لم تخل جلسات المجلس الوزاري المصغر من نقاشات وجدالات ساخنة بين اعضائه اذ كانت الجلسات مطولة بحثت الاجراءات للتصدي للهبة الجماهيرية، وكذلك التعامل مع السيناريوهات المتوقعة حالياً أو مستقبلياً.
وقد طرحت العديد من السيناريوهات على طاولة البحث ومن أهمها:-
1. سيناريو العودة للهدوء بعد تدخل عدة اطراف، واستطاعة السلطة الوطنية تهدئة الامور والسيطرة على الشارع، علماً أن غالبية الاحداث والمواجهات وعمليات المقاومة تتم في منطقة "جـ"، اي المنطقة التي تسيطر عليها اسرائيل بالكامل سواء أمنياً أو ادارياً، كما انها تسيطر امنياً على كامل المناطق المصنفة "ب" حسب اتفاقيات اوسلو.
هذا السيناريو متوقع، ولكن تم الاتفاق على اتخاذ اجراءات لمنع تكرار مثل هذه الهبة، منها اجراءات ترهيبية باستمرار تنفيذ القرارات القمعية التعسفية بحق كل من يناضل أو يفكر في النضال ضد الاحتلال، وكذلك باستمرار التشجيع على التعايش السلمي، وعدم اغلاق الضفة الغربية، والسماح للعمال بدخول اسرائيل والعمل فيها.. وهذه اجراءات "ترغيبية"!
2. سيناريو استمرار الهبة وعدم توقفها، وتدحرجها لتشمل كامل المناطق الفلسطينية، داخل الخط الاخضر وخارجه. وهذا السيناريو سيواجه بالآتي:-
· الغاء التسهيلات، وخاصة تسهيلات التنقل، لكبار المسؤولين الفلسطينيين، وشطب بطاقة الشخصية المهمة الـ "V.I.P"، مع استمرار فاعلية البطاقات الصادرة والممنوحة للتجار واصحاب رؤوس الاموال.
· محاصرة الرئيس محمود عباس، وعدم السماح له بمغادرة رام الله بتاتاً.
· اعتقال قادة الفصائل المقاومة، المؤيدة للهبة الجماهيرية.
· شن حملة اعلامية ضخمة في العالم لالغاء حل الدولتين، وتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية انهيار هذا الحل، علماً ان حكومة نتنياهو شطبت والغت هذا الخيار منذ زمن بعيد. وهذه الحملة تهدف الى اقناع اوروبا بتغيير مواقفها الداعمة للدولة الفلسطينية، والتراجع عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكذلك الطلب من الجهات المانحة بعدم تقديم مساعدات للسلطة الفلسطينية.
· تكثيف التواجد العسكري، واقامة المزيد من الحواجز العسكرية في مناطق الضفة الغربية.
· استمرار العمل بالعقوبات القاسية بحق كل من يثبت أنه شارك في هذه الهبة الجماهيرية.
3. سيناريو عسكرة الهبة وتحويلها الى انتفاضة شاملة وساخنة عندها ستقوم اسرائيل بالعديد من الاجراءات العسكرية والسياسية ومن بينها:-
· إلغاء كافة التسهيلات المقدمة لابناء الشعب الفلسطيني.
· محاصرة مقر الرئاسة، وقد يتم ابعاد محمود عباس الى قطاع غزة او الاردن، ومعه كبار المسؤولين الفلسطينيين.
· لا تردد في استخدام القوة العسكرية المفرطة في مواجهة اي عملية مقاومة سواء لمنفذها أو المخطط لها.
· لا تردد في اعادة احتلال بعض المناطق.
· لا تردد في الغاء كل الاتفاقيات مع المنظمة، وتطبيقها، إن امكن مع قيادة بديلة من الضفة الغربية.
· استعداد اسرائيل لتولي ادارة الضفة الغربية مع ابقاء السلطة الفلسطينية من دون منظمة التحرير، ومن دون حركة فتح او اي فصيل فلسطيني، وتتم عملية تعيينات لوزراء أو ابقاء وزراء فلسطينيين يحملون نفس الاسم والصفة، ولكنهم يؤدون عمل ضابط الادارة المدنية أو أقل من ذلك بقليل.
· اثارة الرأي العام العالمي ضد القيادة الفلسطينية، ومنع تقديم مساعدات لها الا عبر اسرائيل.
· تكون الفرصة مؤآتية لفرض حكم ذاتي "مسخوط" على غرار دولة الكرد في شمال العراق، ولربما اقل من ذلك بكثير، مع الحصول على مباركة لهذه الخطوة من اميركا ودول عربية واسلامية تسير في الركب الاميركي.
4. سيناريو فلتان الوضع الامني ووقوع مواجهات بين المستوطنين والفلسطينيين عندها ستضطر اسرائيل للجوء الى اجراءات عسكرية تحاصر المستوطنين، وكذلك تنتقم من الفلسطينيين وتلجأ الى الاجراءات المعدة لسيناريو رقم 3 السابق مع اضافة في استخدام المزيد من القوة العسكرية.. ولربما اضطرارها الى اعادة احتلال كامل مناطق الضفة.
5. سيناريو مشاركة فلسطينيي الداخل في الهبة او الانتفاضة، فان اسرائيل لن تتردد في اعادة الحكم العسكري لكل منطقة يتظاهر ابناؤها ضد الدولة اليهودية، ومصادرة بطاقات الهوية والجنسية الاسرائيلية، وتكون الفرصة مؤاتية لترحيل عدد كبير من ابناء الداخل الى المناطق الفلسطينية او الى قطاع غزة مع سن قوانين لتزيد من الهوة بين العربي واليهودي في دولة اسرائيل.
أي سيناريو من السيناريوهات السابقة قد يعتقد البعض انه لصالح اسرائيل او لصالح الشعب الفلسطيني، ولكنه في الواقع هو مكلف جدا جدا، وقد يدفع الثمن من هو الاكثر ضعفا، وخاصة في ظل عالم "اعوج"، ومجتمع دولي خال من الاخلاق لا يدعم الا من هو صاحب القوة.
هناك جهود اسرائيلية واميركية، وفلسطينية ايضا، لمنع حدوث اي من السيناريوهات السابقة، والعودة الى الهدوء، ولهذا جاء بان كي مون، السكرتير العام للامم المتحدة ليحقق ويدفع بالتهدئة اذ قال: "ان حل القضية الفلسطينية يتم عبر الحوار والمفاوضات"، ولكن الحوار والمفاوضات لن تنجح اذا كان الطرف الاسرائيلي متعنتاً بمواقفه وسياساته، ورافضاً لانهاء الاحتلال، واذا كانت الأمم المتحدة عاجزة عن فرض قراراتها على الجانب الاسرائيلي.
الوضع معقد جدا، فهل تدخل المنطقة في نفق مظلم يستمر لسنوات طوال ام ما هو البديل؟ هل نأمل في ان يوفر المجتمع الدولي العدالة لقضيتنا؟
لا نستطيع ان نتفاءل، وكذلك أن نتشاءم، مع أن كفة الميزان تميل نحو التشاؤم. ولكننا نعيش على أمل، وهذا الامل يعتمد على صمود شعبنا وصلابة ارادته في الحصول على الحرية والعيش باستقلال تام وسلام شامل ودائم.