سياسة التمييز في الخدمات بين شطريها واضحة
المعاناة لن تخفف بالبيانات بل بالعمل الجاد
يظن كثيرون أن أبناء القدس يعيشون في حالة من "الرفاهية" و"الاستقرار"، ويحسدونهم لأنهم يحملون بطاقة الهوية الزرقاء الاسرائيلية، التي تعتبر بطاقة اقامة، وليست بطاقة مواطنة، ويحسدونهم لأن علاجهم الصحي "مجاني"!، ولأنهم يستطيعون التنقل داخل اسرائيل بكل حرية وليسوا بحاجة الى أي اذن أو تصريح بذلك! كما أن سواحاً يأتون الى القدس ليزوروا بعض ملامحها، ومن خلال تجوالهم في الأسواق أو الأماكن المقدسة يظنون أن "القدس" بخير.
ولكن الواقع في القدس غير ما يلمسه الزائر أو السائح أو أي مسؤول يمر مرّ الكرام على المدينة، انه وضع صعب كما تشير اليه، ليست مؤسسات عربية، بل مؤسسات اسرائيلية.. وهذا الوضع "المزري" يؤكد عبر أرقام صادرة إما عن مكتب الاحصاء المركزي الاسرائيلي، أو عن مؤسسات احصائية ودراسية مهتمة بشؤون البحث والمسح والاستطلاع.
هذا التقرير يلقي الضوء على الأرقام الصادرة عن مؤسسات اسرائيلية، وبعد 48 عاماً من قيام اسرائيل بضم الجزء الشرقي من المدينة الى اسرائيل، وكذلك نحاول القاء بعض الضوء على المعاناة التي يعيشها الفلسطيني ابن هذه المدينة المقدسة.
حول عدد السكان
حسب صحيفة يديعوت احرونوت في عددها الصادر يوم 18/5/2015، فان عدد سكان المدينة العرب هم 300 الف نسمة، وهم يشكلون 37 بالمائة من سكان المدينة بشطريها الشرقي والغربي.
تعد القدس أكبر مدينة في اسرائيل حسب تعداد السكان اذ يصل عددهم الى 829 ألف نسمة، حسب معلومات مكتب الاحصاء المركزي نهاية عام 2013، موزعين على النحو الآتي:
522 الف نسمة هم يهود ويشكلون 63 بالمائة من سكان المدينة و307 الف نسمة هم عرب ويشكلون 37 بالمائة من سكان المدينة.
أما التوزيع الديني للسكان فهو على النحو الآتي:-
509 الف يهودي ويشكلون 61 بالمائة من السكان
295 الف عرب مسلمون ويشكلون 36 بالمائة من السكان
15 ألف/ مسيحيون ويشكلون 2 بالمائة من السكان
10 آلاف /من دون تحديد الدين ويشكلون 1 بالمائة من السكان
تمييز في الخدمات
رغم أن سكان القدس العرب يشكلون 37 بالمائة من مجمل سكان المدينة، الا ان الخدمات المقدمة لهم هي أقل بكثير من ذلك، فالقدس العربية تعاني من أزمة تنظيم واسكان مستمرة منذ عشرات السنوات.
عدد السكان يزداد، لكن الاراضي التي يُسمح بالبناء عليها تقل، وازداد الطلب على المساكن الامر الذي ادى الى نشوء ظاهرة البناء غير المرخص. ووفقاً للتقديرات المختلفة، فان هناك حوالي 20 الف مبنى غير مرخص في القدس العربية!
وأدت ظاهرة البناء غير المرخص الى انعدام المظاهر الصحية الجيدة، والى عدم الامن في البناء. وحسب القانون الاسرائيلي، فان المنزل الذي يتم بناؤه من دون رخصة، لا يُسمح بربطه بشبكة الكهرباء، ولا بشبكة المياه، أو المجاري، وبالتالي لا تتوفر هذه الخدمات لعشرات الآلاف من السكان.
حتى أن الجدار الفصل العنصري سبّب المزيد من المشاكل لابناء القدس، وخير مثال على هذه المشاكل ما يعانيه مخيم شعفاط الذي هو ضمن حدود البلدية، ولكنه خلف الجدار اذ يقطنه حوالي 80 ألف فلسطيني، لكن عدد الوحدات السكنية المرخصة فيه هو 300 وحدة فقط.
واذا نظرنا الى الفرق في التمييز والخدمات بين منطقة بركة السلطان بالقرب من باب الخليل، ومنطقة سلوان التي تبعد مسافة دقائق فقط فانه قد يصل الى 600 عام حسب التقرير المنشور في يديعوت احرونوت (عدد 18/5/2015).
واما الوضع خلف الجدار في منطقة كفر عقب وسميراميس فانه سيء جدا، اذ ان خدمات البلدية هناك معدومة رغم أن سكان المنطقة يسددون ضريبة الارنونا.
أوضاع التعليم
وفقاً لمعطيات جمعية حقوق الانسان الاسرائيلية، فان 84 بالمائة من أطفال القدس العربية المحتلة يعيشون تحت خط الفقر. وفقط 41 بالمائة من الاطفال يتلقون تعليمهم في مدارس تابعة للبلدية، ونصف الصفوف (الغرف) الدراسية تعتبر غير معيارية، ويوجد نقص بحوالي صف دراسي، وهذا يؤدي الى هروب ثلث الطلاب من المدارس في حين تبلغ نسبة الهروب في المدارس داخل المناطق العربية في اسرئيل (أي داخل الخط الاخضر) حوالي 1,6 بالمائة. وهذه الظاهرة تقود بالفعل الى حالة الفقر بين الأطفال.
في شطري المدينة العربية والغربية هناك 209 آلاف طالب وطالبة.. موزعون على شبكة مدارس مختلفة ومعقدة:-
في القدس العربية هناك عدد من المدارس: تابعة للبلدية الاسرائيلية، تابعة للاوقاف، خاصة ومدعومة مالياً من البلدية، وتابعة لوكالة الغوث.
أما في غربي القدس فان هناك نوعين من المدارس اليهودية، النوع الأول فيه قسمان: مدارس تابعة لوزارة التربية وهي علمانية، في حين أن النوع الثاني هي مدارس دينية عادية.
والنوع الثاني هي مدارس حاريدية، قسم منها تابع للدولة، والقسم الثاني نصف مدارس خاصة..
وضع الاسكان والتجارة والصحة
حسب المعطيات الاسرائيلية، فانه مع انتهاء العام 2014، تم في القدس بناء 2469 وحدة سكنية في القدس، وهذا يمثل 5,5 بالمائة من مجموع الوحدات السكنية التي بنيت في اسرائيل خلال عام 2014 علماً أن عدد سكان القدس يمثل 10 بالمائة من سكان اسرائيل.
أما اذا نظرنا الى سعر الشقة في القدس مكونة من 3 – 4 غرف (الغرفة لا تزيد عن 9 أمتار مربعة) فانه يصل الى 1,830 مليون شاقل مقارنة مع المعدل العام لسعر الشقة في اسرائيل هو 1,35 مليون شاقل. ومعدل استئجار هذه الشقة 3 – 4 غرف (نفس الشقة المذكورة) فانه يصل الى 4526 شاقلاً شهرياً في حين أن المعدل العام لرسوم الاستئجار في اسرائيل هو 4150 شاقلا. رسوم ايجار نفس الشقة في حيفا هو 3028 شاقل شهريا، وفي تل ابيب 6447 شاقلا.
أما اذا نظرنا الى السكان اليهود المقيمين في القدس وعمرهم 20 عاما وما فوق، فان 34 بالمائة منهم هم من الحاريديم، في حين 36 بالمائة منهم هم علمانيون. ويشكل العلمانيون في الدولة 67 بالمائة، وفي تل أبيب 86 بالمائة.
لا بدّ من الاشارة الى ان المواطن المقدسي يذوق المرارة والتعب والاعياء بشتى الانواع عندما يحاول استصدار رخصة بناء. فان هذه الرخصة تحتاج اولا الى سنوات، ومن ثم عند الحصول على رخصة فعلية ان يدفع رسوم تحسين على الارض، وكذلك رسوم صدور الرخصة بما يقارب 1500 شاقل عن المتر المربع الواحد، أي ان رسوم رخصة بناية من 5 شقق، مساحة الشقة مائة متر مربع تصل الى 200 الف دولار على الاقل اضافة الى رسوم ربط شبكات الكهرباء والمياه والمجاري.
والمواطن المقدسي يدفع نفس الضرائب المفروضة على المواطن الاسرائيلي المقيم في القدس الغربية مثل الأرنونا (ضريبة المسقفات والحراسة والكناسة) والدخل، والتأمين الوطني.. الخ والخدمات التي يحصل عليها هي أقل مستوى بكثير عن تلك الخدمات المقدمة للجانب الغربي من المدينة.
اما المستوطنون في المستوطنات المقامة على الاراضي العربية في القدس أو في الضفة فانهم يحصلون على امتيازات عديدة، وكذلك الى خدمات عامة ممتازة.
أما الحركة التجارية فهي شبه ميتة نتيجة بناء الجدار الفاصل العنصري الذي منع أبناء الضفة من الوصول الى العاصمة، ناهيك عن حملات المداهية الضريبة المتواصلة ضد التجار.. حتى ان هذه الحركة لا تكون جيدة في فترة شهر رمضان المبارك أو في عيد الأضحى لسبب واحد هو عدم توفر السيولة لدى المواطن المقدسي امام الاسعار الخيالية حتى للبضائع والمواد الأساسية، علماً أن دخل المواطن المقدسي هو ثلث دخل المواطن الاسرائيلي.
أما ما يقال أن المواطن يتلقى علاجه مجاناً، فهذا غير صحيح اذ انه يدفع مستحقات للتأمين الوطني بصورة شهرية، وهي تغطي التأمين الصحي، هذا اولا، أما ثانياً فان المواطن المريض يدفع نسبة من ثمن دوائه، فقد يصل الى حوالي 400 شاقل (حوالي مائة دولار شهريا)، وعندما يزور المريض او يقوم بأي فحص فانه يدفع ايضا مبلغا من المال لصندوق المرضى الذي ينتمي اليه. وبالتالي فان التأمين الصحي مدفوع الاجر، وقد يكون "اغلى" من رسوم التأمين الصحي مع شركة خاصة، او في أي دولة من دول العالم المتقدم.
الوضع الأمني سيء
ليس هناك أي استقرار أمني، اذ ان المواطن يواجه فوضى كبيرة الى حد كبير، وخاصة ان هدف الشرطة هو تحرير مخالفات فقط، بدلا من تسهيل امور المواطن، واذا حدثت عمليات سطو فان ملفاتها غالبا تغلق، لان الجاني مجهول ولم يلق القبض عليه، واذا وجد الجاني بعد مرور اكثر من سبع سنوات، فان القضية تكون مشطوبة نهائيا، وانتهت من ناحية المتابعة.
المواطن المقدسي مراقب، ومقيد الحركة، حتى انه اذا كتب تغريدة في مواقع التواصل الاجتماعي واعتبرت تحريضية فانه يعتقل ويسجن.
هناك اقتحامات يومية للحرم القدسي الشريف، وهناك حالة توتر مستمرة.. حتى في الاعياد اليهودية تعيش القدس جوا من المضايقات الامنية، وتقيد حركة المواطن اذ تغلق العديد من الشوارع، وتشهد المدينة ازدحاماً مرورياً مرهقاً ومتعباً.
هدم البيوت بحجة عدم الرخصة، واستيلاء المستوطنين على منازل بحجة أنها ملك لهم قبل عشرات السنوات، او انهم اشتروها مؤخراً، كل هذه عوامل توتر، وعدم استقرار في المدينة.. وسلوان، القريبة من الحرم القدسي الشريف تعاني من عدم استقرار اذ أن عدداً كبيراً من المنازل مهدد بالهدم أو الاستيلاء، وهناك تواجد أمني يومي، وحواجز أمنية ومناوشات وصدامات مع المستوطنين.
واستناداً لمعطيات اسرائيلية فان أكثر من 1200 مواطن مقدسي تم اعتقالهم في النصف الثاني من العام المنصرم 2014، وحوالي ثلثهم هم قاصرون أي دون الـ 18 عاماً.
ويجب الاشارة الى ان العديد من المؤسسات العامة والخيرية قد تم اغلاقها بحجج واعذار عديدة وفي مقدمتها "بيت الشرق"، و"الغرفة التجارية"، وهذا يدل على ان جميع المؤسسات تحت المجهر الامني الاسرائيلي.
وخلاصة لكل ما ذكر سابقاً، فان القدس تعاني كثيرا، اذ ان الارقام تؤكد ذلك، ولذلك يجب العمل لانهاء هذه المعاناة، ويجب ان يكون جادا وحقيقياً، وان يتوقف الجميع عن استخدامها "شماعة" للحصول على دعم لا يصل ابناءها، ولا يخفف أي شيء من هذه المعاناة.
وخلاصة ثانية لا بدّ من قولها وبكل جرأة، ان القدس العربية ليست مهملة من قبل اسرائيل وحدها فقط، بل ان دولنا العربية جميعا يساهمون في هذا الاهمال، ويتركونها فريسة لاطماع اسرائيلية خطيرة جدا!