مبدأ الحياد لم ينفع، ولذلك لا بد من موقف حاسم
ضد الارهاب وممارساته البشعة
توجه وفد من منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة عضو اللجنة التنفيذية الدكتور أحمد مجدلاني الى العاصمة السورية قبل أيام، وبناءً على تكليف من الرئيس محمود عباس، من أجل اجراء اتصالات كثيفة وجادة لانهاء معاناة مخيم اليرموك قرب العاصمة السورية دمشق. وسيعمل الوفد على اجراء اتصالات مع كل الاطراف لعدم زج المخيم أو الشعب الفلسطيني في أتون نار المؤامرة، التي تشن على سورية منذ أكثر من 4 سنوات.
طبيعة المعاناة
لقد كان المخيم آمناً، وبعيداً عن الصراع الداخلي، وبعيداً عن المؤامرة، الا ان "جبهة النصرة"، والارهابيين في منطقة الحجر الاسود المجاورة للمخيم بدأوا بقصف المخيم بين حين وآخر، مما أدى الى تشكيل قوة لحماية المخيم من أي هجوم متوقع من تنظيم جبهة النصرة أو من ارهابيين آخرين، وتم تشكيل قوة "اكناف بيت المقدس" التي هي معارضة للدولة السورية، وينتمي غالبية الاعضاء فيها لحركة "حماس".. وما هي الا فترة زمنية قصيرة حتى دخلت جبهة النصرة للمخيم، وسيطرت عليه، فاضطر 90 بالمائة من قاطنيه للهروب، ولم يبق فيه سوى 15 الف فلسطيني. وقد اجبر هذا الاحتلال للمخيم لقيام قوات الجيش العربي السوري بمحاصرة المخيم ومنع الدخول اليه أو الخروج منه. وهذا بالطبع ادى الى معاناة قاطنيه معاناة قاسية وصعبة جداً!
وقبل أيام معدودة، شن تنظيم "داعش" الارهابي هجوما واسعاً على المخيم من منطقة الحجر الأسود، ووقعت معارك طاحنة في مواجهته من قبل تنظيم جبهة النصرة ومؤيديه من المقاتلين الفلسطينيين، الا ان الغلبة كانت لتنظيم "داعش" الذي مارس أبشع أنواع القسوة ضد المخيم وابنائه، والمعارضين له، مما أجبر ذلك الجيش العربي السوري على تشديد الحصار عليه.
أسباب الحصار العسكري السوري
لقد أجبر الجيش السوري بالتعاون مع مقاتلي الجبهة الشعبية/ القيادة العامة على فرض حصار عسكري مشدد على مخيم اليرموك لعدة اسباب وعوامل ومن أهمها:-
· منع انطلاق المعارضين لسورية من التسلل الى داخل العاصمة السورية دمشق اذ أن المخيم هو على اطراف العاصمة، وقد يشكل ثغرة أمنية في الدفاع عنها.
· بعض الفصائل الفلسطينية تدخلت في الصراع داخل سورية، وهذا ما لا تريده الدولة السورية، وكذلك لا تريد ان يزج الشعب الفلسطيني في هذه المؤامرة وان تقع مواجهات على ارض المخيمات!
· عندما دخلت قوات جبهة النصرة الى المخيم، ولاقت ارضية خصبة لذلك، تفادت القيادة السورية اقتحام المخيم، وسحق الذين احتلوا المخيم بدعم من عناصر من قلبه، وفي تآمر عليه.
· دخول مقاتلي داعش الى المخيم حاليا والصدام مع جبهة النصرة، امر لا يعني الدولة السورية، اذ ان التنظيمين الارهابيين يتعاونان مع بعضهما البعض في مناطق، ويواجهان بعضهما البعض في مناطق أخرى.
· ترغب الحكومة أو الدولة السورية في بقاء العلاقة الاخوية مع أبناء شعبنا الفلسطيني في سورية غير "مخدوشة"، وان يبقى هناك احترام متبادل!
· يبدو أن التنظيمات الارهابية تخطط للهجوم على العاصمة من قلب المخيم بعد أن منيت بخسائر كبيرة في جنوب دمشق وفي غربها.. وهؤلاء الارهابيون هربوا الى داخل المخيم، ومن ثم ينطلقون للثأر من هزائمهم.
أي بمعنى أكثر وضوحاً أن الارهابيين، وبالتعاون مع مقاتلين فلسطينيين متواجدين في المخيم، ورطوا المخيم بالمؤامرة، وسمحوا بتحويله الى ساحة لانطلاق عمليات مناهضة للشعب السوري، وهذا تتجنبه ولا تريده الدولة السورية، ولذلك فهي تحاصر هذا المخيم الذي تتواجد فيه اعداد كبيرة من الارهابيين لمنعهم من اختراق العاصمة دمشق عبره!
والغريب بالامر، انه لو قام الجيش السوري بدخول المخيم بعد قصفه لاعتبر ذلك تدميرا لهذا المخيم، ولاتهمت سورية بأنها تشن حرب مخيمات، وحرب "ابادة للجانب الفلسطيني"!
جهود لا تثمر حتى الآن
لقد بذلت القيادة الفلسطينية جهوداً مضنية خلال الفترة الماضية من أجل "تحييد" المخيم، ولكن ذلك لم يتحقق لان من يسيطر في الداخل لا يريد ان يكون المخيم حيادياً.
ومن اجل تخفيف المعاناة على من تبقى فيه من أبناء شعبنا الفلسطيني، تم التوصل الى العديد من الاتفاقات لادخال المؤن والمواد الغذائية بمشاركة وفد من منظمة التحرير الا ان المقاتلين المتواجدين في الداخل، وخاصة المنتمين لجبهة النصرة من غير الفلسطينيين كانوا يفشلون الجهود. وها هو الوفد يتوجه مجددا لاجراء اتصالات ويوقع اتفاقات لـ "تحييد" المخيم، ووقف معاناته بالطرق الهادئة والدبلوماسية، ورغم ان الامل يحذو الجميع من اجل نجاح الوفد في تحقيق ذلك، الا ان اكثر من جهة تلعب بالنار، ومعنية بزج الفلسطينيين في المؤامرة، وبالتالي الاساءة لسورية الدولة التي وقفت الى جانب شعبنا على مدار عقود عديدة، ومنحت اللاجئين امتيازات لم تمنحه مثلها اي دولة من دول المواجهة او الطوق، او الدول العربية.
سيقوم الوفد باجراء اتصالات مع مختلف الفصائل حول الامر، ولكن كيف سيجري اتصالات مع "داعش" الذي يخدم العدو الاسرائيلي، والذي وقف الى جانب اسرائيل في عدوانها الاخير على القطاع.. و"داعش" على خلاف كبير مع حماس، ولذلك، فان امكانية اقناع هذا التنظيم بعدم زج المخيم أو وقف المعاناة قد تكون صعبة جدا، وما على الوفد الا ان يبذل جهودا مضنية بهذا الموضوع المهم.
اما اذا اراد الوفد أن ينجح في مهمته فعليه ان ينسق مع القيادة الشرعية في سورية، وان يعطي الضوء الاخضر وعلناَ لتحرير المخيم من العناصر الارهابية. وان تقف القيادة الفلسطينية الى جانب الشرعية، لان الحياد لم يمنع من زج بعض المخيمات في هذه المؤامرة على سورية، والحياد كان مسيئاً لنا وللعلاقة مع سورية، ولذلك لا بدّ من موقف حاسم وحازم ضد الارهاب، وهذا يعني الوقوف الى جانب الشرعية في سورية وتوفير وعلى الأقل الدعم الاعلامي والمعنوي لها.