ما المطلوب لوضع حد لهذه التصرفات الجبانة
"الموت للمسيحيين الكفار، أعداء اسرائيل"، و"يجب تدمير الاصنام"، و"يجب ذبح المسيحيين وارسالهم الى جهنم" هذه شعارات باللغة العبرية تمت كتابتها (رشها) على سور كنيسة "رقاد العذراء" المعروفة باسم "الدورميشين" الواقعة على جبل صهيون في القدس. وهذه الكنيسة يديرها الآباء البندكتيون الالمان.
هذا الاعتداء جاء بعد عدة أسابيع من الاعتداء على دير السالزيان الواقع في منطقة بيت جمال/ قرب بيت شيمش على طريق القدس/ تل ابيب، وهذا الاعتداء ليس الاول اذ تم الاعتداء على هذا الدير في آب 2013 بالقاء قنبلة حارقة، وتم الاعتداء على المقبرة عام 1981.
والجدير ذكره ان جماعة "تدفيع الثمن" المتطرفة هي المسؤولة عن هذه الاعتداءات الجبانة. وتم الاعتداء في نيسان 2014، أي اقل من عام، على دير رافات ايضا، وكتبت شعارات مناوئة للمسيحية والسيدة العذراء وفي ايلول عام 2012 تم الاعتداء على دير اللطرون بكتابة شعارات دنيئة تمس شخص المسيح (له المجد).
وبعد كل اعتداء تقوم السلطات الاسرائيلية باصدار بيانات استنكار، والوعد بالتحقيق في الامر، وتقديم مرتكبي هذه الاعتداءات للقضاء، كما ان العديد من الجهات الرسمية والشعبية تصدر بيانات استنكار وشجب لهذه الممارسات القذرة من طرف مجموعة عنصرية متطرفة. وفي شهر كانون الاول الماضي لم يتردد رئيس منظمة "لاهافا" الحاخام بينتسي غوبشتاين من تجديد دعوته لحرق الكنائس، والمس بالمسيحيين، وهذه الدعوة تتم عبر وسائل اعلام عديدة، واسرائيل لا تفعل شيئاً، بل تقدم وعدا بدراسة هذا التحريض، ودراسة امكانية تقديم هذا الحاخام العنصري للمحاكمة!
معاني ودلالات هذه الاعتداءات
ماذا تعني هذه الاعتداءات على المسيحيين؟ وما هي دلالاتها؟
لا بدّ من القول وبكل صراحة ان هناك فئة عنصرية متطرفة داخل المجتمع اليهودي تكره المسيحيين، ولا تريد وجودهم على الاطلاق. وبعض هؤلاء المتطرفين نراهم داخل القدس القديمة اذ ان ايا منهم عندما يرى موكبا دينيا مسيحيا يسير في احد شوارع القدس ويرى الصليب محمولا داخل الموكب نراه يقوم بوضع وجهه تجاه الحائط او اي جدار أو اي محل لانه لا يرغب في رؤية الصليب، كما ان بعض غلاة المتطرفين قاموا بسلسلة اعتداءات على رجال دين مسيحيين.
العداء اليهودي يكمن ضمن عقيدة المعاداة، وعدم الاعتراف بمجيء المسيح، ولان المسيحيين يُحّملون مسؤولية صلب المسيح لليهود الذين قالوا لبيلاطس، الحاكم البيزنطي: اقتلوه، فدمه علينا وعلى أولادنا.
ورغم وجود حوار مسيحي يهودي، ورغم وجود تعاون بين الاديان السماوية الثلاث الا ان هذه الفئة لا تعترف بذلك، وتُكّن العداء للمسيحية والمسيحيين.
ومن دلالات ومعاني هذه الاعتداءات ان المسيحيين ليسوا آمنين في دولة اسرائيل التي يقول زعماؤها وبكل صراحة انها دولة لليهود، أي أن من هم غير اليهود لا ينتمون لهذه الدولة، او غير مرحب بهم.
ورغم ان البابا فرنسيس زار الكنيس الكبير في روما واستقبل استقبالا جيدا في اواسط الشهر الجاري، الا ان هؤلاء المتطرفين وفي الديار المقدسة ردوا على ذلك بالاعتداء على اديرة وكنائس مسيحية لانهم لا يؤمون بالحوار، ولا يؤمنون الا بالعنف الذي يرفضه الدين اليهودي كما الاديان السماوية الاخرى.
ومن معاني تكرار هذه الاعتداءات ان السلطات الاسرائيلية لم تفعل اللازم لوضع حد لهذه الاعتداءات، اذ اننا نسمع عن اعتقال شخص أو اكثر للاشتباه بهم بأنهم قاموا بالاعتداء، ولكننا لا نسمع ماذا تم فعله مع هؤلاء المعتدين: هل قدموا للمحاكمة او اطلق سراحهم تحت يافطة او عذر ان المعتدين مضطربون نفسيا، وغير مؤهلين لتقديمهم للقضاء، او انه ليست هناك ادلة كافية لابقاء هؤلاء رهن الاعتقال او تقديمهم للمحاكمة.
ويمكن القول ايضا ان هناك جهات يهودية تتمنى ان يرحل كل من هو ليس يهوديا للخارج حتى تبقى الدولة يهودية. وهذه الاعتداءات قد تساهم – حسب رأيهم – في تشجيع من بقي متمسكاً بالارض على الهجرة او الرحيل للخارج.
اما السياسيون في هذه المنطقة فان العداء للمسيحيين نابع من وقوف الكنائس المسيحية الى جانب العدالة، وتطالب بتطبيقها، وهذا يعني ضرورة انهاء الاحتلال الاسرائيلي، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.. ولا شك ان موقف رؤساء الكنائس واضح بخصوص القدس: اذ يعتبرونها عاصمة لدولتين ومدينة للاديان السماوية الثلاث، وهذا لا يعجب هؤلاء المتطرفين الذين يريدون القدس عاصمة للدولة اليهودية فقط.
وهناك من يقول ان هذه الاعتداءات تأتي ردا على مواقف حاضرة الفاتيكان تجاه القضية الفلسطينية اذ ان البابا فرنسيس اعترف بالدولة الفلسطينية، ورفع من درجة التمثيل الدبلوماسي المتبادل معها ابتداءً من بداية العام الحالي 2016، وتأتي هذه الاعتداءات انتقاماً من مواقف الدول الاوروبية الداعمة للقضية الفلسطينية، وفي رأيهم ان دول اوروبا هي مسيحية!
ما المطلوب..
المطلوب هو ان تُجبر السلطات الاسرائيلية على وقف هذه الاعتداءات لانها هي المسؤولة عن هذه المنظمات المتطرفة التي يجب ايضا حظر نشاطاتها.
كما ان المطلوب هو ان يتم وضع حراسة على هذه الاماكن المقدسة.
والاكثر الحاحاً وطلباً هو ان تتوقف التصريحات العنصرية، وان يكون التعليم في المدارس الاسرائيلية وفي البيوت على احترام الاخر، وانه لا يجوز لاي شخص ان يشطب وجود الاخر.
الوضع العام للمسيحيين سيء، كما هو الحال لجميع ابناء المنطقة لغياب الامان والاستقرار، ولعدم وجود حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. لقد هاجرت اعداد كبيرة من المسيحيين، ولم ييق منهم الا القلة، فهل يتم الحفاظ عليها ام ان مثل هذه الاعتداءات ستتكرر وستتضاعف وبالتالي تُشعر المسيحي بانه غير آمن، وعليه البحث عن مكان أكثر أمناً.
غياب المسيحيين عن المنطقة له سلبياته الكبيرة. فهو جزء أساسي من تركيبة الشرق. وعلى الجميع وضع حد لكل ما هو يسيء لهذا الشرق ومكوناته الاساسية والجوهرية.