رغم أن الشعب الفلسطيني انهمك في الاسابيع الماضية في الهبة الجماهيرية الواسعة التي انطلقت من القدس في أوائل شهر تشرين الاول الجاري، الا انه لم ينسَ متابعة أوضاع أسرانا في السجون، سواء الذين يعانون من شتى أنواع القمع والتعسف والملاحقة بأبشع صورها الفظة، أو الذين يضربون عن الطعام مستخدمين الأمعاء الخاوية للحصول على مطالبهم العادلة، وللتصدي ايضاً لسياسة فرض الاعتقال الاداري غير الشرعي عليهم لعدم توفر أية أدلة قد يستخدمها الاحتلال في اصدار احكام عالية وانتقامية بحقهم.
ولا شك أن الهبة الجماهيرية أدت الى ارتفاع عدد الأسرى في سجون الاحتلال نظراً لقيام السلطات الاسرائيلية المحتلة عبر الأسابيع الماضية باعتقال المئات من الشبان بحجة مشاركتهم في هذه الهبة الغاضبة على سياسة الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني في مختلف أراضيه. وصرح رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع بأن سلطات الاحتلال اعتقلت خلال الاسبوعين الاولين من شهر اكتوبر الحالي حوالي 800 من ابناء الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية، داخل وخارج الخط الاخضر، ونصف هؤلاء هم من الأطفال، وغالبية البالغين منهم هم مدنيون عزل. وهذا يؤكد استهداف الاطفال، واتباع سياسة انتقامية شرسة تنفيذا لاوامر القيادة السياسية العليا التي سنت قوانين شرعت فيها رفع العقوبات على ملقي وراشقي الحجارة، وكذلك بفرض جملة من العقوبات القاسية بمنع زيارة المحامين والاهل للاسرى، ورفع الغرامات، وسحب هويات سكان القدس العربية، واستخدام الكلاب.
واكد أن هناك 15 حالة لمعتقلين مصابين يقبعون في المستشفيات، وطالب بتشكيل لجنة تحقيق فورية برئاسة الامم المتحدة للوقوف على الاجرام الممنهج الذي تمارسه سلطات الاحتلال، ولوضع حد لسياسة العقاب الجماعي التي تمارسها اسرائيل على اسرانا وعلى أبناء شعبنا الفلسطيني في مختلف المناطق المحتلة.
سياسة العزل القاسية
افادت تقارير عديدة مؤخراً ان ادارة مصلحة السجون الاسرائيلية ما زالت تعزل 10 أسرى في ظروف صعبة في اقسام عزل خاصة في سجن عسقلان منذ مدد متفاوتة وسط ظروف معيشية صعبة جدا، ويتم عزلهم بشكل كامل عن العالم الخارجي، اضافة الى تعرضهم الى ممارسات استفزازية من قبل السجانين، ويعضهم يعانون من اضطرابات صحية ونفسية صعبة نتيجة استمرار عزلهم لسنوات طوال.
واستناداً لجمعية الاسرى والمحررين "حسام" فان الاسرى المعزولين هم:
· موسى سعيد صوفان من طولكرم، معتقل منذ عام 2003، محكوم بالسجن المؤبد، ويقبع في سجن عسقلان منذ 12 آب 2013، ويجدد له امر العزل كل ستة شهور، يعاني منذ سنوات من اورام سرطانية في الرقبة وحالته الصحية سيئة.
· محمد جبران خليل من رام الله، يبلغ من العمر 33 عاماً، ومعتقل منذ 11/3/2006، محكوم بالسجن المؤبد، يعاني من مشاكل نفسية وعصبية نتيجة عزله 8 سنوات.
· نهار السعدي من جنين، محكوم بالسجن المؤبد أربع مرات، ويقبع في العزل منذ 3 سنوات.
· عصام زين الدين من نابلس، محكوم بالسجن المؤبد، وهو في العزل منذ عام.
· عبد الرحمن عجمان من نابلس، محكوم بالسجن 33 عاماً، وهو في العزل منذ عامين ونصف.
· نور الدين اعمر من نابلس، محكوم بالسجن 50 عاماً، ويقبع في العزل منذ ثلاث سنوات.
· شكري الخواجا من رام الله، وهو موقوف، يقبع في العزل منذ عام.
· حسام عمر من طولكرم، محكوم بالسجن 30 عاماً، وهو في العزل منذ سنتين.
· ثائر حماد من طولكرم، محكوم 11 مؤبدا، وهو في العزل منذ شهر.
· بلال كايد من نابلس، محكوم 14 عاماً، ويقبع في العزل منذ شهر ونصف.
أوضاع الأسرى المرضى
أفادت محامية هيئة شؤون الاسرى والمحررين، حنان الخطيب، بأن اوضاع الاسرى المحررين المتواجدين في مستشفى سجن الرملة قاسية جدا، وذلك بعد زيارتها لعدد من الاسرى المرضى في هذا المستشفى.
وقالت ان حالة الاسير أحمد رشيد من مخيم الامعري، المحكوم بالسجن 12 عاماً، خطيرة بسبب معاناته من ورم خبيث في الامعاء. وشكى الاسير عنان ملش من مخيم عايدة/ بيت لحم انه اصيب في قدميه اليسرى واليمنى، وانه تعرض للضرب والتنكيل خلال عملية اعتقاله. اما الاسير منصور شحاتيت من دورا والمحكوم بالسجن 17 عاماً، يقبع في سجن مجدو يعاني منذ مدة طويلة من مرض نفسي وعصبي. ويعاني الأسير بلال عمر محمد الصيفي من مخيم الدهيشة، المحكوم بالسجن الاداري، ويقبع في سجن مجدو من مرض الصرع. والاسير اشرف ابو الهوى من نابلس المعتقل منذ 6 نيسان 2014 بعد اطلاق النار عليه عند حاجز حوارة العسكري واصيب بجروح خطيرة في عموده الفقري يعاني من أوجاع شديدة جداً، وهو يتنقل على كرسي عجلات.
وذكرت مصادر فلسطينية عديدة أن الاسير المريض سامي أبو دياك نقل من عيادة سجن الرملة الى مستشفى اساف هاروفيه بعد ان طرأ تدهور على وضعه الصحي. وكان الاحتلال قد نقل الاسير ابو دياك الى عيادة مستشفى الرملة قبل عدة أيام عبر عربة البوسطة، أي بظروف نقل صعبة وقاسية.
وافاد نادي الاسير أن خمسة أسرى ممن اعتقلتهم قوات الاحتلال خلال الهبة الجماهيرية الحالية نكلت بهم، واصابتهم بالرصاص الحي يقبعون في سجن "عوفر" رغم اوضاعهم الصحية الصعبة وحاجتهم الماسة للرعاية الطبية الحثيثة والمركزة. وهؤلاء الاسرى خضعوا للعلاج الاولي في المستشفيات الاسرائيلية، ونقلوا للتحقيق والسجن قبل اكمال علاجهم وتماثلهم للشفاء. والاسرى الخمسة هم احمد وليد حامد (20 عاماً) من قرية سلواد، الاسير عبد الرحمن ابو ذهب من قرية بيت عنان/ القدس، الاسير أحمد باسم مطير من مخيم قلنديا، الاسير سعيد ناصر عبيد من اريحا، والاسير اسامة طارق جابر من بلدة الرام.
وكان الاسير فادي الدربي (30 عاماً) من جنين، قد استشهد يوم الاثنين 12/10/2015 في مستشفى سوروكا في بئر السبع الذي انتقل اليه من سجن رامون بعد ان دخل قبل استشهاده في غيبوبة ومرحلة موت دماغي اثر اصابته بنزيف حاد في الدماغ. وتم اتهام ادارة السجون باهمال حالة الاسرى المرضى، وهذا الاهمال يؤدي الى الاستشهاد.
تنكيل وتنقلات
وضمن سياسة التنكيل والتعذيب وتوتير الوضع المعيشي، قامت سلطات سجن ريمون الصحراوي بفصل التيار الكهربائي وقطع المياه عن الاسرى لانهم اعلنوا الحداد العام على استشهاد الاسير الديربي. وقد ادى هذا التصرف الى توتر الوضع، والى حالة من الغليان، مما اضطر ادارة السجن الى اعادة المياه والكهرباء الى السجن.
أما فيما يتعلق بسجن عوفر، فانه يشهد اكتظاظاً في عدد الاسرى بسبب ازدياد حملات الاعتقالات التي تشنها قوات الاحتلال، وقامت ادارة سجون الاحتلال بانشاء قسمين جديدين، وقامت بنقل بعض الاسرى الى سجني "النقب" و"مجدو".
واشار محامي نادي الاسير الفلسطيني الى ان الاكتظاظ طال جميع الاقسام، وتركز في قسم الاسرى الاشبال اذ وصل عددهم الى 111 أسيراً، ومعدل اعمارهم تتراوح بين 14 و15 عاماً، وغالبيتهم تعرضوا للاعتداء عليهم خلال الاعتقال وبعده. وذكر المحامي ان اسرى عوفر يعانون من نقص في الاغطية والملابس، ويناشدون الصليب الاحمر بضرورة تزويدهم بهذه النواقص في اسرع وقت ممكن، وقبل حلول فصل الشتاء.
مئات الأسرى في الاعتقال الاداري
أوامر الاعتقال الاداري ما زالت تصدر من سلطات الاحتلال، وقد بلغ عدد المعتقلين الاداريين حوالي اربعمائة اسير. وهذه الاوامر تصدر لاول مرة بحق بعض الاسرى، وتصدر مرات ومرات مجددة الاعتقال الاداري للاسرى الاداريين وتتراوح اوامر الاعتقال الاداري ما بين 3 و6 أشهر.
واستناداً الى نادي الاسير الفلسطيني، فان سلطات الاحتلال قامت مؤخراً باصدار اوامر اعتقال اداري بحق 33 أسيراً تراوحت مددها بين 3 و6 شهور. وان من الاسرى هؤلاء سبعة اصدر بحقهم امر الاعتقال الاداري للمرة الاولى، وكذلك بحق اسرى قضوا سنوات ضمن الاعتقال الاداري التعسفي، الذي يعتبر غير قانوني. ومخالفاً لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية.
وقامت محاكم الاحتلال خلال فترة ايام تمديد اعتقال 68 اسيراً بذريعة التحقيق والاجراءات القانونية. وهذا الرقم يتزايد اذ ان سلطات الاحتلال تعتقل العشرات يوميا، وذلك في اطار جهودها لوقف الهبة الجماهيرية ضد الاحتلال وممارساته، واجراءاته لفرض المزيد من السيطرة والهيمنة على الحرم القدسي الشريف.
تأثيرات الهبة الجماهيرية على قضية الاسرى
لا شك أن للهبة الجماهيرية الاخيرة ضد الاحتلال تأثيرات ايجابية وسلبية في آن واحد، اذ ان هذه الهبة أثرت على قضايا عديدة اخرى، وبالتالي فانها ستؤثر حتماً على قضية الأسرى.
التأثيرات الايجابية يمكن حصرها بالآتي:-
أ. اثارة موضوع الاحتلال الاسرائيلي، والمطالبة بانهائه، وانهاؤه يعني ايضاً انهاء جميع الملفات الاساسية العالقة ومنها ملف الاسرى، وهذا يعني الافراج عنهم جميعاً.
ب. رفع معنويات الاسرى في السجون اذ انهم سيكونون فرحين لان النضال الشعبي متواصل، وان الشعب الفلسطيني لن يقبل باستمرار هذا الاحتلال البغيض.
جـ. حملات الاعتقالات للمئات من أبناء شعبنا، ستشكل عبئاً قانونياً ومالياً واقتصادياً على دولة اسرائيل.
د. تعزيز التكافل الاجتماعي بين ابناء الشعب الواحد، وهذا يعني ايضا تعزيز العلاقة والتضامن مع اهالي الاسرى مما يؤدي الى رفع معنوياتهم النضالية.
أما التأثيرات السلبية المتوقعة على قضية الاسرى فيمكن ايجازها بالآتي:
1. رفع وتيرة البطش والانتقام بحق اسرانا داخل السجون كرد فعل جنوني على انطلاق هذه الهبة الجماهيرية.
2. محاولة مصادرة العديد من الانجازات التي حققها أسرانا عبر نضالاتهم المريرة والطويلة لتحسين ظروف اعتقالهم داخل اسوار السجون ومراكز التوقيف الاسرائيلية.
3. منع اهالي الاسرى من القيام بزيارة ابنائهم واخوتهم في سجون الاحتلال تحت ذرائع وحجج أمنية انتقامية ايضاً.
4. الاضواء الاعلامية المحلية والاقليمية والدولية التي كانت مسلطة على قضية الاسرى ستضعف لانها قد تغير بعضها وجهتها حول ما يدور الان في الميدان ضد الاحتلال، وتنتقل هذه القضية من اولى الاوليات الى ثاني الاوليات من ناحية فعلية.
5. عدد المعتقلين الجدد يرتفع يوما بعد يوم اذ ان المئات، ولربما قد يصل الى الآلاف، وهذا يعني اكتظاظاً في السجون الاسرائيلية. ولربما الى اقامة مراكز اعتقال جديدة يهتم فيها المواطنون بالمعتقلين الجدد على حساب، ولو قليلا، على اسرانا المتواجدين في السجون ما قبل اندلاع هذه الهبة الجماهيرية الفلسطينية العارمة.
6. تركيز الجهود الدولية على "تهدئة" الوضع، وبالتالي العمل على تحرك سياسي قد يصادر قليلا من الاهتمام بقضية الاسرى ايضا.
7. الهبة الجماهيرية الفلسطينية ستزيد من اجراءات القمع بحق شعبنا الفلسطيني داخل وخارج السجون وستزيد من التعنت الاسرائيلي في عدم الافراج عن الاسرى الذين قد تنتهي مدد محكوميتهم.
8. سيزداد الاهمال الطبي الحالي بعد ان يزج في السجون الكثيرون من الشبان والاشبال المصابين والمعتقلين بعد مشاركتهم في المواجهات اليومية!
ستبقى قضية أساسية وجوهرية
مهما كانت التأثيرات، سلبية او ايجابية، لهذه الهبة الجماهيرية فان قضية الاسرى تبقى أساسية وجوهرية لانه لا يمكن ان يهدأ الحال الا بتحرير أسرانا، او على الاقل بتحسين ظروف اعتقالهم، وكذلك بالغاء اوامر الاعتقال الاداري غير الشرعية المنافية لحقوق الانسان. ولن يهدأ بال اي فلسطيني، ولن يمكن التوصل الى اي اتفاق سلمي شامل الا بتحرير جميع الاسرى ومن دون أي استثناء، وهذا ما يجب أن تعرفه اسرائيل اولا، والعالم كله المقصر تجاه قضيتنا الكبرى والعادلة، اذ عليه ازالة هذا الضيم وفي أسرع وقت!