تخوض القيادة الفلسطينية معركة سياسية قوية من أجل الحصول على دعم وتأييد للقضية الفلسطينية من خلال الحصول على قرار دولي ينهي الاحتلال الاسرائيلي، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وفي المقابل تعمل اسرائيل على افشال هذه الجهود الدبلوماسية الفلسطينية من خلال تحرك مضاد وقوي، لان القيادة في اسرائيل تدرك ان تدويل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ليس لصالحها، وقد يضطر العالم الى اتخاذ قرارات ملزمة اسرائيل في تنفيذها كاملا، أو تنفيذ ولو جزء منها، وهذا بالنسبة لها خسارة وهزيمة وتنازل، لان الحكومة الاسرائيلية الحالية لا تريد سلاما دائما وشاملا، ولا تريد انهاء الاحتلال للاراضي الفلسطينية، ولا تريد تقديم أي تنازل ولو كان بسيطا.. ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو لا يريد تحقيق سلام شامل، وفي نفس الوقت ليس قادرا حتى على تحقيق أي اتفاق ولو هزيل مع الجانب الفلسطيني، لان اعضاء ائتلاف حكومته، وفي غالبيتهم، هم متطرفون عنصريون لا يريدون بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، بل يريدون الارض من دون سكانها واصحابها الاصيلين والاصليين.
أسباب التحرك السياسي الفلسطيني
بعد أن توقفت الجهود السياسية لجسر الهوة في الموقفين الفلسطيني والاسرائيلي بعد مسيرة مفاوضات استمرت اكثر من عشرين عاما، وبعد أن توقفت الادارة الاميركية الحالية عن رعايتها للمسيرة السلمية، وانشغالها في قضايا دولية اخرى، وكذلك انشغال اميركا بأسرها بالحملات الانتخابية الرئاسية، وبعد أن جاءت الى الحكم حكومة يمينية اسرائيلية هدفها تعزيز الاستيطان، والقضاء على القضية الفلسطينية، وجدت القيادة الفلسطينية انه لا بدّ من التحرك على الساحة السياسية الدولية.
وبدأت ذلك من خلال محاولة تمرير قرار في مجلس الامن من اجل تحديد سقف زمني لانهاء الاحتلال الاسرائيلي، واقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران 1967، هذه الجهود اصطدت باعتراض اميركي.
وعوضا عن ذلك بدأت بعض الدول الاعتراف بالدولة الفلسطينية من خلال رفع مكانة ممثلية فلسطين لديها الى درجة سفارة، وهذا انجاز عظيم، وتبع ذلك ايضا اعتراف بعض الدول بالدولة الفلسطينية من خلال تصويت مجالسها البرلمانية على ذلك، وقادت هذه الخطوات مملكة السويد التي كانت اولى الدول الاوروبية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، ورفعت مكانة ممثلية فلسطين الى سفارة، وتبعتها دول عديدة، ومنها دولة الفاتيكان التي لها مكانة روحية ومعنوية عالية في العالم.
جوانب التحرك الفلسطيني المتعددة
التحرك السياسي الفلسطيني ليس محصورا بالشأن الدبلوماسي فقط، بل كانت له عدة اوجه وجوانب للحصول على تعاطف ودعم دولي ومن أهمها:-
أولاً: ادانة الاستيطان: حاولت السلطة الوطنية اثارة موضوع الاستيطان من خلال عدة طرق ومن أهمها:
· رفض استئناف المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي الا بعد تجميد الاستيطان بصورة كاملة، واسرائيل ترفض هذا الشرط الفلسطيني الشرعي والواقعي.
· تعرية تصرفات وعربدات المستوطنين في مناطق الضفة من اعتداءات على المواطنين، وعلى ممتلكاتهم وحقولهم، وعلى دور العبادة سواء اكانت اسلامية أو مسيحية، وذلك من خلال نشر وقائع واحداث هذه الاعتداءات والممارسات الوحشية.
· اصدار تقارير عن سياسة الاستيطان وتوسيع المستوطنات، والتي تعلن عنها الحكومة الاسرائيلية، أو تلك التي تكشف عنها وسائل الاعلام العبرية، وكذلك المنظمات غير الحكومية مثل بتسيلم و"السلام الآن"!
· تشجيع ابناء الوطن على مقاطعة المنتجات الاسرائيلية وخاصة منتجات المستوطنات الاسرائيلية، وشراء البديل عنها والمتوفر في الاسواق الفلسطينية من صناعات فلسطينية او عربية او اسلامية. وهذه المقاطعة كان لها فعلها وآثارها الكبيرة على الاقتصاد الاسرائيلي، وخير دليل على ذلك ان اسرائيل قررت منع دخول منتجات الضفة الغربية الى مدينة القدس، وقد اوقفت المحكمة الاسرائيلية هذا القرار الى حين البت في الدعوى القضائية المرفوعة من قبل هذه الشركات والمصانع الفلسطينية ضد هذا القرار التعسفي.
· تشجيع دول العالم على وقف دعم الاستيطان من خلال مقاطعة منتجات المستوطنات. وقد قرر الاتحاد الاوروبي ذلك من خلال وضع ملصقات على منتجات المستوطنات، وترك الامر للمستهلك على الساحة الاوروبية في شراء أو عدمه لهذه المنتجات. وقد اقامت اسرائيل ضجة كبيرة ضد هذا القرار، الذي هو رمزي صرف، ولكنه يؤثر معنويا على السياسة الاسرائيلية. ولم يتخذ أي اجراء آخر فعلي ضد منتجات هذه المستوطنات.
ثانيا: المقاطعة الاكاديمية للجامعات الاسرائيلية واساتذتها اليمينيين المؤيدين للاحتلال. وقد اصدرت جامعات عديدة في بريطانيا واميركا، وفي العديد من الدول في العالم قرارات مقاطعة بهذا الخصوص. وهذه القرارات شملت منع المحاضرين الاسرائيليين سواء اكانوا سياسيين أم اكاديميين، من القاء محاضرات او المشاركة في مؤتمرات وندوات وورشات عمل. وهذه المقاطعة هي مدعومة من مجالس الطلبة ايضا، والتي لها تأثير كبير على الطلبة والاساتذة الجامعيين.
اسرائيل تحاول الرد على هذه المقاطعة الاكاديمية، وتعارض الحملة المعروفة باسم "BDS"، وتعتبرها نشاطات لا سامية، وقد رصدت اموالا طائلة لمحاربة ظاهرة المقاطعة التي تتسع دائرتها يوميا. وقد شكلت لجنة وزارية للعناية ومتابعة هذا الموضوع. وما يعكس تأثير هذه المقاطعة على اسرائيل ان هناك نية تتجه لسن قانون في الكنيست (البرلمان) الاسرائيلي يقدم من يدعو الى المقاطعة للمحاكمة، او منعه من دخول اسرائيل اذا كان اجنبيا.
ثالثاً: المقاومة الشعبيية اليومية واستقطاب العديد من القوى الاجنبية للمشاركة فيها سواء ضد الجدار أو ضد مصادرة اراض. وهناك متضامنون اجانب يصلون الى البلاد، لدعم هذه المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي. وكثير منهم يتم اعادتهم الى بلادهم حال وصولهم الى مطار بن غوريون في اللد، أو يتم ترحيلهم الى بلادهم اذا تم اعتقالهم اثناء النشاط السلمي ضد الاحتلال واجراءاته القمعية. وموضوع بناء الجدار حصل على تعاطف شعبي كبير في العالم، ولكن ذلك لم يؤثر على السياسة الاسرائيلية، وقرارات الحكومة متواصلة في اعمال بناء الجدار وتمتينه!
رابعاً: الانضمام الى الهيئات والمنظمات الدولية. استطاعت فلسطين الحصول على مكانة عضو مراقب في الامم المتحدة، وهذا بالطبع اتاح لها الفرصة للانضمام الى العديد من المنظمات الدولية وخاصة مجلس حقوق الانسان، ومنظمة اليونسكو، ومحكمة الجنايات الدولية وغيرها من هذه المنظمات.
واستطاعت فلسطين انتزاع أو الحصول على قرار من اليونسكو في شهر آذار المنصرم يعتبر فيها الحرم القدسي الشريف تراثاً ومكاناً دينياً مقدسا للمسلمين، بما فيه حائط البراق (المبكى)، وقد صوت الى جانب القرار بعض الدول.
واستطاعت اسرائيل من خلال تحركاتها السياسية ان تؤثر على فرنسا اذ اعتذر رئيس وزرائها بسبب التصويت لصالح القرار، كما ان حكومة البرازيل الجديدة، ممثلة بوزير خارجيتها، اعتذر عن التصويت لصالح القرار، وستعمل قدر المستطاع على الغاء هذا القرار في اجتماع قادم لمنظمة "اليونسكو".
خامساً: تشجيع المبادرات السلمية: تقوم السلطة الوطنية بتشجيع بعض الدول على تبني مبادرات سياسية، وكانت اهمها المبادرة الفرنسية التي كانت اولى خطواتها اجتماع موسع لوزراء خارجية حوالي 30 دولة في باريس يوم 3 حزيران 2016 لدراسة كيفية دعم المسيرة السلمية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. وقد اصدر الوزراء بيانا دعوا فيه الى ثلاثة بنود اساسية وهي:
1. التمسك بخيار حل الدولتين.
2. ضرورة العودة الى طاولة المفاوضات.
3. عقد مؤتمر دولي موسع في الخريف القادم بمشاركة الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
تعمل اسرائيل منذ لحظة اعلان وجود مبادرة سلمية على افشالها، لانها لا تريد بتاتا تدويل الصراع مع فلسطين. ويقوم رئيس وزراء اسرائيل بتحرك سياسي ضد هذه المبادرة من خلال الاتصال مع الدول الصديقة لاسرائيل، وهي كثيرة. ولهذا فان كثيرين لا يتوقعون نجاحا لهذا المؤتمر لان اسرائيل لن تنفذ قراراته كما هو الحال مع قرارات الشرعية الدولية.
المعركة السياسية متواصلة
المعركة السياسية بين اسرائيل وفلسطين متواصلة، وهي، ان اردنا القول بكل صراحة، تجنح لصالح اسرائيل لعدة اسباب ومن اهمها:-
· حليفة اسرائيل هي الولايات المتحدة التي تؤيد اسرائيل في كل خطواتها، وبالتالي فان للضغوط الاميركية على دول العالم افعال قوية ومؤثرة.
· اسرائيل تعتمد على اصدقاء لها غير الولايات المتحدة نظراً للوبيات صهيونية منتشرة في العالم اجمع.
· لا تستطيع الامم المتحدة او أي دولة اتخاذ أي اجراءات ضد اسرائيل لعدم تطبيقها قرارات الشرعية الدولية.
· العالم العربي الذي يدعم القضية الفلسطينية ضعيف ومنقسم على نفسه، وفقد نفوذه وتأثيره على الساحة الدولية، لان الانظمة القائمة في الوطن العربي تهتم بأمورها، والقضية الفلسطينية ليست جوهرية سوى لبعض الدول الداعمة للمقاومة.
· هناك تغيرات على الساحة الدولية والعربية، وهي مُستغلة من قبل اسرائيل.
الارادة ستبقى قوية
الارادة الفلسطينية لانهاء الاحتلال ستبقى قوية، والتحرك السياسي سيبقى وسيلة من الوسائل المهمة مهما كانت نتائج المعارك في هذا المضمار.
قد يحتاج الشعب الفلسطيني الى زمن طويل كي يحصل على ما يريده، وهذا لا يعني الاستسلام او اليأس، فهناك شعوب ناضلت لعشرات السنوات، وفي النهاية حصلت على ما تريد، ولذلك فان التحرك الدبلوماسي لا بدّ منه، لانه سيحقق ما يصبو اليه هذا الشعب من حرية واستقلال وطمأنينة وسلام.