دوافع وأهداف اتفاق حماس /اسرائيل المتداول اعلامياً
في كلمته أمام دورة للمجلس الثوري الفلسطيني يوم الثلاثاء 16/6/2015، أكد الرئيس محمود عباس ان حكومة التوافق الفلسطينية برئاسة الدكتور رامي حمد الله ستحل خلال الساعات القادمة، وانه سيتم تشكيل حكومة جديدة بعد تكليف حمد الله بذلك.
هذا التأكيد أو التصريح هو عبارة عن اجراء من جانب القيادة الفلسطينية لعدم استطاعة حكومة التوافق تأدية واجباتها تجاه القطاع لان حركة حماس لم تفسح المجال للحكومة للقيام بذلك. وأما السبب الرئيس الآخر فهو أن معلومات وردت للقيادة الفلسطينية من أكثر من مصدر أكدت أن حركة "حماس" تجري "اتصالات"، وإنْ كانت غير مباشرة، للتوصل الى اتفاق هدنة لمدة خمس او عشر سنوات مقابل فتح المعابر واقامة ميناء بحري عائم. وهذا ان دل على شيء فانما يدل على تمسك الحركة بالسيطرة على القطاع، وعدم رغبتها الفعلية في تحقيق المصالحة، وانها تريد استمرار الانقسام. وان حكومة التوافق لا تمثل "حماس"، وان الاتصالات لفك الحصار عن القطاع يجب أن تتم عبر حكومة التوافق، وليس عبر قنوات خلفية.
وفي هذه الكلمة أشار الرئيس محمود عباس الى مشروع قرار تعده فرنسا لتقديمه لمجلس الأمن لتأكيد حل الدولتين، ووضع سقف زمني لانهاء الاحتلال الاسرائيلي مبدياً تحفظات القيادة من بعض البنود، وخاصة بند الاعتراف بدولة اسرائيل كدولة يهودية.
من هنا يمكن القول أن هناك انسداداً في الافق السياسي، اذ أن لا تحركا سياسياً، بل هناك جمود في الوقت الذي تواصل فيه حكومة اسرائيل سياسة البناء الاستيطاني، واجراءاتها احادية الجانب، وهناك انسداد في افق حل الانقسام الداخلي، والتوجه نحو الوحدة الوطنية الحقيقية، وان اسرائيل تسعى جادة الى تعزيز الانقسام من خلال التوصل الى اتفاق هدنة مع "حماس"، وليس مع السلطة الوطنية، لان حماس هي التي تسيطر أمنياً وادارياً على القطاع، وهي القادرة على تنفيذ أي اتفاق معها.. ولانها تريد أيضاً أن يبقى الانقسام مستمراً ومتواصلاً، وان تقام دولة في القطاع، وبالتالي عدم التنازل عن أي اراض في الضفة الغربية. ومما يؤكد هذه النظرية تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي، أحد أقطاب حزب الليكود الحاكم، موشيه يعالون، بأن اتفاقا نهائياً مع الفلسطينيين لن يتحقق في "حياته"! أي ان اسرائيل تخطط لذلك فهي تريد سلطة "ادارة مدنية" تابعة لها وليست سلطة فلسطينية وطنية.
بنود اتفاق حماس واسرائيل
من أهم بنود الاتفاق الذي يتبلور عبر وساطات ورسائل متبادلة بين حماس واسرائيل:-
· الالتزام بهدنة تستمر 5 سنوات كاملة من تاريخ توقيع الاتفاق قابلة للتجديد أكثر من مرة.
· تتعهد حماس بعدم القيام بأي نشاط ضد اسرائيل من القطاع أو الضفة مقابل تعهد اسرائيل بعدم ملاحقة عناصر حماس سواء في الضفة أو القطاع أو الخارج.
· تسمح اسرائيل بدخول كل حاجيات القطاع من بضائع ومواد تموينية ووقود (أي فتح المعابر)
· تقدم تسهيلات لابناء القطاع.
· لا تمانع اسرائيل فتح معبر "رفح" لتنقل المواطنين فقط.
· السماح باقامة ميناء بحري عائم يتم عمله باشراف دولي على غرار الاشراف الدولي على معبر رفح قبل سيطرة "حماس" على السلطة في القطاع في حزيران عام 2007.
· لقد تجاهل الاتفاق موضوع اقامة ميناء جوي، اي اعادة افتتاح مطار رفح، لان اسرائيل لا تريد ذلك، وقبلت حركة حماس عدم اثارة هذا الموضوع حاليا. في حين ان اسرائيل قبلت بأن تكون الهدنة لخمس سنوات مع انها كانت تطالب بهدنة تستمر لمدة 15 سنة. وجاء هذا القبول بعد أن اشير في الاتفاق الى ان الهدنة قابلة للتجديد لاكثر من مرة.
أهداف ودوافع حماس من الاتفاق
قد يتساءل أحدهم: لماذا اندفعت حماس للتوصل الى هذا الاتفاق، وما هي الدوافع وراءه وما أهدافه؟
من الدوافع الاساسية للتوصل للاتفاق هو الوضع السيء الذي يعيشه أبناء القطاع، اذ ان هناك حصارا، ولا بدّ من انهائه، وبقاء هذا الوضع يضعف من شعبية "حماس"، وكذلك يقوي من نفوذ المتطرفين السلفيين الذي بدأوا بتعزيز قوتهم في القطاع استغلالا للحالة الاقتصادية او الاجتماعية البائسة في القطاع. وكذلك هناك تراجع للاخوان المسلمين في العالم العربي وكذلك في العالم الاسلامي. وان حكومة "اردوغان" التركية الاخوانية بدأت تفقد نفوذها وسيطرتها على الحكم في تركيا، ولذلك لا بدّ من استغلال واستثمار الظروف الحالية وتعزيز سيطرة حماس على القطاع، لانه لن يبقى الاخوان المسلمون في السلطة والحكم الا في القطاع.
أما الأهداف الأساسية المأمولة التحقيق من وراء هذا الاتفاق:-
1. تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي في القطاع.
2. الانطلاق نحو العالم لقيام علاقات مع العديد من الدول، اذ ان الاتفاق سيجمد صفة الارهاب التي توجهها اسرائيل الى الحركة، وتفسح المجال للعديد من الدول اجراء اتصالات معها.
3. السماح بادخال أموال سواء من قطر او تركيا، والحصول على مساعدات مالية لاعادة الاعمار في القطاع وباشراف حمساوي، وكذلك توفير اموال لتغطية رواتب الموظفين المعينين من قبل "حماس"، والذين لم تعترف بهم حكومة التوافق الوطني، ولم توفر لهم رواتبهم.
4. التركيز على بسط السيطرة الامنية على القطاع، ومواجهة أي تحرك للسلفيين.
5. التأكيد لمصر أن "حماس" لن تدعم أي عمل معاد لمصر، وخاصة في سيناء، وانها ستعمل على منع أي دعم للارهابيين من القطاع. اي تريد اظهار حسن النوايا على ارض الواقع لتعزيز العلاقة مع مصر لأن هذه العلاقة الجيدة ستنعكس ايجاباً على القطاع كله.
6. تأكيد حماس أنها ند قوي للسلطة في رام الله. وانها تسيطر على الوضع في القطاع بذاتها دون حاجة الى تنسيق أمني، أي محاولة تعزيز شعبيتها ليس في القطاع وحده، بل في الضفة الغربية وفي الخارج.
7. عدم اعتراف حماس بالسلطة في رام الله، ولن تكون هناك مصالحة الا بعد تلبية شروطها ورغباتها.
الأهداف الاسرائيلية من الاتفاق
تَدّعي مصادر اسرائيلية أن "حماس" هي التي تلهث وراء التوصل الى هذا الاتفاق، والدليل على ذلك هو تنازلها عن موضوع المطار، أي عدم طرح اعادة فتح مطار رفح، وكذلك قبولها باقامة ميناء بحري عائم باشراف غير مباشر لاسرائيل عبر مراقبين دوليين.
ولكن رغم هذا الادعاء، فان لاسرائيل اهدافا في التوصل لهذا الاتفاق ومن أهمها:-
1. تعزيز الانقسام الفلسطيني الفلسطيني. وهذا سيضعف المفاوض الفلسطيني، ويعرقل أي جهود تبذل لتحريك ما يُسمى بـ "المسيرة السلمية".
2. ممارسة ضغط على الرئيس عباس بالعودة الى التفاوض وقبول الشروط الاسرائيلية، لان من كان يراهن على دعمهم له، ومنهم حركة "حماس"، تركوه وتخلوا عن السلطة الوطنية.
3. محاولة اثارة الجماهير الفلسطينية ضد القيادة الفلسطينية، ومحاولة تحميلها مسؤولية الفشل في تحقيق أي انجاز سياسي لانهاء الاحتلال الاسرائيلي.
4. "حماس تعمل لرفع المعاناة عن أبناء القطاع، في حين أن القيادة الفلسطينية في رام الله تعمل على فرض واحداث معاناة على ابناء الضفة، "هذا ما تؤكده اجراءات تسهيل الحياة المعيشية في الضفة، ومحاولة القيادة الفلسطينية وقفها ومنعها من خلال وقف "التنسيق الأمني"! وبدء انتفاضة جديدة!
5. الحصول على راحة من المواجهة مع "حماس"، والتفرغ لمتابعة قضايا أمنية وسياسية أخرى حالياً ومستقبلاً مثل الملف النووي الايراني، وكذلك المقاطعة لاسرائيل.
6. تحييد "حماس"، وعدم الانضمام الى أي مواجهة عسكرية او حرب مع حزب الله وسورية مستقبلا، اذ ان هذا الاتفاق سيلزم حماس باحترامه، ووقوف موقف الحياد، فتكون جبهة عسكرية واحدة مشتعلة وليس اكثر من ذلك.
7. محاولة اظهار للعالم كله ان اسرائيل تعمل بصورة انسانية لصالح أبناء القطاع من خلال التوصل الى هذا الاتفاق.
الخيارات المفتوحة امام الفلسطينيين
أمام انسداد أفق الحل السياسي، وتحقيق المصالحة، ليس امام القيادة الفلسطينية أي شيء تعمله الا سلوك بعض الخيارات التي قد تعيد الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، وتشكل ضغطاً على اسرائيل لانهاء الاحتلال والتوصل الى اتفاق شامل ونهائي ومن أهم هذه الخيارات:-
1. اللجوء الى الساحة الدولية وهذا يعني تحقيق عدة أمور وأهمها:
أ. الحصول على قرار دولي ينهي الاحتلال الاسرائيلي عبر تحديد سقف زمني لانهاء اسرائيل احتلالها للمناطق الفلسطينية.
ب. الانضمام الى جميع المنظمات الدولية.
ت. تقديم شكوى الى محكمة الجنايات الدولية ضد الاستيطان وضد الممارسات الاسرائيلية اليومية، وهذه الشكوى قد ترد من قبل المحكمة!
ث. تعزيز حملات المقاطعة لاسرائيل في العالم.. ووصفها بأنها دولة عنصرية.. وهذه المقاطعة بدأت بالتعاظم والانتشار في مختلف انحاء العالم، وحتى على الساحة الاميركية.
2. الاعتماد على الساحة الفلسطينية الداخلية: أي تعزيز الوحدة الوطنية، وعلى الاقل بين فصائل وقوى منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك تعزيز الوحدة الوطنية بين ابناء الشعب الفلسطيني واللجوء الى عدة اجراءات:
أ. وقف التنسيق الامني مع اسرائيل.
ب. تصعيد المقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال.
ت. اعادة تفعيل نشاطات الفصائل الفلسطينية التي ضعفت في السنوات الاخيرة، وخاصة "فتح" اذ انها تحتاج الى ترتيب امورها الداخلية، وتوحيد صفوفها.
3. الاعتماد على الساحتين العربية والاسلامية: من خلال التواصل مع دول العالمين العربي والاسلامي للحصول على دعم منهم بشتى أنواعه، والمشاركة في الفعاليات والنشاطات التي تهدف الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي.
وماذا بعد؟
سؤال يطرحه أبناء شعبنا الفلسطيني الا وهو ماذا بعد؟ والى اين نتجه؟
الاجابة على هذا السؤال ليست سهلة لان المعطيات الاقليمية والدولية متغيرة وغير ثابتة، ولان اسرائيل تملك تأثيرا على الدول الكبرى، ولان العالم العربي "نائم" ويغط في سبات عميق، ولان من يقود اسرائيل هي حكومة يمينية متطرفة ومتشددة.
ومن هنا يمكن الاستنتاج اننا لا نتوقع انجازا سياسيا في المستقبل القريب، وكذلك لا نتوقع تحقيق مصالحة فلسطينية، ولكن قد نتوقع معاناة اضافية جديدة، ومواجهات مع الاحتلال.
ولكن هذه المواجهات يجب ان تكون تحت السيطرة، وتكون ضمن اطار او مخطط مرسوم. ويجب ان نكون واعين وحذرين من ان تكون خطواتنا ذات فاعلية على الاحتلال، والا يكون مردودها سيئاً علينا.
الظروف صعبة جدا، والمعطيات الدولية معقدة، والداخل الفلسطيني منقسم وضعيف، لذلك لا بدّ من الحذر، ولا بدّ من ادراك مردود اي خطوة قبل ان نتورط فيها.
وضع القيادة الفلسطينية لا يحسد عليه.. ولكن المطلوب منها العمل على تعزيز الوحدة الوطنية، وادارة الصراع حتى تتغير بعض الظروف والمعطيات الدولية.. وعدم التوصل الى اتفاق مع اسرائيل افضل بكثير من التوصل الى اتفاق هزيل ندفع ثمنه الباهظ، ويكون نقمة لنا جميعا.