* سعد: ما يجري في الأراضي الفلسطينية لا يمكن أن نسميه انتفاضة ثالثة
* مقداد: لا أستبعد عدواناً مؤقتاً على غزة لإبعاد الأنظار عما يجري بالضفة
*معروف: في ظل غياب البيت الفلسطيني الواحد لا يمكن للفلسطينيين أن يحققوا إنجازات سياسية
* أبو عابدة: الحالة الثورية بالأراضي الفلسطينية هي أشبه بالانتفاضة
غزة- البيادر السياسي:ـ تقرير/ محمد المدهون
لم يكن الاحتلال وقطعان المستوطنين يتوقعون هذه الهبة الجماهيرية والعمليات المقاومة نصرةً للمسجد الأقصى.. موجة من الغضب العارم سادت كافة محافظات الوطن دفاعاً عن الأقصى.. عمليات طعن وإطلاق نار غلب عليها الطابع الفردي غير المنظم كانت سيدة الموقف، قابلها جرائم قتل من قبل جنود الاحتلال لفتيات وشبان وأطفال فلسطينيين لمجرد الاشتباه، سرعان ما انتقلت الشرارة إلى غزة الجريحة، فأبى أهلها إلا أن يكونوا في الطليعة، فلم يكن أمام الصدور العارية أي خيار آخر غير الخروج إلى الخط الفاصل، قابلهم جنود الاحتلال بالرصاص المتفجر، فسقط الشهداء والجرحى لترتوي أرض غزة من جديد بالدماء الزكية، وتلتحم دماء الأهل في الضفة والقدس وغزة مع بعضها البعض لتوجه رسالة للمحتلين بأن الأقصى أغلى من دمائنا، وأن مخططات الاحتلال لن تمر بتقسيمه.. فهل بدأت فعلاً الانتفاضة الثالثة نصرةً للأقصى والقدس؟ وهل غزة على أعتاب حرب جديدة؟.."البيادر السياسي" طرحت هذه الأسئلة على العديد من المحللين والمتابعين والإعلاميين الفلسطينيين في التقرير التالي.
تقزيم الانتفاضة
لم تكن غزة في يوم من الأيام بعيدة عن المشهد، ولم يقبل أهلها في يوم الاستفراد بالقدس والضفة من قبل الاحتلال، فكان الدافع قوياً هذه المرة لينطلق الشبان نحو خطوط التماس مع جنود الاحتلال، فوقعت المعركة غير المتكافئة، وقابل الحجر بنادق المحتلين، فسقط الشهداء والجرحى.. صواريخ خجولة أطلقت نحو المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، فكان الرد الإسرائيلي قوياً وسريعاً بالقصف المدمر، فاستشهدت زوجة حامل وطفلتها وأصيب زوجها، فراح البعض يتساءل هل باتت غزة على أعتاب حرب جديدة..؟.
الدكتور حسين سعد أستاذ الإعلام في جامعتي الأزهر وغزة قال لـ"البيادر السياسي": غزة في انتظار قرار من القيادة العسكرية للفصائل الفلسطينية، ويبدو أن هناك ثمناً يجب أن يدفعه الشعب كشهداء حتى يتحرك هذا القرار، فإذا قام الاحتلال الإسرائيلي باستهداف شخصيات بارزة في قطاع غزة قد يسرع من وتيرة الأحدث وتكون هناك ردة فعل قد تؤدي بالنهاية لحرب جديدة.
وأضاف: "ما يجري بالأراضي الفلسطينية لا يمكن أن نسميه انتفاضة ثالثة، لأنها بدأت بما مارسته انتفاضة الحجر، ومعنى ذلك أن القرار السياسي هو صاحب السلطة في وقف تلك الانتفاضة، وما يحدث هو هبة جماهيرية إزاء ما يحدث من انتهاكات للقدس ومصادرة الأراضي ومضايقات كلها لا ترتقي بالنهاية لانتفاضة ثالثة، لأن هناك متغيرات على الأرض، وهو الانقسام الفلسطيني الذي له دور بارز في تقزيم تلك الانتفاضة، فليس الهدف هو المقاومة بقدر ما هو السيطرة على السلطة والحكم".
عدوان مؤقت
أما الصحفية داليا مقداد فلم تستبعد إقدام الاحتلال على شن حرب جديدة على غزة، وقالت لـ"البيادر السياسي"، بالنسبة إلى أن غزة قد تخوض حرب جديدة هذا شيء ليس مستبعداً، خاصة أن الاحتلال يحاول بشتى الوسائل جر غزة وحماس بالذات إلى ذلك, لكن لن تكون حرب بقدر ما هو عدوان مؤقت لإبعاد الأنظار عما يجري بالضفة، هذا في حال انساقت حماس للرد على الاعتداءات المتكررة على غزة.
أما بالنسبة للضفة فباعتقادي أنها مرحلة مؤقتة وستنتهي قريباً إما من خلال جر غزة أو باحتواء الموقف من قبل السلطة والوسطاء العرب, وبشكل عام كلها بمثابة زوبعة لن تستمر طويلاً..
لكن ما صورة الموقف في حال استمرت الاقتحامات والاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى مع العلم أن جميع العمليات هي فردية لحتى الآن وليست تنظيمية؟
عن هذا السؤال تجيب مقداد قائلةً: "هذا سيكون ضمن الاتفاق الذي قد يعقد في حال تدخل وساطة أن تتوقف الاقتحامات أو يصلوا إلى حلول أخرى.. اشتعال الانتفاضة يلزمه تدخل التنظيمات أو الفصائل التي لم تبد حتى الآن أي تحرك ظاهر لإشعال الانتفاضة، وفي حال استمرت على هذا الحال ستهدأ الأمور تدريجياً حتى التوصل إلى اتفاق".
أقفال أوسلو حلت
الكاتب والإعلامي معروف موسى، عضو الاتحاد الدولي للصحافة العربية رأى أن دبلوماسية العض لا تُحدث قروحًا، وإنما تترك لعابًا، هذا ما قررت قيادة السلطة الفلسطينية انتهاجه، بدأته ببعض الرسائل السياسية قبل خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة، وشرعت أبوابه تدريجياً في الشارع الفلسطيني.
وأضاف موسى لـ"البيادر السياسي": "الرسالة واضحة جداً للنادي السياسي الدولي: أقفال أوسلو حُلت، والقرار لكم، إما أن نذهب إلى خيارات مفتوحة تدريجياً، وإما أن تتخذوا مواقف حاسمة في ملفي القدس والاستيطان".
ويتابع قائلاً: "في ظل غياب البيت الفلسطيني الواحد، واستمرار الشرخ بين المقاومة والدبلوماسية الفلسطينية، لا يمكن للفلسطينيين أن يحققوا إنجازات سياسية في ملفات الاستيطان والقدس وغيرهما، والسقف في ذلك لن يتعدى أبداً لجم التفلت الإسرائيلي على القدس والاستيطان".
وخلص موسى للقول: "ما لم تحصل الدبلوماسية الفلسطينية على تعهدات قوية للجم التفلت الإسرائيلي، نعم، ستستمر السلطة بفتح الأبواب أمام خيار انتفاضة شعبية واسعة، في الضفة وغزة والداخل والشتات".
ولكن هل سيعمل الاحتلال على جر الفصائل الفلسطينية لهذه الحرب؟
يجيب موسى "قد تكون هي المرة الأولى التي تتحول فيها المقاومة الفلسطينية من سياسة رد الفعل إلى سياسة المبادرة".
وقال: "أبداً، هذه المرة ليس بيد إسرائيل أن تبدأ حرباً على غزة.. لا تخوض إسرائيل حروباً بدون بنك أهداف: سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.. كل ذلك لم يتحضر لدى الإسرائيلي بعد، ولا يوجد في غزة ما يمكن أن تخسره المقاومة وتكسبه إسرائيل، ولا يمكن لإسرائيل أن تتحرك في معركة بدون دبلوماسية دولية منسجمة، وهذا الأمر لم يتوفر بعد، ولن يتوفر، لأن المعركة ليست ضد المقاومة فحسب، بل ضد الدبلوماسية الفلسطينية التي رفعت علماً فلسطينياً مؤخراً كمكسب فلسطيني وخسارة إسرائيلية، لذا، يمكن لنا أن نسجل فعلاً، أنها معركتنا نحن، وليست معركة الإسرائيلي".
حالة حرب
الدكتور/ أشرف أبو عابدة يقول: "بدا واضحاً حالة التخبط والارتباك التي يعيشها رئيس حكومة الاحتلال ووزراؤه، وكذلك المنظومة الأمنية الإسرائيلية، من عدم قدرتها على استشعار عمليات الطعن والسيطرة على هبة الجماهير في كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها أراضي 1948، وهو ما دفع برئيس حكومة الاحتلال للخروج في مؤتمر صحفي وإلى جانبه قادة منظومة الأمن، والذي يذكر بما حدث في عدوان 2014، مما يؤكد أن حكومة الاحتلال تعيش حالة حرب، وكثرة الإجراءات والتدابير الذي اتخذتها الحكومة ممثلة في استدعاء قوات من الاحتياط، وتعطيل الدراسة في بعض المناطق، وتشكيل لجنه أمنية لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، وتركيب كاميرات المراقبة على الطرقات، ورغم كل ذلك لم تستطع إيقاف تلك الحالة".
ويعزو أبو عابدة ذلك "لأن من يقوم بتلك الحالة هم جيل الشباب، متوسط أعمارهم مابين 15إلى 20عاماً، وهم لم يعاصروا انتفاضة الحجارة، ولم يدركوا انتفاضة الأقصى، والقرار بما يقومون به قرار فردي.. كل ذلك يدل على أن الحالة الثورية بالأراضي الفلسطينية هي أشبه بالانتفاضة، وعلى ما يبدو أنها آخذة في الاتساع والاستمرارية".
وأضاف أبو عابدة لـ"البيادر السياسي": مما سبق، يتضح أن حكومة بنيامين نتنياهو في مأزق حقيقي، وهي تفكر في الخلاص من هذه الحالة، والمؤشرات على ذلك في توسيع نشر منظومة القبة الحديدية على حدود غزة، وما قاله وزير حرب الاحتلال يعالون: "نتمنى أن تبقى جبهة غزة هادئة وألا تتطور؛ وهذا يعني أنه يقوم باستدراج فصائل المقاومة إلى إطلاق الصواريخ من قطاع غزة لتنجر الى معركة تدور رحاها على غزة، وتجذب الأنظار عن القدس والأراضي المحتلة، والمراهنة على عامل الوقت في إخماد شعلة الضفة، وبذلك تكون قد نقلت المعركة.. و"على ما يبدو" يضيف أبو عابدة: "أن فصائل المقاومة في غزة غير راغبة في الوصول لهذه المرحلة في هذا الوقت، ورأى أن الانجرار لتلك الحالة يعمل على تدمير مشروع الرئيس محمود عباس في أن تكون الهبة جماهيريه ذات طابع سلمي".
وبذلك يتضح أن هناك تباين في الآراء ما بين المحللين والإعلاميين حول توصيف ما يجري: هل هو انتفاضة ثالثة أم هبة جماهيرية مؤقتة؟ وتبقى الأيام القادمة كفيلة للإجابة على هذا السؤال.