سقوط احلام أردوغان ليست لصالح اسرائيل
هل تتغير سياسة تركيا الخارجية تجاه العديد
من القضايا وخاصة الملف السوري؟
جرت يوم الاحد الموافق 7 حزيران الانتخابات البرلمانية في تركيا. وكانت نتيجة الانتخابات مفاجئة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي كان يحلم بفوز حزب العدالة والتنمية الذي يقوده بأغلبية مقاعد البرلمان التركي (550 مقعدا)، ولكنه فاز بأقل من ذلك، وخسر الأغلبية المطلقة، وحصل على ما يقارب 42 بالمائة من الاصوات، مقابل 58 بالمائة لصالح الاحزاب الاخرى. والمفاجأة الكبرى كانت بفوز حزب الشعوب الديمقراطي الكردي اذ حصل على حوالي 13 بالمائة من الاصوات، اي صل على ما يقارب الـ 80 مقعداً في البرلمان التركي. واما حزب الشعب المعارض فقد حصل على حوالي 25 بالمائة من الاصوات.
نتائج الانتخابات تعني عدة أمور ومن أهمها:-
· أن حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان قد خسر الاغلبية المطلقة في البرلمان.
· ان حزب العدالة والتنمية لا يستطيع تشكيل حكومة جديدة الا بالتحالف مع أحد الاحزاب المعارضة أو أكثر.
· هناك امكانية لتشكيل حكومة من الاحزاب المعارضة، وبالتالي الاطاحة بحكم حزب العدالة والتنمية الذي دام 12 عاماً..
· اجراء انتخابات جديدة في حال فشل تشكيل حكومة.
· الحزب الكردي في البرلمان قد يساهم في أحد الامور التالية: اما اندماج اكثر للاكراد في الحكم، او المطالبة بانفصالهم عن تركيا، او اقامة حكم ذاتي لهم في جنوب شرق تركيا، وهذا يعني اقامة دولة كردية في المدى البعيد، وهذا ما ترفضه تركيا والعديد من الدول في تلك المنطقة!
· أي حكومة جديدة قد تعني تغيير السياسة الخارجية لتركيا، ولن تبقى على ما هي عليه الآن!
· سقوط مخطط اردوغان في تحويل النظام التركي من برلماني الى رئاسي.
· حزب التنمية والعدالة قد يشهد انقسامات داخلية على خلفية هذه النتائج.
لا يمكن معرفة طبيعة التغيير في تركيا الا بعد معرفة تشكيلة الحكومة الجديدة التي يجب أن تؤلف أو تشكل خلال 45 يوما من تاريخ صدور النتائج النهائية لهذه الانتخابات، ولكن لنحاول معرفة انعكاس نتائج هذه الانتخابات في العديد من الدول في المنطقة.
سورية ترحب
رحبّت سورية بنتائج هذه الانتخابات، وقالت ان حزب التنمية والعدالة عوقب من قبل الشعب التركي نظراً لسياسته العدائية ضد سورية. وهناك آمال بأن تغير تركيا من سياستها تجاه سورية، واهم ما تريده سورية من الحكومة التركية الجديدة:-
· اعادة العلاقات السورية التركية.
· وقف تقديم مساعدات تركية للمسلحين الذين يقاتلون في سورية.
· منع استخدام الاراضي التركية كمنفذ لدخول المسلحين الارهابيين الى سورية.
· المساعدة في ايجاد حل سياسي للازمة من خلال الضغط على "المعارضين" الذين كانوا يتخذون من تركيا مكان اقامة دائم لتوجيه معارضتهم وشتائمهم للدولة السورية، ودعمهم للمسلحين الارهابيين!
هناك رهان سوري على أن الحكومة الجديدة، حتى ولو كان حزب العدالة والتنمية جزءاً مهما منها، لن تقبل بأن تستمر السياسة المعادية لسورية، الدولة الجارة التي تقيم علاقات قوية مع قادة الاحزاب المعارضة الفائزة، وخاصة حزب الشعب الذي حصل على حوالي 25 بالمائة من اصوات الشعب التركي.
تغيير السياسة التركية تجاه سورية قد يأخذ وقتا، ولكن من المؤكد أن هناك تغييراً قادما.. ولهذا فان سورية ترحب بهذه النتائج، لانها قد تساهم في انهاء الصراع على الارض السورية من خلال تجفيف منابع الدعم للارهابيين.
قطر قلقة
دولة قطر، الحليف الاساسي لحزب العدالة والتنمية، والداعمة لحزب الاخوان المسلمين في كل انحاء العالم العربي، قلقة جدا من النتائج اذ انها تشعر الآن بأن هذه الانتخابات تؤكد بداية سقوط الاخوان المسلمين في تركيا، وبالتالي ستخسر قطر حليفها في المنطقة، وهي بالتالي ستواجه ضغطا كبيرا عليها من دول معادية للاخوان المسلمين ومنها السعودية والامارات.
وستكون قلقة أيضاً على مصير المسلحين الذين تدعمهم في سورية اذ ان تركيا توفر الدعم اللوجستي والعسكري، بينما قطر هي الممول الأساسي لهذا الارهاب، وهذا يعني ان اهداف قطر في اسقاط الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد لن تتحقق، لان المسلحين سيكونون في وضع صعب اذا توقف الدعم العسكري لهم.
وهناك قلق قطري من ان دعم تركيا لحركة حماس في القطاع سيضعف، وهذا بحد ذاته سيكون ضربة لحركة الاخوان في المنطقة.
ولا بدّ من الاشارة الى ان هناك تخوفا قطريا من فشل تحقيق الاهداف في سورية، ووقف دعم التنظيمات الارهابية، قد يؤدي الى رد فعل سلبي من قبل هذه التنظيمات اذ انها ستنتقم من قطر، وهذا يعني أنها قد تواجه ارهاباً داخلياً لتذوق قليلا من المرارة والدمار الذي سببته لسورية وشعبها.
وكذلك فان قطر تضعف أمام السعودية، اذ ان هناك خلافا بينهما.. حول دعم الاخوان المسلمين.. وهزيمة مشروعها في سورية والعالم العربي سيضعف مكانتها في منطقة الخليج وكذلك في العالم العربي، اذ انها تقف وراء مشروع تدمير ليبيا والعراق وتونس ومصر وسورية و.. من أجل احتلال الاخوان المسلمين مراكز القيادة، ولكن هذا المشروع سقط لأن الشعوب العربية وقفت بحزم ضده.
السعودية فرحة وقلقة
موقف السعودية من تركيا هو موقف معقد، اذ انها تدعم المشروع التركي في ضرب سورية، وتوفر الدعم للمسلحين والارهابيين لاسقاط الدولة السورية، ولكنها في الوقت نفسه هي ضد حركة الاخوان المسلمين، الحركة المدعومة من تركيا اذ ان حزب العدالة والتنمية هو الداعم الرئيس لهذه الحركة في منطقة الشرق الأوسط.
خسارة أردوغان تعني ان سورية قد تربح، وهذا ما لا تريده السعودية.. وخسارة اردوغان تعني ايضا فرحا للسعودية اذ ان محور الاخوان المسلمين يضعف في عالمنا العربي.. وهي ضد الاخوان، وتقف ضدهم وهي تدعم المجموعات الوهابية السلفية ولا تريد للمنظمات الاخرى تحقيق أي نصر، بل تريده للموالين لها.
السعودية واردوغان خسرا معا لان جيش الفتح الذي هو خليط من تنظيمات مدعومة سعوديا وتركيا وقطريا سيواجه صعوبة في المستقبل القريب اذا قررت تركيا وقف الدعم والامداد له، وبالتالي ما حققه هذا الجيش في الشمال السوري سيزول بعد أن ينقض عليه الجيش العربي السوري قريبا ويسحقه.
علاقة السعودية بتركيا هي علاقة تفاهم حول بعض المواقف. فهما متفقتان على ضرب سورية، وكذلك على ضرب اليمن.. ومختلفتان حول الاخوان المسلمين.. السعودية مع مصر في مواجهة الاخوان المسلمين، بينما تركيا تعادي مصر لانها اطاحت بحكم الاخوان المسلمين.
قد تكون السعودية فرحة ايضا لان مشروع اردوغان في اقامة الخلافة العثمانية قد سقط، اذ ان هذه الخلافة ستشكل قلقاً للسعودية. ويجب الاشارة الى ان مواقف السعودية متناقضة فهي مع فرض "الشرعية" في اليمن، ولكنها ضد الشرعية في سورية.. وهي ضد الاخوان المسلمين ولكنها تدعم تنظيم القاعدة في اليمن عبر محاربتها للنظام الذي تصدى للقاعدة!
الحكومة التركية الجديدة ستغير من مسلكها نحو السعودية، فقد تكون هناك علاقات دبلوماسية، ولكن لن يكون هناك دعم تركي للسعودية في سورية واليمن!
مصر مرتاحة
أما نتائج الانتخابات التركية فكانت بمثابة مكافأة لمصر التي عانت كثيرا من تصريحات حادة ضد النظام الحاكم في مصر. فقد جاءت هذه الانتخابات لتنتقم من اردوغان الذي دافع عن الاخوان المسلمين، واراد وضع مصر والعالم العربي تحت هيمنته وسيطرته. ومرتاحة ايضا لان مشروع اردوغان سقط، ولن يستطيع فرضة على الشعب التركي.
حيرة في اسرائيل
في اسرائيل هناك حيرة في رد الفعل على نتائج الانتخابات التركية، ورغم ان الرئيس التركي اردوغان هو عدو سياسي لاسرائيل الا انه وبهذا الموقف يخدمها في عدة امور:-
1. ضرب سورية عبر دعمه للمجموعات المسلحة.. وهذا بالطبع يؤدي لاضعاف سورية كدولة مقاومة للسياسة الاسرائيلية.
2. هو منافس قوي في منطقة الشرق الأوسط للنفوذ الايراني. فهو يدعم الاخوان والسنة في مواجهة تمدد النفوذ "الشيعي"، وبالتالي هو مصدر فتنة طائفية أو دينية في الشرق الاوسط.
3. مؤجج لظاهرة اللاسامية اي التحركات ضد اسرائيل، وهذه تخدم اسرائيل في استخدامها واستغلالها للحصول على دعم عاطفي وسياسي لها في العديد من الدول من خلال سن قوانين تمنع هذه الظاهرة في الكثير من الدول الاوروبية.
4. يعزز الخلاف العربي من خلال دعمه لقطر، وانتقاده لمصر، ودعمه للتحالف السعودي ضد اليمن.
5. دعمه للمسلحين وتنظيم "داعش" وبالتحديد لاضعاف العراق ايضا، وادخاله في نفق التقسيم بالتعاون مع اميركا.
6. محاولته اقامة خلافة عثمانية اي خلافة اسلامية، وهذا يعزز مطلبها في الاعتراف بها كدولة يهودية مقابل "دولة اسلامية"، او مقابل كانتونات طائفية في العالم العربي.
امام هذه المكاسب غير المباشرة من وراء مواقف اردوغان، فان اسرائيل قلقة من صفعه وسقوطه، ولكنها في نفس الوقت اذا سقط نهائياً فان ذلك يخدم اسرائيل في تعزيز العلاقات مع تركيا. علما ان هذه العلاقات لم تتغير ولم تتبدل رغم كل "العداء" العلني الذي يكنه اردوغان لاسرائيل.. ويزداد سرورها ايضا بسقوطه لان تركيا الاخوانية لن تواصل دعم حركة حماس في القطاع، وهذه الحركة مضطرة للقبول بهدنة طويلة الامد، مع ان اردوغان يؤيد هذه الهدنة، ولكن الارض تصبح الآن اكثر خصوبة للتوصل الى اتفاق ما، لان حركة الاخوان المسلمين تواجه ضربات في المنطقة، ولذلك عليها الحفاظ على المكتسبات التي بين يديها، اي الحفاظ على السلطة في القطاع لا ان تفقدها!
ويجب التركيز بان اردوغان يدعم تيار المستقبل في لبنان، وهو على علاقة سيئة مع حزب الله، اي ان اردوغان يساعد اسرائيل بصورة مباشرة عبر دعمه للقوى السياسية المناهضة لحزب الله في لبنان، اي انه يقدم خدمة كبيرة لاسرائيل.
أي في كلا الحالتين، فان اسرائيل ستربح من نتائج الانتخابات هذه، وخاصة ان هذه النتائج هي ضد الرئيس باراك اوباما الذي يتكل كثيرا على حزب اردوغان في تنفيذه لسياسة اوباما في المنطقة. ولا شك ان فوز حزب كردي ودخوله قاعة البرلمان التركي يعزز من مطالب الاكراد. فاسرائيل تدعم الاقليات، وتريدها ان تتقوى ويتعزز نفوذها للمطالبة باقامة دولة كردية. وتكون على حساب اربع دول هي تركيا وسورية والعراق وايران.
ونظرا لهذه الحيرة، ولعدم استطاعة اسرائيل تقييم النتائج، ومهما كانت فانها قد تكون من جانب لصالحها، وفي جانب آخر ضد مصالحها، ولكن في النهاية اسرائيل تريد أن تبقى تركيا دولة قوية تقيم علاقات متينة مع اسرائيل في ظل حكومة ائتلافية جديدة.
نقطة تحوّل
لا شك ان نتائج الانتخابات في تركيا تعتبر نقطة تحول في منطقة الشرق الاوسط، ولا يدري احد الى اين يتجه هذا التحول، هل الى مزيد من الفوضى، او مساهمة في تهدئة الامور وايجاد حل للازمة السورية. وهل حقا سيكون هناك فعل جاد في وقف الدعم التركي للارهاب.. وهل هذا سينعكس سلبا على تركيا اذ ان التنظيمات الارهابية في حالة هزيمتها وسحقها في العراق وسورية قد تنتقم من تركيا لانها "وصلتها الى نصف البئر وقطعت الحبل فيها.."!
والتساؤل المهم الذي يُطرح الآن: هل دخلت تركيا حالة من عدم الاستقرار السياسي بعد عدم حصول حزب الاخوان على الاغلبية لان أي حزب ديني يرفض التنازل عن السلطة، وقد يستخدم القوة لمواجهة ذلك؟ ام ان قادة الاحزاب المعارضة يدركون ذلك فيستوعبون هذا الحزب من خلال الائتلاف معه، واجباره على تحمل المسؤولية بدلا من التخريب وخلق فوضى!
لا بدّ من الانتظار لاشهر عديدة؟ فهناك احتمال كبير ايضا لخوض انتخابات جديدة اذا فشلت الاحزاب في تشكيل حكومة جديدة، وعندها، هل يستعيد حزب العدالة والتنمية الاغلبية؟ انه سؤال معقد ولا بدّ من الانتظار قليلا لمعرفة الى أين تتجه تركيا بعد هذه الانتخابات!