هناك شبه انفراج في علاقة حماس مع مصر
* مجمل الأوضاع المعيشية والسياسية التي عليها قطاع غزة تؤهله للانفجار
* حماس كانت واضحة في مواقفها تجاه مسألة المفاوضة مع الاحتلال
* التيارات السلفية في غزة لا تشكل أي خطورة أمنية
*
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
يزداد المشهد الفلسطيني تعقيداً يوماً بعد يوم في ظل غياب آفاق الحل للأزمات المتلاحقة التي تعصف بالوطن الفلسطيني بشماله وجنوبه، وتزايد حدة الاتهامات بين طرفي الأزمة والصراع (فتح وحماس)، فكلاهما يحمل الآخر مسؤولية ما جرى وما يجري، ويبقى المواطن الفلسطيني، الذي فقد أي أمل في غد مشرق، يدفع الثمن.. لقاءات وابتسامات وجولات وحوارات هنا في غزة، وهناك في القاهرة والدوحة وغيرها من العواصم العربية، وأنباء عن عرض روسي لاستضافة حوارات جديدة، كلها لم تحقق للمواطن الفلسطيني ما يصبو إليه من إنهاء للانقسام البغيض، واستعادة للوحدة الوطنية بما يوفر الأمن والازدهار وفرص العمل والتعليم وغيرها من متطلبات الحياة الكريمة، فما هو الحل إذاً ؟ وما هي العقبات التي لا تزال تحول دون تحقيق الوحدة الوطنية ؟ وما صحة الأنباء التي تتحدث عن مفاوضات بين حماس وإسرائيل ؟ وما هو شكل العلاقة الآن بين حماس ومصر ؟ وهل هناك تقارب فعلي بينهما ؟.. هذه الملفات وأخرى فتحتها "البيادر السياسي" مع الدكتور أحمد يوسف المستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق، ووكيل وزارة الخارجية سابقاً، في الحوار التالي.
الطرفان مسؤولان
* عام على تشكيل حكومة التوافق الوطني، والأمور تسير من سيئ إلى أسوأ.. وفتح وحماس تتبادلان الاتهامات.. ما هو تشخيصكم لما يجري ؟
- في الحقيقة هناك أخطاء يتحمل المسئولية عنها كلا الطرفين في كل من فتح وحماس، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، والشاهد على ذلك هو ما يقوم به كل طرف من إلقاء اللوم على الطرف الآخر، حيث إن الإشكالية هي في عدم اعتراف أي منهما بأن نسبة من الخطأ تقع على عاتقه.. الشارع الفلسطيني غير المؤطر حزبياً، وفصائل العمل الوطني والإسلامي لا تستثني أحداً من كارثية الأخطاء التي وقعت، باعتبار طريقة وآليات التفاهم التي تجري فيها عملية اتخاذ القرار بين كل من فتح وحماس، مع تغييب كامل لأي دور يمكن أن تلعبه الأطراف الفلسطينية الأخرى.. لا شك بأن تعقيدات الحالة الفلسطينية، وألاعيب إسرائيل لتأبيد الانقسام، والطريقة التي تم بها إعلان المصالحة، ثم تشكيل حكومة التوافق برئاسة رامي الحمد الله، وغياب الإرادة السياسية وحكمة القيادة تقف جميعها خلف عثراتنا في استكمال مشروع المصالحة، والذهاب للانتخابات كما توافقنا في "اتفاق مخيم الشاطئ" في إبريل/ نيسان 2014م.
إن جدلية تخلي حماس عن الحكومة وقبضتها على الحكم، وتصدر رام الله للحكومة وغياب أي دور لها في غزة، تحتاج إلى معالجة سياسية حكيمة حتى يتوازن الحال ويطمئن كل طرف إلى أجندة الطرف الآخر.
حتى اللحظة، لا يبدو أن هناك انفراجاً في الأفق، فالحالة ما تزال تراوح مكانها، وحتى المبادرة السويسرية التي كان الكثيرون يعولون عليها في تحريك الأمور ما يزال الطرفان غير جادين في التعاطي معها، بالرغم من أهليتها لحل الكثير من مشاكل الخلاف المالي بين الطرفين.
غياب الثقة
* ما هي أبرز الملفات التي تعمق الأزمة ؟
- الحقيقة كما أشاهدها هي غياب الثقة بين الطرفين من ناحية، واستقطابات الواقع الإقليمي التي تنعكس علينا بشكل سلبي، وتجعلنا جميعاً في واقع اصطفافات مفروضة علينا تكبل كل طرف من تحقيق القفزة المطلوبة باتجاه المصالحة الحقيقية.. الظاهر في الادعاءات من طرف حكومة التوافق أن حركة حماس لا تمكنها من بسط نفوذها على غزة، وخاصة على المعابر، كما أن وزراءها لا يستطيعون التحرك والتواصل بسبب سياسة التضييق التي تفرضها الأجهزة الأمنية عليهم.. ومن وجهة نظر حماس، فإن قضية اعتماد موظفيها ودفع رواتبهم هي حجر الزاوية بالنسبة لصدقية حكومة الحمد الله وللرئيس أبو مازن، وما لم يتم حل هذه الإشكالية فإن القطيعة ستدوم، والخشية أن تباعد مثل هذه السياسية بين القلوب وتقطع الطريق أمام عودة التواصل بين الطرفين.
يأس وإحباط
* هل من اتصالات مع حركة فتح لإعادة تفعيل ملف المصالحة الوطنية ؟
- بصراحة، ليس هناك من جديد، ولم تعد تلك اللقاءات التي تتم من حين لآخر تثير اهتمام الشارع الفلسطيني، فالناس أصابها اليأس والإحباط، ولم تعد تصدق بأن هناك جدية في مواقف الطرفين، كما أن الابتسامات التي يتم رسمها على الوجوه - عندما تجري لقاءات هنا أو هناك - لا تمنح هي الأخرى أية تطمينات، بل قد يراها البعض بأنها أحد "مشاهد التكاذب" في مسلسل الضحك على ذقون الفلسطينيين بشكل عام.
وبالرغم من توفر القناعة لدى الكثير من الفلسطينيين بأن مشكلتنا هي في الأصل داخلية بامتياز، ومفتاح الحل بأيدينا، وأنه ليس هناك من داعٍ لأن نجوب العواصم، وأن نستجدي الجهات الإقليمية والدولية للدخول كوسطاء بيننا، إلا أن قياداتنا السياسية مصرة على التعلق بقشة الغريب، وإن كان من ديار قريبة. ومن هنا، يأتي رأي البعض بأن الرئيس أبو مازن يتحمل بالدرجة الأولى الجزء الأكبر من المسئولية، باعتباره رأس هرم السلطة، وأن بإمكانه – إن أراد - أن يحرك الإطار القيادي المؤقت للإشراف على مراقبة الوضع، والتوصل إلى تفاهمات يتم تلزيم الطرفين بها، ولكن ما يظهر في المشهد بشكل عام هو أننا أمام حالة من التسيب السياسي، والكل يراهن على الغيب، ويبني توقعاته على المجهول معتقداً بأنه سوف يأتي بمكنوناته لصالحة.. الكارثة في مثل هذه الحسابات للأسف، هي أن لا تغييرات تلوح في أفق المنطقة، وفي الداخل الإسرائيلي، أو في الغرب يمكن البناء عليها كمعطيات تخدم هذا الطرف أو ذاك، وهذا معناه أن يستمر النزف الفلسطيني لحساب استقواء إسرائيل وتمددها، وفرضها - رغماً عنَّا - حقائق استيطانية استعمارية جديدة على الأرض الفلسطينية تهدد مستقبل وجودنا السياسي، وحقنا في إقامة دولتنا الحرة المستقلة.
البعرة تدل على البعير
* بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على التهدئة.. الحصار ازداد شراسة على غزة والإعمار يراوح مكانه ولا ميناء ولا مطار.. هل من انفراجة تحلق في الأفق ؟
- يقولون في أمثالنا الشعبية "البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير"، ونحن - للأسف - في قطاع غزة لا نرى إلا مشاهد المعاناة وشظف العيش، والشارع يتميز غيظاً ويتخبط في كل الاتجاهات، بسبب ارتفاع نسب البطالة التي تجاوزت 50%، وتعطل عمليات التعويض وإعادة الإعمار، وهو اليوم مرجل يغلي في طريقه للانفجار.
لا مفاوضات
* هناك حديث حول مفاوضات سرية تجريها حماس مع إسرائيل.. ما حقيقة ذلك ؟
- هذا كلام – للأسف - يتم تداوله في وسائل الإعلام، وذلك في سياق تسريبات الهدف من وراءها جس نبض حركة حماس، والتحقق من مدى صدقية هذه المسألة، واختبار مستوى التداعيات التي يمكن أن تترتب على ذلك وطنياً.. حماس كانت واضحة في مواقفها تجاه مسألة المفاوضة مع الاحتلال، والتي عبرت عنها على لسان الناطقين باسمها؛ لا مفاوضات مع دولة الاحتلال.
العلاقة مع مصر
* ما هو شكل العلاقة مع مصر الآن، وكيف تنظرون لقرار المحكمة المصرية بإلغاء اعتبار كتائب القسام منظمة إرهابية ؟
- الحقيقة هي أن هذا القرار كان في أصل اتخاذه خاطئاً، وكان شيئاً معيباً أساء لهيبة القضاء وإلى مكانة مصر ودورها الريادي في المنطقة، فحركة حماس ومقاومتها الجهادية للاحتلال هي موضع عزٍ وشرف للأمتين العربية والإسلامية.. نعم، هناك خلاف مع مصر منذ أن حدث التغيير في يوليو 2013م بإقصاء الرئيس المنتخب محمد مرسي عن سدة الحكم، ونحن من طرفنا لم نتدخل، باعتبار أن ما جرى هو مسألة مصرية بحته، وهي تخص الشعب المصري وحده وكذلك مؤسساته الرسمية، ونحن كل ما يهمنا هو استقرار الحالة السياسية والأمنية لمصر؛ لأن أي تغيير قد يحدث سيكون له بالتأكيد تداعياته على القضية الفلسطينية.
لقد حرصت حركة حماس وحكومة إسماعيل هنية – آنذاك - على إيضاح موقفها، من حيث عدم التدخل في الشأن المصري الداخلي، واستمرت على تواصلها مع جهاز المخابرات العامة فيما يخص معبر رفح وبعض المسائل الأمنية التي تخص الطرفين، إلا أن العلاقة تردت بشكل كبير على إثر الحملات الإعلامية المغرضة، والتي استهدفت التشهير والتحريض والتشويه لحركة حماس، وكذلك لكتائب الشهيد عز الدين القسام، الأمر الذي تسبب في توتر العلاقة مع مصر، واستدعى ذلك – أيضاً - حدوث فراغ سياسي وغياب التواصل مع الدولة المصرية.
اليوم، ومن خلال اللقاءات التي تمت مؤخراً في الدوحة والقاهرة، فإن هناك شبه انفراج في العلاقة، ومن المتوقع حدوث لقاء قريب مع د. موسى أبو مرزوق لاستكمال ملف التفاهمات الخاصة بمستقبل هذه العلاقة، والدور المرجو من مصر تجاه وساطاتها بيننا وبين حركة فتح من ناحية، وكذلك مع الاحتلال من ناحية أخرى.
يبقى معبر رفح - من حيث الفتح والإغلاق - هو المؤشر وبيضة القبان فيما يتعلق بتلك العلاقة مع إخواننا في جمهورية مصر الشقيقة. وها هو المعبر الآن قد تمَّ فتحه لعدة أيام بعد فترة إغلاق طويلة، وهذا في حدِّ ذاته يمنح أهل غزة فسحة أمل، ويقدم مؤشرات طيبة ويعطي دلالات إيجابية.
ختاماً: قرار المحكمة المصرية بإلغاء اعتبار كتائب القسام منظمة إرهابية هو في حد ذاته خطوة تمهد الطريق لعودة العلاقة إلى سابق عهدها، حيث كانت مصر هي طرف الوساطة في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، أو أي شكل من أشكال التفاوض مع إسرائيل.
فرض الضرائب
* على الصعيد الداخلي، الوضع الاقتصادي في غزة يزداد سوءًا في وقت تفرض فيه الحكومة ضرائب على سكان القطاع من ضمنها ضريبة التكافل، وإعادة تفعيل قرار جباية 25% من قيمة السيارات المستوردة، كما يشكو المواطنون من زيادة عمليات الجباية من قبل الدوائر الحكومية.. ألا تتخوفون من أن يؤدي ذلك إلى الانفجار ؟
- الحقيقة أنه في ظل التقصير الذي أبدته حكومة رامي الحمد الله تجاه موظفي قطاع غزة، واستئثارها بأموال المقاصة الخاصة بالقطاع، والتي تتجاوز سبعين مليون دولار شهرياً، استدعت الضرورة لفرض بعض الضرائب لدفع جزء من رواتب الموظفين القائمين على حماية الأمن والاستقرار في القطاع. فالضرائب هي ضرورة لسد العجز الذي تسببت فيه عملية التجاهل من قبل حكومة الحمد الله لأكثر من ثلاثين ألف موظف لم يتم تسوية أوضاعهم المالية والإدارية حتى اللحظة.
في الحقيقة، إن مجمل الأوضاع المعيشية والسياسية التي عليها قطاع غزة تؤهله للانفجار، وإذا لم تنفرج الأمور وتتحسن أحوال الناس، ويجد الإعمار طريقه إلى القطاع، فكل المؤشرات هي أن غزة على حافة الانفجار.
داعش
* ظهرت في الأيام الأخيرة تيارات دينية متشددة باتت تلعب في غزة وتطلق صواريخ على إسرائيل.. ما مدى خطورة هذه التيارات ؟ وهل هناك تواصل معها من قبل حركة حماس ؟
- المشاكل هي في طريقها للحل، وهناك حوارات تجري – الآن - مع بعض التيارات السلفية التي تنحو إلى التطرف، والقيام بسلوكيات خارج سياق الإجماع الوطني.. التيار السلفي في أغلبه مسالم وبعيد عن دائرة الغلو، إلا أن هناك بعض الشباب المتعاطفين مع تنظيم الدولة (داعش)، والذين أخذتهم أجواء الحماس والفراغ وهوس الحالة الإعلامية، فشرعوا بالقيام بأعمال تحاكي – للأسف - بعض ما يجري في سوريا والعراق، الأمر الذي استدعى قيام الأجهزة الأمنية باعتقالهم والتحقيق معهم.
بشكل عام، لا تشكل هذه التيارات أي خطورة أمنية، وهناك مخارج وحلول لفك الاشتباك معهم، واستيعابهم من خلال إنشاء تنسيقيات ذات مرجعيات سياسية وأخرى أمنية.
تفجيرات
* تشهد غزة بين الحين والآخر تفجيرات هنا وهناك.. ما هي دوافع هذه التفجيرات ؟ ومن يقف وراءها ؟
- للأسف؛ في ظل حالة الانقسام وغياب المصالحة الفلسطينية تبقى الأوضاع الأمنية رهينة للمناكفات السياسية، حيث تجد الكثير من الجهات المشبوهة فرصتها لتخريب الأمن والاستقرار في قطاع غزة.. كما شاهدنا - مؤخراً – كانت هناك اتهامات من حركة حماس بأن هناك أصابع لبعض الجهات في رام الله خلف ما يجري من محاولات لتخريب الأوضاع الأمنية في القطاع.
بيت القصيد، لا يمكن أن نتجاهل فرضية وجود عملاء لإسرائيل هم بالدرجة الأولى من يقف خلف بعض تلك التفجيرات، فيما البعض الآخر له علاقة بحالة الصراع والانقسام وغياب المصالحة بين فتح وحماس.
الاحتكام لصناديق الاقتراع
* ما هي رؤيتكم لحل كل القضايا والمشاكل التي تعصف بالوطن الفلسطيني بشكل عام وبقطاع غزة على وجه الخصوص ؟
- من وجهة نظري الشخصية، نحن بحاجة ماسة للاحتكام من جديد لصندوق الانتخابات، وأيضاً إلى العمل على إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، إذ لا يعقل أن تظل كل الصلاحيات وسلطات اتخاذ القرار بيد شخص واحد مهما بلغت مكانته، وعلينا كذلك أن نسعى إلى قيام شراكة سياسية مكوناتها الكل الوطني والإسلامي، وأن تحظى مواقفنا السياسية ورؤيتنا الإستراتيجية تجاه مشروعنا في التحرير والعودة بتوافق وطني. وحيث إن الظروف الخلافية القائمة بين فتح وحماس قد لا تسمح بإجراء انتخابات رئاسية، وأخرى للمجلس الوطني في الآن ذاته، لذا فقد تكون الأولوية - كخطوة تحريكية - هي لانتخابات المجلس التشريعي، ومن ثمَّ القيام بإصلاح النظام السياسي، وتحويله إلى نظام برلماني يستوعب الجميع.
إن حل مشكلة قطاع غزة هي في عدم تحمل حكومة الحمد الله لمسئوليتها تجاه موظفي القطاع، وقد كانت هناك مبادرة سويسرية فيها الكثير من عناصر الحل إلا إنها أجهضت، وكانت هناك تفاهمات بين كل من د. زياد أبو عمرو والمهندس زياد الظاظا لحل مشكلة موظفي غزة، وكذلك مشكلة المعابر إلا أنها هي الأخرى قوبلت بالرفض من رئيس الحكومة د. رامي الحمد الله.
واضح أن هناك من لا يريد للمصالحة أن تتحقق، كما أن حسابات البعض تجاه ما يحدث بالمنطقة العربية تقف هي الأخرى عقبة في وجه تحريك الأمور نحو استعادة وحدتنا الوطنية، واستقرار ساحتنا الفلسطينية.
أعتقد أننا بحاجة لتفعيل الإطار القيادي المؤقت، وتخويله صلاحيات النظر في كل المسائل والإشكاليات، وإلزام أطراف الأزمة؛ فتح وحماس وحكومة الحمد الله والرئيس أبو مازن، بالحلول المقترحة؛ باعتبارها تمثل موقف الإجماع الوطني والإسلامي.