* العمليات الإرهابية تحتاج إلى معالجة فكرية إلى جانب قوة الردع الأمنية
* موقع سوريا كإحدى دول الطوق فرض على جميع الأقطاب التدخل في شؤونها
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
خمس سنوات مرت على ثورات ما سُمي بالربيع العربي في العديد من الدول العربية، حال بعضها لا يُسر، والبعض الآخر مزقته الحروب والمعارك التي مولتها الولايات المتحدة والدول الغربية، وسهلت دخول التنظيمات الإرهابية دول أخرى عبر أراضيها.. مئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين الذين فروا من بلادهم جراء الدمار وويلات الحروب والمعارك الضارية.. تنظيمات وجماعات إرهابية أنتجتها هذه الثورات زادت من معاناة الشعوب المغلوب على أمرها من خلال ما ارتكبته من جرائم بحق الأبرياء تحت مسميات مختلفة.. امتدت عمليات هذه التنظيمات إلى أمريكا وفرنسا ودولاً أخرى.. الواقع يسير من سيء إلى أسوأ، وكل ذلك ألقى بظلاله السلبية على القضية الفلسطينية.. "البيادر السياسي" استضافت الباحث المختص في شؤون الثورات العربية محمود حسنين، وأجرت معه الحوار التالي حول آخر المستجدات على هذا الصعيد.
تحول ديمقراطي
* خمس سنوات على ثورات ما يسمى بالربيع العربي.. خراب ودمار وتشتيت وتقسيم دول إلى دويلات، هذا هو المشهد .. من واقع كونكم باحثاً متخصصاً في شؤون الثورات العربية، ما هو تقييمكم لما آلت إليه الأوضاع العربية، وإلى أين تسير الأمور؟
- في حقيقة الأمر أن بعض هذه الثورات تحقق أهدافها، وبعضها يفشل، وأخرى يتم حرفها عن مسارها، إلا أنه يجب النظر إليها على أنها تشكل حجر الأساس لبداية حقيقية نحو التحول الديمقراطي في حياة الشعوب العربية بعد استقلالها من الاحتلال الأجنبي، وخصوصاً أن المواطن العربي في العقدين الماضيين تشكل لديه وعي مشترك يرفض الفساد والتزاوج بين المال والسلطة، والديكتاتورية وغياب الديمقراطية .
وهذا ما وحد الحالة العربية الرافضة لهذه النظم، فكانت هذه الثورات شبابية، سلمية وشعبية بلا قيادة موحدة تسعى للوصول للسلطة، ولهذا أطلق عليها البعض ( ثورة الشباب ) .
ولذا من الظلم الكبير أن يحكم على هذه التحركات الجماهيرية الحاشدة احتجاجاً على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السيئة ضد أنظمة اتسمت بالدكتاتورية والاستبدادية لا تؤمن بالديمقراطية، أغلقت فضاء المشاركة السياسية على شعوبها وشخصنت السلطة واحتكرتها لفرد أو أقلية، أنها السبب في هذا المشهد من الدمار والخراب .
لذا فإنه ليس من الضروري أن يؤدي توفر مناخ الثورات وتزامنها وتشابه شعاراتها إلى نقل النظام السياسي من وضعية الاستبداد إلى الديمقراطية، وإنما المسار الواقعي لعملية التحول الديمقراطي هو الذي يحكم على الثورة بالنجاح أو الفشل في هذه البلدان، لذا فإن الأمور تسير باتجاه النجاح للثورة في تحقيق أهدافها في كل من مصر وتونس في استقرار النظام السياسي، وتطبيق متطلبات التحول الديمقراطي من حيث البناء الدستوري والمؤسسي .
وتسير باتجاه الفشل في كل من ليبيا واليمن، حيث تباين العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومسار الحياة النيابية والبناء المؤسسي والنظام القبلي مختلف تماماً عن التجربتين السابقتين، لذا فإنه بعد انتهاء الصراع في ليبيا والحرب في اليمن، قد تكون الحالة أشبه في المخاض الذي ينتج عنه تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم، إقليم فزان، و إقليم برقة، وإقليم طرابلس .
واليمن إلى ست أقاليم بحسب نتائج الحوار اليمني ما قبل الحرب الحالية، أربعة أقاليم في الشمال وإقليمين في الجنوب، الإقليم الأول حضرموت، والثاني إقليم سبأ، والثالث إقليم عدن، والرابع إقليم الجند، والخامس إقليم آزال، والسادس إقليم تهامة .
وأما في سوريا، فالثورة تم حرف مسارها عن أهدافها بالتدخلات الدولية والإقليمية، القصد منها انهيار الدولة، كونها في تصنيف دول الطوق بالنسبة لإسرائيل .
تنظيمات إرهابية
* لكن الثورات العربية أنجبت تنظيمات إرهابية مولها الغرب والأمريكان.. ما خطورة هذه التنظيمات على الوطن العربي؟
- لا تكمن الخطورة فقط على الدول العربية من هذه التنظيمات، بل ستشمل العالم أجمع، وإن كانت الرغبة لدى الغرب والأمريكان في دعم وتمويل هذه التنظيمات، بطرق سرية أو علنية هو خلق حالة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة العربية، إما لتطبيق الرؤية الفرنسية المسماة بالمشروع المتوسطي للمنطقة العربية، أو لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد برؤيته التي عبر عنها شمعون بيريز، ومن ثم كونداليسا رايس، لتقسيم المنطقة العربية .
وإن كانت الدول العربية أكثر تضرراً من هذه التنظيمات وأفكارها المتشددة، ويكمن هذا الضرر في حالة الاستنزاف والخسائر في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة، وتعطيل عجلة التنمية، وفرض قوانين الطوارئ داخل البلدان العربية لمواجهه هذه التنظيمات.
ولكن يبقى السؤال، هل سلمت تركيا من سهلت دخول المتطرفين للمنطقة العربية من شر هذا التطرف وهذه التنظيمات ؟ هل سلمت أمريكا التي مولت ودعمت هذه التنظيمات ؟ ألم يكن أسباب إطلاق النار في الحادث الأخير في أمريكا هو نشر الفكر المتشدد في المنطقة العربية ؟ هل سلمت فرنسا وألمانيا ومعظم دول أوروبا من هذا الفكر المتشدد لهذه التنظيمات؟.
ظاهرة يومية
* هناك انتشار للإرهاب والعمليات الإرهابية في مختلف الدول، وحادث فرنسا الأخير يندرج في هذا الإطار.. هل تتوقع أن تتطور هذه الأحداث بحيث تصبح ظاهرة يومية؟
- هي في حقيقة الأمر ظاهرة يومية أو شبه يومية في أغلب البلدان العربية عديمة الاستقرار ، وأصبحت هذه الظاهرة مستعصية الحلول، بطرق المواجهة التقليدية، وتحتاج إلى تكاثف وتوحد عربي لمواجهتها، فقد أختلط مفهوم الإرهاب في العالم ليشمل حركات التحرر، والتنظيمات ذات المطالب الشرعية، فهذه الظاهرة تحتاج إلى معالجة فكرية، بالتوازي مع قوة الردع الأمنية للأفكار والمعتقدات المتشددة التي تؤدي إلى تبني الطرق الإرهابية في معالجة الفجوة بين الأنظمة العربية والتيارات الإسلامية، التي يتسرب منها المتشددون، لذا يتطلب للأزهر الشريف، والمملكة العربية السعودية، القيام بدورهما في تعزيز الأفكار والمعتقدات الدينية، الوسطية، التي قد تحد من هذه الظاهرة .
وأما إذا ما قصدت أمريكا والغرب، لتصبح بها هذه الظاهرة يومية، فأنا أعتقد بالقياس لطرق المعالجة لهذه الظاهرة، عند الغرب عن الوطن العربي فهذا صعب، هم لم يسلموا من هذه الظاهرة، ولكن لديهم طرق معالجة تحد من انتشارها حسب خصوصية كل دولة، بالإضافة إلى أن القدرات والإمكانيات الإستخباراتية مفتوحة ومتاحة بين جميع هذه البلدان، لتبقى هذه الظاهرة محدودة، ولكن غير منتهية تماماً، فهي بالأساس متعلقة بالتغذية الفكرية المتطرفة داخل بلدان الغرب أكثر من أنها تنظيمية، وهذا ما دلت عليه عمليات إطلاق النار في أمريكا وحادثة الشاحنة الأخيرة في فرنسا .
مستقبل سوريا
* سوريا إحدى الدول التي لا تزال تتعرض إلى هجمة شرسة، ما هي قراءتكم لمستقبل سوريا؟
-. ذكرت سابقاً أن الثورة في سوريا تم حرفها عن مسارها، فبداية الأحداث لم تختلف كثيراً دوافع الثورة فيها عن باقي البلدان العربية، ولكن المختلف في هذا المقام أن موقعها كدولة من دول الطوق لإسرائيل، فرضت على جميع الأقطاب والمحاور الدولية والإقليمية التدخل في شأنها الداخلي، وأصبحت مسرح الأحداث في صراع هؤلاء الأطراف جميعاً.. فالقوى الدولية العظمى (روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية ) اتخذت من القضية السورية ذريعة لبسط النفوذ والسيطرة في المنطقة العربية، وكذلك القوى الإقليمية، إيران بنفوذها الشيعي، والسعودية بنفوذها السني وتركيا بسيطرتها على لواء الإسكندرون، وحدودها المشتركة مع سوريا وتحكمها بموارد المياه السورية، كل هذه الأطراف استغلت القضية السورية من أجل صراع القوة والنفوذ في المنطقة بشكل عام، ولكن أعتقد أن حادث إسقاط الطائرة الروسية على يد الجيش التركي، كان بمثابة استشعار الخطر عند جميع أطراف النزاع، وأصبح التفكير العقلاني يحكم تصرفات جميع الأطراف، خشية من حرب عالمية، الخاسر فيها جميع الأطراف، لذا أعتقد أن مستقبل سوريا مرهون بطبيعة وكيفية الخروج من الأزمة التي يتفق عليها كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكذالك أعتقد أن تفكير الإدارة الأمريكية في هذه الفترة، أقرب إلى قبول أي حلول تجنب المنطقة المواجهة الشاملة.
مصر في مواجهة الإرهاب
* لا تزال الأحداث والعمليات في سيناء مستمرة، ما مدى قدرة الجيش المصري على الصمود في وجه هذه العمليات التي تستهدف أبناءه؟
- اسمح لي بأن أسميه مؤسسة الجيش المصري.. الجيش المصري مؤسسة متكاملة الأركان، حمت الدولة المصرية في كل مراحل النهضة والتنمية التي عاشتها مصر الحديثة منذ عهد محمد علي، لذا الأصل أن يكون السؤال ما مدى قدرة العناصر الإرهابية على الصمود في مواجهه الجيش المصري ؟.. وهنا يجب التركيز على الصعوبة التي يواجهها الجيش النظامي في مواجهه عصابات وخلايا مسلحة تجذرت خلال الأعوام السابقة في أرض سيناء ، وإدراك كبر حجم المساحة التي تتحرك بها هذه العناصر الإرهابية وتخفيها ما بين المدنيين من سكان سيناء، فهذه المواجهة ليست بالأمر الهين ، تحتاج إلى وقت من أجل حسم هذه المعركة، ولكن أعتقد أن الخطة التي تسير بها الدولة المصرية الحديثة لتنمية سيناء، بالتوازي مع العمليات العسكرية، قد تأتي بنتائج إيجابية خلال الفترة القادمة، بما يسمح باستقرار مصر داخلياً، والبدء في مشاريع التنمية من أجل نهضة مصر واستقرارها وعودة دورها الريادي في المنظومة العربية.
تراجع القضية الفلسطينية
* ما هي انعكاسات هذه الأحداث على القضية الفلسطينية ؟
- بالتأكيد أن كل هذه الأحداث الدائرة في المنطقة العربية انعكست سلباً على القضية الفلسطينية، فعلى المستوى الدولي والعربي، أصبحت القضية الفلسطينية ليست هي أولى الاهتمامات الدولية والعربية، كما كانت قبل الربيع العربي، فدولياً أصبحت قضية اللاجئين السوريين أكثر أهمية من القضية الفلسطينية، وعربياً، انشغل العرب في قضاياهم الداخلية لكل دولة على حدا، إما في عدم استقرار بعض الدول داخلياً ، أو خشية واتخاذ تدابير عند دول أخرى من ثورات وأحداث داخلية.
وإن كان لكل هذه الأحداث الخارجية، هذا الأثر السلبي على القضية الفلسطينية، ولكن الأثر السلبي الأكبر على القضية الفلسطينية هو سوء الأوضاع الداخلية من خلال الفشل في النظام السياسي الفلسطيني وما نتج عنه من خلق كيان سياسي منفصل في الضفة الغربية، وكيان سياسي منفصل في قطاع غزة.
الانقسام الفلسطيني وتعطيل المصالحة الفلسطينية وما أثرت سلباً على المواطن والقضية الفلسطينية.
تعطيل العملية الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة، وما أثر سلباً على حقوق الأجيال والصراع على الشرعيات برغم فقدان كل الأطراف لها.