دقت ناقوس خطر الارهاب في اوروبا
قضية اللاجئين أو المهاجرين الى اوروبا عبر البحر الابيض المتوسط أصبحت من القضايا المهمة والملحة والعاجلة التي تشغل الاتحاد الاوروبي الذي اختلف قادته حول استقبال هؤلاء المهاجرين، او اغلاق الحدود أمامهم وفي وجوههم.
دول اوروبية اعلنت استعدادها استيعاب عدد كبير منهم مثل المانيا، ولكن دولا أخرى رفضت ذلك، أما بريطانيا فانها وعدت باستيعاب 20 ألف مهاجر خلال السنوات الخمس القادمة. السعودية أعلنت أنها استقبلت مليوني مهاجر، ولكن حتى الآن لم يثبت هذا الرقم الذي قد يكون مبالغاً فيه الى حد كبير!
كيف تفاعلت هذه القضية واثيرت الان رغم أن المعارك في سورية وليبيا محتدمة منذ اكثر من 4 سنوات؟ ومن المستفيد المتاجر بأرواح هؤلاء المهاجرين، خاصة اولئك الذين يغرقون في اعماق البحر الابيض المتوسط؟
الانطلاق من سواحل تركيا وليبيا
حسب احصاءات شبه رسمية، فان حوالي نصف مليون مهاجر أو لاجىء عبر الابحار غير الشرعي الى اوروبا وصلوا الى الشواطىء الاوروبية قادمين من الساحل الليبي أو التركي. وغالبية الذين يبحرون من تركيا هم سوريون، وغالبيتهم كانوا يقيمون في مخيمات العزل والذل والاهانة. أما الذين يبحرون من السواحل الليبية فهم في غالبيتهم افارقة من جنسيات متعددة.
وتقول بعض المصادر أن بعض المهاجرين يبحرون عبر البحر من السواحل الشمالية للبنان رغم ان هذا البلد محاصر بقوات بحرية متعددة الجنسيات لمنع دخول السلاح عبر الشواطىء اللبنانية الى حزب الله حسب اتفاق وقف اطلاق بعد حرب تموز 2006. مما يعني ان الاساطيل المتواجدة في البحر الابيض المتوسط تغض الطرف عن ابحار هؤلاء اللاجئين الى الدول الاوروبية!
بدء الهجرة بكثافة
بدأت الهجرة عبر البحر الابيض المتوسط في شهر تموز بعد ان بدأت تركيا بشن حرب على حزب العمال الكردي (PKK)، واعلان مشاركتها في التحالف مع اميركا ضد تنظيم داعش على الاراضي السورية. وحاولت عبرهذا الهجوم الذي يستهدف منع الاكراد من اقامة دولة لهم او اي كيان مستقل لهم على الحدود مع تركيا. وسعت وفشلت حتى الآن، وما زالت تسعى الى اقامة منطقة عازلة أو آمنة على الحدود الشمالية لسورية من اجل توطين اللاجئين السوريين، وتوفير الأمن والامان لهم، ولكن هذا المخطط لم يحظ بأي دعم اميركي او دولي، ولذلك تم صفع اردوغان في وجهه، ولذلك قرر معاقبة اوروبا على امرين سعى الى تحقيقهما وفشل وهما: الانضمام للاتحاد الاوروبي، واقامة منطقة عازلة في شمال سورية.
فقامت تركيا بتشجيع من يقيمون على اراضيها للهجرة الى اوروبا عبر تجار وسماسرة اتراك وغيرهم. وبعض هذه الهجرة تتم عبر الحدود التركية مع دول في اوروبا وليس فقط عبر البحار، لانه اراد تحقيق هدف واحد وهو اخلاء مناطق شمال سورية من الاكراد الذين يتوجهون الى تركيا ولا تستقبلهم تركيا، وكذلك تفريغ المخيمات التي اعدت لاستقبال السوريين.. واذ تم تفريغ شمال سورية من البشر، فان امكانية اقامة دويلة كردية تضعف كثيراً، وهناك هدف آخر يسعى اليه، وهو اثارة العالم حول الوضع السيء في سورية، ومحاولة تحميل الدولة السورية مسؤولية هروب مواطنيها بسبب الحل العسكري ضد الارهاب!
رد فعل معاكس
لقد كان لقضية هجرة السوريين وغيرهم الى اوروبا ردود فعل غاضبة في البداية ضد سورية، ولكن عندما تم التوضيح بان هؤلاء المهاجرين من سورية ابحروا الى اوروبا او دخلوا اراضي الدول المجاورة لتركيا من السواحل او الاراضي التركية، أيضاً أن غالبية هؤلاء المهاجرين هم قادمون من مناطق في شمال سورية حيث يسيطر على اجزاء كبيرة منها تنظيم داعش والتنظيمات الارهابية الاخرى، وان هؤلاء هم اكراد ايضاً.. وان عدداً كبيراً كانوا يقيمون في المخيمات المقامة على الاراضي التركية!
أي ان من يدعم الهجرة هو "اردوغان" بهدف وضع اوروبا في حالة الاحراج والخلاف والفوضى، ولكن هذا "المسعى الاردوغاني" لم يحقق أهدافه اذ ان رد فعل الهجرة كان معاكسا من قبل الدول الاوروبية التي بدأت تخاف على حالها لان التنظيمات الارهابية قد تندس بين حشود المهاجرين لاقامة قواعد وخلايا نائمة لها في اوروبا سرعان ما تصدرالاوامر اليها لتتحرك ضد اوروبا ومن قلبها. ومن هنا ادرك الاوروبيون ان هذه الهجرة يشجعها اردوغان من اجل اثارة البلبلة والفوضى في اوروبا، او لنقل مجموعات كبيرة من المسلمين للاقامة في اوروبا لتعزيز تواجدهم هناك وخاصة اولئك الموالين لحزب التنمية والعدالة، وادركوا ايضا أن هؤلاء المهاجرين يهربون من "الارهاب" وليس من الدولة السورية، اذ انهم من سكان المناطق التي يسيطر عليها الارهابيون.
وانطلاقاً من هذه القضية، وادراك ابعادها، وكشف من يقف وراءها، فان الاوروبيين بدأوا بالتحرك لحل الازمة في سورية، ليس لانهم لا يريدون مهاجرين فحسب، بل حماية لامنهم القومي، اذ ان الارهاب في سورية قابل للاتساع والانتشار والى اوروبا، لذلك بدأت الاصوات تعلو وتقول ان سبب وجود هذا الكم الكبير من المهاجرين هو الارهاب الذي يعيث دماراً وقتلا في داخل الاراضي السورية، ولذلك بدأ القول والايمان بان حل الازمة السورية هو امر ضروري وفي اسرع الاوقات، وان اي حل لا يتم الا عبر الدولة السورية، لان عدم وجود "دولة" يعني فوضى، ويعني ان الشواطىء الاوروبية لن تكون سالمة لانه ليس هناك من شخص يسيطر على سواحل سورية. وقد بدا الاوروبيون يشعرون بان الاطاحة بالرئيس القذافي الذي كان صديقا للغرب وحاميا للسواحل الجنوبية لاوروبا هو خطأ استراتيجي كبير.
اي ان قضية المهاجرين دقت ناقوس الخطر في اوروبا والعالم، ودعت الى ضرورة الاسراع في ايجاد حل للوضع المتأزم في سورية من خلال مواجهة الارهاب والقضاء عليه، واعادة الاستقرار الى سورية، الاستقرار المثالي الذي كان سائداً قبل بدء العدوان التآمري عليها.
في الخلاصة فان قضية المهاجرين لم تخدم اردوغان واحلامه وقضت على سياسته ونهجه، وحتماً ستكون لصالح سورية الدولة والشعب، ولصالح العمل لتحقيق الامن والسلم في منطقة الشرق الأوسط.