ضعف "القادة"، وغياب الانتماء العربي الاصيل
والانهماك في مشاكل داخلية مفتعلة
عوامل ساهمت في انهيار هذه المنظمة الاقليمية
بعد مرور 72 عاماً على انشائها، فان الجامعة العربية يضعف دورها من خلال تغيير او التلاعب بالمبادىء العامة التي انشئت واقيمت على اساسها. لقد كان دورها قوي، ولو كان من ناحية معنوية وليست من ناحية عملانية او فعلية، وكانت لها كلمة قوية على الساحة الدولية، وكان لها الاعتبار الكبير، وكان العالم العربي يحتفل بيوم تأسيسها، يوم 22 آذار 1945، وكان هذا اليوم هو عيد وطني في مختلف اقطار الوطن العربي. اما اليوم، فان الدول العربية تناست هذا اليوم لان الجامعة اصبحت منظمة ضعيفة هزيلة جدا. ولا بدّ من الاشارة الى ان سبع دول شاركت في انشاء الجامعة العربية ومن اهمها مصر وسورية ولبنان والعراق، اما عدد اعضائها الآن فيزيد عن 20 دولة.. وكان نظامها الاساسي يعتمد على اتخاذ القرارات المصيرية بالاجماع، وليس بنظام الاغلبية!
ما هي الظروف التي ادت الى ضعف الجامعة العربية، وتلاشي نفوذها حتى على الساحة العربية ذاتها؟ والسؤال اين كانت، واين اصبحت؟ سؤال يطرحه ابناء الامة العربية وهم ينظرون بألم ومرارة الى الحال الذي وصلت اليه الجامعة العربية، اذ كانت تهز في العالم، وكانت كلمتها مسموعة، وكانت مؤسسة عربية تدافع عن العرب وقضاياهم، وفي مقدمة هذه القضايا القضية الفلسطينية التي كانت قضية العرب الاولى، واليوم أصبحت قضية عادية وليست رئيسية!
قرارات واتفاقات جيدة
ولكن لم تطبق وتنفذ
من الاتفاقات التي حققتها الجامعة العربية في بدايات وبعد تأسيسها وخلال سنوات الستينات.
1. تشكيل سوق عربية مشتركة، ولكن هذا السوق لم يظهر الى النور لخلافات مفتعلة، أو لتدخلات خارجية. وكانت الجامعة السباقة دوليا في انشاء سوق مشترك وقبل ان تفكر اوروبا فيه.. فاوروبا حققت حلمها بانشاء السوق الاوروبي الذي تحول الى فيما بعد الى اتحاد قوي له تأثيره على الساحة الدولية.
2. اتفاق الدفاع العربي المشترك: هذه الاتفاقية لم تر النور فعليا، ولم تشكل جيوش أو قيادة للجيوش الموحدة، بل اقتصر على الدفاع الكلامي عن بعض الدول.. وكذلك فان الجامعة بدلا من الدفاع عن العرب اخذت تدافع عن اجندات عدائية للعرب، واصبحت اداة لتنفيذ هذه الاجندات.
3. الحفاظ على أمن وسيادة كل دولة عضو في هذه الجامعة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لاي بلد عربي من قبل أية دولة أخرى عضو في هذه الجامعة.
بالطبع هناك قرارات واتفاقات اخرى، ولكن هذه التي ذكرت تعتبر أساسية، وهي التي تحولت الى مجرد حبر على ورق، ولربما هذه الاوراق وضعت في صناديق الارشيف محكمة الاغلاق حتى لا يتذكرها احد!
أسباب انهيار الجامعة
طبعا هناك عدة عوامل ساهمت في ضعف الجامعة ومن أهمها:-
· ارتفع عدد اعضاء الجامعة ليصل الى 23 دولة، ومنها دول صغيرة، ولها حق التصويت مثل أي دولة اخرى كبيرة مما اثر ذلك على صدور القرارات المطلوبة، وان تم التصويت عليها خجلا، فليس هناك التزام بتنفيذ وتطبيق هذه القرارات.
· ضعف القادة العرب انفسهم نتيجة ارتباطاتهم بالغرب، وخاصة اميركا، ومن الامثلة على هذا الضعف ان القمة العربية في تونس تم تأجيلها قبل يومين من عقدها بناء على اتصال هاتفي من الرئيس الاميركي حينها جورج بوش (الابن) بالرئيس التونسي (المعزول حاليا) زين العابدين بن علي!
· تحول العالم الى نظام القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان ينافس اميركا، وكان العالم يدار من قبل قطبين قويين، وكان هناك توازن في القوى، وفي احترام القانون الدولي. وكان الاتحاد السوفياتي داعما للعرب، وغيابه ادى الى ضعف العرب انفسهم.. وخير مثال على ذلك ان الجامعة لم تستطع حل النزاع الكويتي العراقي حول حقول "ارميلة"، وادى ذلك الى اجتياح عراقي للكويت، هذا الاجتياح الذي لم يحل عربيا، بل ان الدول العربية ايدت تشكيل تحالف دولي ضد العراق. وشنت حرباً على العراق عام 1991، وفميا بعد لم تمنع الجامعة العربية احتلال العراق عام 2003، بل ان هناك دولا عربية ساهمت في ذلك. وكذلك لعبت الجامعة العربية دورا سلبيا جدا في ما يسمى "بالربيع العربي" اذ سمحت بضرب ليبيا والقضاء على الرئيس القذافي، وجمدت عضوية سورية تحت اعذار عديدة مرفوضة تلبية لرغبات واجندات عدائية!
· عدم احترام ميثاق الجامعة الاساسي اذ ان العديد من الدول اخذت تتدخل في شؤون دول اخرى. تصوروا ان دول الخليج تطالب بممارسة الديمقراطية في دول عربية اخرى، وهي ذاتها تمنع تواجد هذه الديمقراطية او الحرية في بلدانها، حتى ان المرأة غير مسموح لها بقيادة السيارة.. كما ان هناك ظلما ممارسا ضد الشعوب في الخليج العربي.. وهذه الدول تصرف الاموال الباهظة جدا، لفرض املاءاتها واجندات اميركا على العديد من الدول. وهذه الدول مسؤولة عن الدمار الجاري في العديد من الدول العربية: العراق، سورية، ليبيا، اليمن.
· ضعف القادة العرب وتخليهم عن العروبة والوعي القومي. ومن هو ضد هذا الضعف فهو خارج فرقة الجامعة العربية التي تغني على النوطة الاميركية. ونسيت دورها وعروبتها، وبدلا من ان يرفع القادة العرب من المعنويات، فانهم يساهمون في ضربها وتدميرها حين يقول وزير خارجية سابق اننا "نعاج" لا نستطيع عمل أي شيء لمواجهة اسرائيل أو اميركا.
· ممارسة القمع ضد الشعوب العربية ومنعها من التعبير عن مواقفها وما يجيش في صدورها من انتماء عربي، ودفاع عن قضايا الامة. وهذا شهدناه خلال أكثر من عدوان لاسرائيل على لبنان وعلى قطاع غزة اذ منعت هذه الشعوب من التظاهر بطرق هادئة من خلال استدعاءات أمنية لأي من النشطاء الذين يقومون أو ينظمون مثل هذه الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني أو اللبناني ضد الاحتلال الاسرائيلي!
· غياب الدور الفعال للقوى اليسارية والقومية على الساحة العربية لان هذه القوى ضعفت، واصبحت قوى اسمية لان قراراتها لا تنفذ، ولان بعض قادة هذه القوى والاحزاب جنحت الى الحفاظ على مصالحها الشخصية اولا واخيرا، ولم تهتم بالمصالح العامة. وحتى ان التفاعل مع عقد أي مؤتمر قومي اصبح صفرا، وبعد ما يسمى "بالربيع العربي الاميركي"، وبعد ما تعانيه سورية من مؤامرة، فان هذه القوى لا تفعل شيئاً سوى اصدار بيانات، حتى ان لقاءاتها انخفضت لان الحاضنة لها سورية مشغولة في مواجهة الارهاب.
· غياب دور النخبة من الاكاديميين والمفكرين والمثقفين اذ ان هذه النخبة التي كانت تقول كلمتها، وتؤثر على الشعوب، اصبحت تهتم بحالها واموالها، واصبحت "عبدة" للراتب والوضع المالي. واصبحت هذه النخبة، وللاسف، تدافع عن السلطان وقمعه وسياسته المدمرة. واصبحت اقلام هذه النخبة في خدمة المؤامرات التي تشن على عالمنا العربي، وتدعم هذه النخبة تقسيم وتجزئة وتفتيت العالم العربي، أي ان هذه النخبة باعت شهاداتها، وافكارها، وانسانيتها مقابل حفنة من الدولارات، واصبحت مجرد فرقة تطبل وتزمر لمن هم اعداء الامة العربية.
· التطور الاعلامي وتواجد مئات القنوات الفضائية، هذا العامل ساهم الى حد كبير في ترويج التضليل الاعلامي، وقلب الحقائق. وهذه القنوات تملكها الدول الصغيرة التي بحوزتها اموال كبيرة. وهذه القنوات ساهمت في دعم الارهاب في سورية، وفي العديد من الدول العربية، ونقلت الاخبار السيئة التي تشوه صورة العربي في العالم.
قبل سنوات عقد مؤتمر عربي شامل حول طريقة فرض رقابة على البث الفضائي. وسن قانون في سبيل ذلك، لكن هذا القانون لم يطبق ولم ينفذ، ولم يحترمه أصحاب هذه القنوات التي تصدر "فتاوى" عجيبة غريبة ليس لها علاقة بالدين الاسلامي. والمشكلة الكبيرة في ان لهذه القنوات مشاهدين وللاسف يصدقون الاكاذيب، ولا يصدقون الحقائق، وهذا الاعلام لم تَنجُ الجامعة العربية من أخطاره وضرباته، فاذا مدح الجامعة، أو انتقدها فهناك من يغني عكس ما يطرح.. وليست هناك قناة واحدة تابعة لهذه الجامعة تدافع عن دورها والامة العربية، وتكشف للعالم ماذا تقدمه للعالم العربي!
· ضعف الامانة العامة للجامعة: نظراً لما تعانيه الجامعة العربية من عجز مالي، ولان الدول العربية الخليجية غنية، فانها بالتالي تتحكم بالجامعة العربية وأمانتها، وخير دليل قاطع على ذلك، فان الامين العام السابق د.نبيل العربي حولته الاموال الخليجية، وخاصة أموال قطر، الى هبيل غربي ينصاع لاوامر قطر، وينفذ مهامها وطلباتها واملاءاتها، وهي بالتعاون مع السعودية وفي العام 2012 أصدرت أمراً بتجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، أي ان الامانة العامة تحت امرة الاغنياء الضعفاء، وليست تحت امرة الاقوياء، في الانتماء للعروبة.
وهناك سبب آخر الا وهو اختيار دبلوماسي متقاعد ليكون أميناً عاماً للجامعة، يكون كبير السن، ويكون قد ضعف في العطاء، لان السن يلعب دورا كبيرا.. ولذلك فان الامناء العامين الذين ينتخبون "يتسلون" بهذا المنصب، مع ان الذي يشغره يجب ان يكون قويا وفي عز العطاء، وله شخصية قوية يتصرف كأمين عام للجامعة، وليس تابعا لأي دولة من الدول الأعضاء في الجامعة!
· ضعف النظام العام للجامعة اذ يجب وضع نظام جديد، لا يعطي دولة صغيرة حق السيطرة على الجامعة، وكذلك يكون عادلا، وتكون هناك هيئة قانونية عليا تراجع أي قرار لهذه الجامعة، وتلغيه اذا كان مخالفاً للميثاق الأساسي.
· ملل الشعوب العربية من الجامعة، وعدم ثقتها فيها بعد سلسلة من حالات وقرارات التخاذل التي شهدها العالم العربي في السنوات الـ 25 الماضية.
ما المطلوب؟
المطلوب ان تحل هذه الجامعة التي لا تقدم شيئا للعالم العربي، وتشكيل مجلس او جسم جديد يضم من هم اقوياء فيه، ويكون لهذا الجسم نظام واضح وشفاف. ويكون الهدف من هذا الجسم العربي هو التصدي لكل من يعتدي على أي ارض عربية، ويعمل على توحيد الجهود، ويرفض مناقشة قضايا تعزيز الانقسام او الضعف العربي.
المطلوب تغيير كبير في الجامعة او تشكيل بديل عنها. لان هذه الجامعة التي تعمل على تنفيذ مؤامرات خارجية لا يحق لها ان تبقى، بل يجب ان ترحل، كذلك يجب ان تكون هناك اجراءات صارمة بحق أي دولة تتآمر على الدول الأعضاء في المجلس الجديد.
لقد فقدنا الامل في هذه الجامعة؟ فهل تكون هناك يقظة عربية فيشكل جسم جديد واضح المعالم والنظام والقوانين؟ من الصعب الاجابة لان المعطيات العربية مأساوية، وبالتالي يكون الامل في تحقيق ذلك ضعيفا جدا.