بعد أن تم عرض مشاهد تصوير فيديو عن قيام الشرطة الاسرائيلية بالاعتداء بالضرب المبرّح على جندي أثيوبي رغم أنه كان يرتدي البزة العسكرية، قامت الدنيا ولم تقعد بعد حول ما يعانيه اليهود "الفلاشا"، أي اليهود الأثيوبيون، من معاملة سيئة في اسرائيل. وانطلقت المظاهرات ضد تصرف الشرطة، وتدخل رئيس الوزراء الاسرائيلي نفسه في الموضوع اذ التقى مع الجندي المعتدى عليه، واعتذر له، وقدم وعداً له ولكل الفلاشا بالعمل على ازالة هذه التفرقة أو هذه العنصرية ضد اليهود الاثيوبيين.
هذه الحادثة أثارت عدة تساؤلات حول هؤلاء الأثيوبيين الذين هاجروا من أثيوبيا بعمليات جوية اسرائيلية منذ أواسط الثمانينات وحتى التسعينيات من القرن المنصرم، مع عمليات تهجير أخرى بواسطة الوكالة اليهودية.. ومن هذه التساؤلات: ما هو عددهم، وهل انخرطوا في المجتمع أم ما زالوا غرباء عنه؟ وما هي أسباب هذا التمييز العنصري ضدهم؟
عددهم في تزايد
عدد الذين تم نقلهم بالجو من أثيوبيا الى اسرائيل عبر حملتين رئيسيتين: عام 1984 ودعيت عملية موسى وعام 1991 ودعيت عملية سليمان، لم يصل الا الى عشرات الآلاف، أما عددهم الاجمالي اليوم – حسب مكتب الاحصاء المركزي الاسرائيلي – فهو 135 ألفاً، وان حوالي 50 الفاً منهم ولدوا في اسرائيل.
وخلال هجرتهم الى اسرائيل وزعوا على كافة مناطق اسرائيل، ففي كل بلدة تجد لهم وجود، ولكن بتراوح نسبي. وقد تم تأهيلهم، والتأكد من يهوديتهم، اذ أن عدداً من الذين تم نقلهم جواً الى اسرائيل لم يكونوا يهودا، بل مسيحيين، وتم الكشف عن هذه الحقيقة عندما تم فحص هؤلاء اليهود طبياً فظهر لهم ان هؤلاء لم يتعرضوا للختان، يعني انهم ليسوا يهودا.. بعض هؤلاء ادعى أنه يهودي ولكنه كان يعيش في مناطق معزولة لم تكن له رعاية دينية، وبعضهم ادعى انهم اضطروا الى التحول للديانة المسيحية لمواكبة ظروف العيش.
غالبية هؤلاء يعملون في قطاعات العمل.. وليس لديهم رجال أعمال. ونسبة منهم تعمل بالجيش، ونفر منهم حصل على رتب عسكرية عالية. وتمثيلهم في الكنيست ضعيف اذ لهم عضو واحد – أو أكثر أحياناً – ولكن مساواتهم في المواطنة لم تتحقق بعد!
في الآونة الأخيرة ظهرت على الملأ بعض التصرفات المعادية لهم من خلال رفض قبول تسجيل أبنائهم في المدارس، أو تعرض اطفالهم في المدارس لاعتداءات عديدة كما انهم يواجهون صعوبات في العمل في بعض المؤسسات نظراً للونهم.
أسباب هذه العنصرية
لماذا يتعرض الاثيوبيون (الفلاشا) لظواهر العنصرية؟ وهل هم وحدهم يتعرضون لذلك؟ وما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟
في البداية – يجب الاعتراف بأن جسم جديد يدخل الى المجتمع يتعرض لمشاكل وممارسات عنصرية لان غالبية المجتمع لم تكن متعودة على هذا النوع أو بالاحرى هذا اللون؟ ومن هنا، فان قدوم اليهود الفلاشا كان غريبا، وعمليات احضارهم كانت فيها مفارقات ومغامرات.. وعندما ازداد عددهم بدأت ظاهرة الرفض لهم تكبر، لأسباب ستذكر فيما بعد.
واليهود الروس الذين اتوا الى اسرائيل بمئات الآلاف اوائل التسعينات تعرضوا للتفرقة والتمييز.
ولا بدّ من القول أن هناك تمييزاً عنصريا في اسرائيل بين يهودي وعربي، بين يهودي عربي ويهودي شرقي، وبين يهودي شرقي وغربي ويهود روس.. هذه الظاهرة موجودة ولن تختفي الا بعد سنوات طوال.
أما أسباب تعرض اليهود الفلاشا للتمييز فيمكن حصرها بالآتي:-
1. ظاهرة التمييز العنصري موجودة في الدولة، ولذلك هناك أرضية خصبة لممارستها ضد اليهود الفلاشا.
2. هناك يهود غربيون لديهم نزعة عنصرية ضد اللون الاسود.
3. معظم اليهود الفلاشا القادمين كانوا في حالة فقر، يعيشون في ظروف صعبة، ليست نسبة التعليم عالية، شعروا بالغربة عندما جاءوا الى اسرائيل، لم يجيدوا أي شيء.. فهذه "السمعة" أو "الحقيقة" عنهم جعلت بعض اليهود التساؤل: لماذا أحضرناهم الى هنا؟ وهل هذا عمل صحيح؟ والم يأتوا على حسابنا؟ وهم عبء علينا!
4. وما زاد الطين بلة أن "الافارقة" الذين دخلوا اسرائيل بصورة غير شرعية، وعددهم كبير جدا بعشرات الآلاف يقومون بأعمال سطو واغتصاب، ويقفون وراء مشاكل عديدة تشهدها اسرائيل.. وهناك مظاهرات ضد وجودهم. فاختلط الحابل بالنابل، واصبح هناك نوع من "الخلط" بين اليهودي الافريقي/ الاثيوبي، مع هؤلاء الافارقة المتسللين الى اسرائيل، واصبح كل شخص لونه اسود في نظر بعض مناطق اسرائيل هو "مجرم"، ومتسلل، وجنائي.. الخ.
5. يفتقد اليهود الفلاشا الى قيادة فعالة للدفاع عن حقوقهم.. وبدأت عملية تشكيل هذه القيادة المرجعية في النمو أو النشوء، وهذا قد يساعد في الحصول على مطالبهم مستقبلاً.
6. من الصعب اندماجهم في المجتمع، اذ أن ظاهرة "الزواج" محصورة فيما بين هؤلاء الاثيوبيين.. وليس هناك اختلاط أكبر في المجتمع.
خلاصة: اسرائيل دولة عنصرية
قضية اليهود الفلاشا اكدت أن اسرائيل دولة عنصرية، فاذا كان اليهود يتعرضون لهذه العنصرية نظراً للونهم، فمن المؤكد أن العرب داخل اسرائيل يتعرضون لهذه الظاهرة منذ 67 عاماً وحتى الآن.
وهذه العنصرية لن تزول اذ انها مستأصلة داخل المجتمع، ومن الضروري ان تكون هناك ثقافة جديدة تعاكس هذه الظاهرة أو الثقافة، ثقافة التمييز العنصري القذر.
هناك جهود اسرائيلية للتغطية على "عنصرية الدولة"، وقد تنجح لفترة معينة، ولكن ذلك لا ينفي حقيقة ان هذه العنصرية موجودة لا بل ممارسة وبصورة هادئة وقوية ومن دون أي ضجة لان من يتحدث عنها أو يشير اليها سيتهم بانه لا سامي، اي معادي لليهود ومعاد لدولة اسرائيل، أي أن قوانين "اللاسامية" هي احدى الوسائل للتغطية على نهج اسرائيل السيء العنصري في التعامل مع العرب! وهذه القوانين مبالغ فيها، ولا بدّ من اعادة مراجعة لها!