الهدف الأول والأخير استنزاف الدولة
كمقدمة لفرض حلول سياسية عليها
لم تستطع المؤامرة على سورية من تحقيق أهدافها، وأهمها اسقاط الدولة السورية الشرعية، فراهنوا منذ الاسابيع الاولى من انطلاق المؤامرة على ذلك، وكانت توقعات وزير الدفاع الاسرائيلي عام 2011 الجنرال المتقاعد ايهود براك بأن يطاح بالدولة وتسقط القيادة السورية وتتم تنحية الرئيس الدكتور بشار الأسد خلال أسابيع، ومن ثم أشهر، فاشلة جدا، لانه وغيره من أعداء سورية لم يحسنوا حساب الأمر، ولم يعرفوا سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، ولأنهم بنوا حساباتهم ومخططاتهم على مؤامرات لهم نجحت في دول وأقطار أخرى ما زالت تعاني من هذا التدخل السافر حتى الآن!
في الفترة الأخيرة بدأ قادة هذه المؤامرة يدركون ويعترفون بأنهم لا يستطيعون تحدي ارادة الشعب السوري في اختيار قيادته، وفي فرض املاءات عليه، ولذلك بدأوا يعترفون بأن الدولة السورية هي جزء أساسي من الحل، كما ان عليهم عاجلاً أم آجلاً الحديث مع رئيس الدولة السورية الشرعي والمنتخب الدكتور بشار الأسد. وأخذت وفود اوروبية تتوجه الى دمشق من اجل اعادة فتح قنوات اتصال.
وفي الوقت نفسه ما زال يصر المتآمرون على سورية بضرورة تدريب المعارضة السورية من اجل "محاربة داعش"، أي للسيطرة على الاماكن التي تسيطر عليها داعش.. ولا يستبعد أحد أن تتحول داعش الى معارضة معتدلة بشكل أو آخر حسب المعايير الاميركية والاوروبية، وبالتالي تتحول حسب رأيهم المواجهة الى ما بين النظام والمعارضة، بدلا من النظام ضد المتآمرين على سورية، وخاصة ضد الارهابيين تحت مسميات أخرى.. أي أن هؤلاء الارهابيين سيتحولون الى معتدلين وبالتالي يتغير الصراع.. وتتحول المعركة من عسكرية الى سياسية اذ أن دول الغرب تحاول حينها التوصل الى اتفاق سياسي بين سوريين أنفسهم علماً أن غالبية الارهابيين هم ليسوا سوريين. أي أن المؤامرة تنتقل الى طاولة المفاوضات السياسية مع استمرار وبقاء نارها مشتعلة على الارض.
وبمعنى آخر وواضح المعالم أن المؤامرة مستمرة على سورية، ولكن بأساليب جديدة وأنماط مستحدثة بعد أن فشلت الاساليب القديمة التي استمرت حوالي 50 شهراً تقريباً.. والاسلوب الجديد هو التفاوض مع الدولة السورية من أجل ايجاد حل سياسي، وفي الوقت نفسه استمرار المعارك هنا وهناك على الارض وذلك لاستنزاف القوة السورية، واضعاف سورية كدولة مقاومة ومواجهة مع اسرائيل.
وخير دليل على ذلك أن الدول المتآمرة ما زالت تدعم الارهابيين بالمال والسلاح، وخاصة جبهة النصرة، ونسيت هذه الدول ان هناك قراراً لمجلس الامن يعتبر جبهة النصرة تنظيماً ارهابياً، ويتحدثون اليوم فقط عن داعش! ولا يذكرون جبهة النصرة التي تتلقى ضربات موجعة في منطقة الجنوب السوري، وهي بصورة مكشوفة متحالفة مع داعش في هذه المنطقة، والهدف الأساسي استنزاف الجيش السوري، وخاصة في منطقة قريبة من الحدود مع اسرائيل، وهذا يتم لطمأنة اسرائيل التي تدعم هذا الارهاب بصورة مباشرة وغير مباشرة إذ أن هذه التنظيمات تقوم بالمهمة القذرة ضد سورية بالنيابة عنها.
ويجب أن نذكر أن المعارضة السورية "المعتدلة" المتواجدة في تركيا وبعض العواصم الاوروبية هي على اتصال متواصل مع اسرائيل، وان هذه المعارضة لم تخجل من ابداء فرحتها وسرورها بفوز بنيامين نتنياهو في الانتخابات الاخيرة، ووجهت له بصورة مباشرة، وعبر قنوات اتصالاتها السرية والعلنية، رسالة تهنئة بهذا الفوز متمنية منه أن يواصل دعمه لهم! وما نشير اليه ليس اتهاما بل هو حقيقة اذ ان وسائل الاعلام الاسرائيلية هي التي تحدثت عن هذه التهنئة من "المعارضة السورية" بفوز نتنياهو!
ولذلك، وبعد ما كل ما اشير اليه سابقاً، وانطلاقاً من تحليلات صادقة، ومعلومات متوفرة ومتناثرة من هنا أو هناك، يمكن الاستنتاج أن المؤامرة على سورية لن تنتهي ولن تتوقف، لان "المجتمع الدولي" مصمم على استمرارها الى حين تحقيق اهدافها، ولذلك فهي ستأخذ اشكالا جديدة، ومنها فتح حوار مع الدولة السورية، وفي الوقت نفسه محاولة محاصرة الدولة سياسيا عبر طرح حلول "ملغومة"، و"خبيثة " لاحراج الدولة، وبالتالي تفقد دعم اصدقائها وحلفائها في حال رفضها، وفتح الحوار والتفاوض لا يعني بتاتا التخلي عن دعم الارهابيين، بل سيستمر، وسيكون بصورة التفافية، وسرية، اذ انهم سيعلنون ادانتهم لكل ما يقوم به الارهابيون، وفي الوقت نفسه لا يوقفون الدعم لهم، أو لتنظيمات جديدة بمسميات متنوعة ستظهر فيما بعد..
ان المؤامرة على سورية ستكون اكثر شراسة وخطورة في المستقبل القريب. ومن هنا يجب الحذر من ذلك، ومراقبون عديدون يقولون ويؤكدون ان القيادة السورية واعية لهذه المخططات الجديدة، وان الاقوال الجميلة والالسنة المعسلة تجاهها لن تنطلي عليها، ولن تخدعها.. وستصمد في وجهها كما صمدت عبر 50 شهراً، وستحافظ على الوحدة الوطنية السورية أرضاً وشعباً!