تعنت اسرائيل ورفضها لانهاء الاحتلال
هو السبب الأول والأخير
لا شك أن عوامل عديدة ساهمت الى حد كبير في اندلاع الهبّة الفلسطينية ضد الاحتلال، وهذه العوامل تراكمت مع مرور الاشهر والسنوات. والجزء الاكبر منها يتحمل مسؤوليته الاحتلال الاسرائيلي الذي تمادى في اجراءاته وممارساته القمعية ضد شعبنا الفلسطيني بشكل عام، وضد أبناء القدس بشكل خاص.
وكثيرة هي العوامل، ولكننا نحاول التطرق الى أهمها:-
1. اقتحامات المسجد الاقصى اليومية المستمرة منذ اكثر من عام، اذ ان اسرائيل تدعي بحق اليهود في زيارة الحرم القدسي الشريف حسب الوضع القائم المعمول به منذ سنوات طوال. وهذه الاقتحامات لم تكن مجرد زيارة سياحية بل زيارة دينية استفزازية لعدة أسباب ومن بينها:-
أ. ان من يقوم بزيارة الحرم هم غلاة المستوطنين المتشددين الذين لهم أطماع في السيطرة على هذا الحرم، أي أنهم ليسوا "سواحاً" عاديين، بل سواحاً غير مرغوب فيهم لانهم يرتدون اللباس الديني الرسمي خلال هذه الزيارات.
ب. السائح يزور بهدوء الحرم، ولكن هؤلاء يقومون بأداء الصلوات وبعض الشعائر الدينية المستفزة لمن هم داخل الحرم. وهذا تصرف مرفوض بالطبع.
جـ. ينتمي هؤلاء "الزائرون" شكليا، والمقتحمون فعليا، الى مؤسسات دينية متطرفة لا تخجل في الاعلان عن نيتها في اقامة الهيكل المزعوم على انقاض هذا المكان الاسلامي المهم والمقدس.
د. اعلان قادة هذه المؤسسات عن نيتهم زيارة الحرم مسبقا واقامة مسيرات داخله، مما يسخن من الاجواء العامة، ويعد المقدسي المسلم نفسه للتصدي لهذا المخطط المعلن.
هـ. تقوم هذه المجموعات المتطرفة بزيارة الحرم من باب المغاربة الذي تسيطر عليه الشرطة الاسرائيلية، وكذلك تتم الزيارة بحماية الشرطة نفسها مما يؤكد ان هؤلاء ليسوا سياحاً عاديين، ولذلك من المتوقع ان يواجهوا المعارضة لهذه الزيارة او تلك!
و. تسمح الشرطة الاسرائيلية لهؤلاء المتطرفين بدخول الحرم بحجة زيارته، في حين انها تمنع المسلم من الدخول اليه في غير اوقات الصلاة، وهذا التصرف اثار شكوكا كبيرة حول هدف مثل هذه الزيارات.
ز. قيام مسؤولين اسرائيليين بزيارة الحرم بصورة استفزازية، وكذلك قيام كبار المسؤولين، سياسيين ودينيين، بالادلاء بتصريحات مفادها ان من حق اليهود زيارة الحرم، وكذلك بحث موضوع الهيمنة والسيطرة على الحرم القدسي الشريف في البرلمان (الكنيست) الاسرائيلي، ومحاولة سن تشريعات مستفزة ومحرضة جدا!
ح. قيام الشرطة الاسرائيلية باصدار اوامر ابعاد عن الحرم الشريف لاسابيع او اشهر لابناء القدس بحجة ان هذا او ذاك من مستلمي امر الابعاد يشكل خطرا امنيا داخل الحرم.
طـ. ردود الفعل الباهتة والخجولة جدا من قبل قادة العالمين العربي والاسلامي، مما ادى الى استفزاز اكبر لابناء فلسطين جميعا.
2. الاجراءات الاحتلالية القمعية بحق ابناء القدس ومن أهمها:-
أ. مداهمة طواقم ضريبة الدخل والتأمين المشتركة المحلات التجارية، وحتى في فترة الايام التي سبقت عيد الاضحى الاخير.
ب. التمييز في المعاملة والخدمات بين شطري المدينة، وبين اليهودي والعربي اذ ان رخص البناء تصدر بسرعة لليهود حتى لاولئك المقيمين في القدس، ويسمح لهم بمساحة اكبر من البناء وفي الاحياء العربية، مثل البناية المقامة في منطقة الجبشة من القدس القديمة!
جـ. مصادرة هويات المواطنين الذين يقيمون خارج حدود بلدية القدس الاسرائيلية.
د. اجراءات التأمين الوطني المشددة تجاه ابناء القدس.
هـ. بناء المزيد من المستوطنات بعد مصادرة اراضٍ شاسعة.
و. فرض ضرائيب على ابناء القدس تثقل حملهم.
ز. محاصرة القدس اقتصادياً من خلال اقامة الجدار العازل الذي جعل من احياء المدينة شبه فارغة وادى الى ركود اقتصادي كبير.
حـ. التمييز في المعاملة بين اليهودي والعربي في شتى المجالات، وخاصة في حال وقوع خلاف بينهما.
طـ. الاستيلاء على منازل في القدس، وعلى اراضٍ في الضفة والجولان!
3. الاستيطان: تواصل سياسة الاستيطان اذ ان البناء الاستيطاني مستمر، وتقوم الحكومة الاسرائيلية بالاعلان عن عطاءات لبناء المزيد من الوحدات السكنية الاستيطانية، غير مكترثة للقوانين الدولية التي تؤكد ان الاستيطان ليس شرعيا.
4. عربدة المستوطنين: هذه العربدة تتم بحرية، واحيانا بحراسة من قوات الامن الاسرائيليين، وتتمثل هذه العربدة في الاعتداء على المواطنين، ومنعهم من استخدام لاراضيهم الزراعية سواء في الزراعة أو الحصاد، وقطع الاشجار، وحرقها، والهجوم على العديد من القرى المجاورة لهذه المستوطنات!
5. الارهاب اليهودي: الذي تمثل في قتل الفتى المقدسي الشهيد محمد ابو خضير، وحرق منزل دوابشة في قرية مادما قرب نابلس مما ادى الى احتراق الاب والام والطفل الرضيع! وقيام هذا الارهاب اليهودي بالاعتداء ايضا على اماكن العبادة من مساجد وكنائس، وتمت تسمية هذا التنظيم بـ "تدفيع الثمن". وهذا الارهاب لم يواجه بصورة فعالة اذ يتم زج من يشتبه به في السجن الاداري، ولم يقدموا للمحاكمة، ولا لعقاب فعال. واحياناً يكون العقاب هو ابعاد لعدة اشهر عن مناطق الضفة فقط، وليس اكثر من ذلك.
6. سن قوانين عقابية مشددة، وخاصة بحق الذين يرشقون سلطات الاحتلال بالحجارة ومن هذه العقوبات التي اقرتها الحكومة الاسرائيلية:-
أ. رفع العقوبات بحق مرتكبي اي اعتداء على اي مواطن اسرائيلي، وتكون العقوبة اشد اذ طالت رجل امن اسرائيلي، وتصل الى سنوات سجن طويلة!
ب. هدم المنزل الذي يقطنه اي "راشق للحجارة"، او مشارك في عملية مقاومة ضد الاحتلال. ولو كان بالغاً، وفوق سن الرشد.
جـ. العمل على سحب الهوية الزرقاء من "المقاوم" اذا كان من سكان القدس.
د. الغاء خدمات التأمين الوطني للمقاوم ولعائلته.
هـ. سحب الجنسية الاسرائيلية من اي مشارك في التظاهرات او الفعاليات المناوئة للاحتلال من أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل، اي داخل اراضي عام 1948.
و. معاقبة والدي واهل اي مقاوم، بدفع غرامة او السجن الفعلي.
ز. سن قانون يسمح بسجن القاصرين الذين تتجاوز اعمارهم 14 عاماً.
حـ. اعطاء رجل الامن الصلاحية باطلاق النار بحرية ضد اي شخص يشتبه بأنه سيقوم بعملية مقاومة.
7. تصريحات استفزازية مناوئة للعرب من قبل حاخامات (رجال دين) او من سياسيين، اذ ان حاخاماً معروفاً بارك وايد الاعتداء على الكنائس، وآخر بارك قتل اي مرتكب لاي اعتداء. وهذه التصريحات أو الفتاوي الدينية شجعت الشبان اليهود على الحقد والكراهية، ورفض التعايش المشترك. وقد تعرض العديد من ابناء القدس العرب لحوادث اعتداء سافرة خلال تواجدهم في المناطق اليهودية، واذا تم اعتقال مرتكب الاعتداء اليهودي، فان العقوبة لا تتعدى السجن بضعة ايام، ومن ثم ايجاد "توليفة" لاطلاق سراحه. اما انه مجنون، او كان ثملا او مريضا نفسياً.. الخ.
8. ليست هناك مساواة في المواطنة، وخاصة لمن يحمل الجنسية الاسرائيلية، وخاصة لكل العرب المقيمين داخل فلسطين عام 1948. وهناك فجوة كبيرة في كل النواحي، حتى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي تغاضى عن زعيم القائمة المشتركة ايمن عودة عندما التقى زعماء وقادة الاحزاب المعارضة، مما يؤكد ذلك ان نتنياهو لا يؤمن بالمساواة في المواطنة، ويعتبر العرب داخل اسرائيل هم من الدرجة العاشرة.
9. غياب الافق السياسي للحل، اذ جرت مفاوضات منذ توقيع اتفاقيات اوسلو بدءاً من 13 ايلول عام 1993، وحتى فترة قليلة ماضية، ولكن هذه المفاوضات لم تنتج أي شيء ايجابي سوى المزيد من الاحباط لابناء شعبنا الفلسطيني، فالاستيطان مستمر، والحواجز العسكرية قائمة، وهناك اذلال على بعض المعابر العسكرية، وهناك عدم احترام للمعاهدات والاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وآخر اتفاق بواسطة وزير الخارجية جون كيري عندما رفضت اسرائيل اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسرى القدامى القابعين في السجن قبل اتفاقيات اوسلو عام 1993.
تًصر اسرائيل على بقاء احتلال الاراضي العربية الفلسطينية والسورية، وهي لا تذعن ولا تحترم ولا تعطي أية اهمية لقرارات الشرعية الدولية. وهي تصف نفسها بأنها الضحية وهي مظلومة، ولكنها في الواقع هي الظالمة وهي الجلاد، وهي الخارجة عن كل القوانين والمواثيق الدولية. ولا يستطيع احد أن يجبرها على ان تحترم الشرعية الدولية، لانه يتهم فوراً بأنه لا سامي وعنصري ومعادٍ لاسرائيل!
في الخلاصة: فان اسرائيل تتحمل العبء الاكبر من اندلاع هذه الهبة بسبب استمرار احتلالها للاراضي الفلسطينية، وبسبب اجراءاتها القمعية الشرسة بحق أبناء شعبنا الرازحين تحت نير هذا الاحتلال البغيض، وبسبب رفضها أي حل سلمي الا ذاك الذي يشرّع لها احتلالها للارض، ويسير في ركبها!
انه زمن سيء، ولذلك فان الشبان الفلسطينيين ضاقت بهم الامور، وملّوا من الحديث عن مفاوضات وعن اقتحامات، وثاروا غاضبين.. وهبّوا لتعبير عن عدم رضاهم عن الوضع الحالي الذي لا بدّ ان يتغير، لانه لو هدأت الهبّة الآن، فان هبّة تلو اخرى ستندلع في المستقبل ما دام الاحتلال الاسرائيلي قائماً، وما دامت حالة الذل والقمع والتعسف قائمة ومتواصلة.