* سماسرة المعبر ابتزاز مستمر واستغلال لحاجات الناس الإنسانية
* الكثير من المسافرين نفدت أموالهم أثناء انتظار فتح المعبر
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ تقرير/ محمد المدهون
لا يختلف اثنان بأن الخروج من غزة أصبح من المستحيلات جراء إغلاق معبر رفح لفترات طويلة، لكن العودة إلى غزة أيضاً ليست بالأمر الهين والسهل.. طريق محفوفة بالمخاطر، جراء الواقع الأمني الصعب في سيناء، وعذابات لا تنتهي على الجانب المصري من معبر رفح.. آلاف المسافرين الذين حزموا حقائبهم منذ أشهر في انتظار سماع نبأ افتتاح معبر رفح ليومين للحالات الإنسانية، وما أن يتم الإعلان عن افتتاح المعبر تبدأ رحلة المعاناة من أجل العودة إلى غزة.. استغلال بشع من قبل مكاتب السيارات التي تقل المسافرين، واستغلال آخر من قبل "الشيالين"، وعمليات نصب واحتيال أبطالها شيالون وسماسرة السفر من أجل الدخول إلى المعبر وختم الجواز مبكراً بدلاً من الانتظار ساعات طويلة داخل الصالة المصرية.. "البيادر السياسي" واكبت رحلة المعاناة التي يعانيها المسافرون الفلسطينيون في طرق العودة إلى غزة وأعدت التقرير التالي.
رحلة علاج مريرة
تعتبر مصر هي البوابة الوحيدة والرئيسية والمنفذ الهام لأبناء قطاع غزة، وتسبب إغلاق هذه البوابة لأشهر طويلة في تفاقم معاناة المواطنين الراغبين في السفر لدواعي إنسانية بحتة، فالطلاب فقدوا مقاعدهم الدراسية، والمغتربون فقدوا إقاماتهم وأماكن عملهم نتيجة عدم تمكنهم من السفر جراء إغلاق معبر رفح، أما المرضى فحدث ولا حرج.. مئات المرضى توفوا ولم يتمكنوا من الوصول إلى المستشفيات خلال الأعوام الماضية..!.
يقول المسافر أبو إسماعيل، وهو رجل مسن في الستينات من عمره، أنه وصل إلى القاهرة قبل ثلاثة أشهر تقريباً، بهدف العلاج وأنه كان مسجلاً في كشوفات وزارة الداخلية بغزة منذ شهور طويلة، ولم يتمكن من السفر للعلاج، وما أن حالفه الحظ واستطاع السفر إلى مصر تلقى العلاج في احد المستشفيات المصرية على مدار شهر كامل، كان لابد من العودة إلى غزة لاستكمال العلاج في بلده، إلا أن إغلاق المعبر حال دون ذلك، ما اضطره للانتظار، بالرغم من أن الإقامة في القاهرة مكلفة مادياً، وما استطاع تدبيره من أموال للعلاج ومصاريف السفر نفدت منذ الشهر الأول.. عاد أبو إسماعيل من السفر بعد أن استلف من القريب والغريب وتحمل أعباء مادية هو في غنى عنها جراء الانتظار أكثر من شهرين لافتتاح المعبر.. أبو إسماعيل رجل كبير في السن ومعه ابنه الذي رافقه طيلة فترة العلاج، كانت علامات الإرهاق ظاهرة عليهما، فالتفتيش على الحواجز المنتشر للجيش المصري أمر مرهق للمسافرين، نظراً لكثرتها، هذا فضلاً عن المخاطر المحدقة جراء الانتظار أوقات طويلة على الحواجز أو الكمائن المصرين في منطقة العريش، فالمسافرون عرضة للإصابة بأي هجوم قد يتعرض له الجيش المصري، ما يعني أن حياتهم في خطر شديد.
طلاب بين ناري الغربة والحرمان من الدارسة
لا يختلف حال الطالب أحمد البيومي كثيراً عن حال أبو إسماعيل، فهو يدرس في إحدى الجامعات المصرية، ولم يتمكن من زيارة أهله منذ سنين، نظراً لإغلاق المعبر، فالعودة إلى غزة في نظره تعني احتمال فقدان الدراسة، لأن السفر إلى القاهرة من جديد ليست بالأمر الهين، فهو يحتاج إلى انتظر دور طويل يمتد لأشهر.. يقول البيومي أنه يتألم كثيراً لما يعاني منه الطالب الفلسطيني، فزملاؤه الوافدون من دول أخرى يسافرون لقضاء الإجازات والعطل الدراسية في أي وقت يشاؤون، ويعودون إلى مقاعدهم الدراسية في الأوقات التي يريدون دون عناء أو مشقة أو خطورة، إلا أن حال الفلسطيني يختلف كثيراً.. داعياً الجهات المصرية إلى النظر بعين الرحمة للفلسطينيين، والتخفيف من معاناتهم، فإغلاق معبر رفح بهذه الصورة فاقم من معاناة الناس، وكلفهم الكثير من النفقات المادية، لذلك يقول البيومي لا بد من تحييد معبر رفح، وتجنيبه أي خلافات ومناكفات سياسية فلسطينية.
استغلال لحاجات الناس
أبو عمر المصري حالة أخرى شاهدناها على معر رفح.. رجل مسن يصطحب زوجته ووالدته التي قاربت على الثمانين عاماً من عمرها، منذ الوصول إلى المعبر والنزول من السيارة قابله الشيالون وبدأوا يعرضون خدماتهم، فهو لا يستطيع أن يحمل حقائبه نظراً لكبر سنه واصطحابه لزوجته ووالدته، فسأل أحد الشيالين عن التكلفة المادية التي يتطلب أن يدفعها لهم نظير حمل حقائبه الثلاث، فما كان من أحد الشيالين إلا أن طلب منه خمسمائة جنيه مصري، أي قرابة ستين دولاراً، وشيال آخر طلب أكثر من ذلك، وثالث وافق على خمسين دولاراً، ولكن لن يوصله إلى الأتوبيس الذي سينقله للجانب الفلسطيني، وإنما للبوابة الرئيسية للمعبر المصري، أي على بعد حوالي مائتي متر، الأمر الذي يتطلب منه الاتفاق مع شيال آخر داخل ساحة المعبر ودفع تكاليف أخرى، فلم يمكن المصري من دفع هذا المبلغ واضطر لسحب حقائبه وطلب المساعدة من مسافرين آخرين، وهذا الأمر ليس بالسهل أيضاً، فكل مسافر منشغل بنفسه، ويريد الدخول إلى المعبر قبل إغلاقه، خشية العودة إلى القاهرة من جديد، والانتظار أشهر أخرى لفتحه من جديد.
سماسرة المعبر
أما سماسرة المعبر فهم كثر، فما أن دخلنا الصالة المصرية بعد ساعات طويلة من الانتظار في الشارع، وطوابير على باب الصالة المصرية حتى قابلنا أحد هؤلاء السماسرة الذي بدأ بعرض خدماته، والتي تتمثل في دفع مبالغ مالية مقابل ختم الجواز في مدة قليلة بدلاً من الانتظار لساعات طويلة داخل الصالة المصرية.. فما كان منا إلا أن رفضنا طلبه وعرضه، واتبعنا الإجراءات القانونية.. لكن هذه الإجراءات استغرقت ما يزيد عن خمس ساعات حتى استلمنا الجواز.. 22 ساعة سفر استغرقت الطريق من القاهرة إلى غزة، في حين أن المدة لا تستغرق أكثر من سبع ساعات في الوضع الطبيعي.. الأمر الذي يدفع للتساؤل.. متى ستنتهي معاناة المسافرين على معبر رفح؟
دعوات كثيرة وجهها المسافرون للجانبين المصري والفلسطيني بضرورة الأخذ في عين الاعتبار حاجة الناس للسفر بكرامة وأريحية دون مشقة وعناء.. فهل تجد هذه الدعوات آذاناً صاغية؟