهما.
ورغم كل الفشل الذريع في السياسة الاميركية تجاه المنطقة الا ان اوباما ما زال يراهن على الاسلام السياسي المعتدل، لان هذا الاسلام هو الذي يتعامل معه اذ لم يبق له أي حليف سوى هذه المجموعات الارهابية الخطيرة جدا، والاكثر قبولا دوليا هو التيار الاسلامي المعتدل، وذلك لمحاربة التيار المتطرف، اي بمعنى آخر، فان الادارة الاميركية تحاول الايقاع بين المسلمين أنفسهم عبر تقسيمهم الى معتدل ومتطرف.. وها هي تقرر تدريب ما يسمى بالمعارضة المعتدلة في سورية لمحاربة "داعش"، والواقع لمحاربة الدولة السورية.
اي أن الرهان على الاخوان المسلمين ما زال مستمرا، وسيبقى كذلك الى حين انتهاء ولاية اوباما الرئاسية الثانية مع اواخر العام 2016.