ما هي المطالب الروسية والتركية التي طرحت في اللقاء
هل اقترب الحل السياسي في سورية
توجه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى مدينة بطرسبرغ يوم الخميس 11 آب الجاري، والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر قسطنطين. وهذا هو اللقاء الاول بين الرئيسين بعد محاولة "الانقلاب" الفاشلة التي وقعت ليلة 15/7/2016. وهي الرحلة الاولى لاردوغان خارج تركيا بعد الانقلاب.
اللقاء من وجهة نظر كثيرين كان تاريخياً اذ جاء بعد توتر في العلاقة بسبب اسقاط تركيا لطائرة سوخوي الروسية في سماء سورية في تشرين الثاني الماضي، اذ قام اردوغان بتقديم رسالة شبه اعتذار باللغة الروسية عن اسقاط الطائرة، وكان الرئيس بوتين السباق في الاتصال باردوغان وتهنئته بافشال الانقلاب. وجاء اردوغان الى روسيا لتقديم الشكر المغلف بالاعتذار عن الفترة الماضية، والتطلع نحو علاقات اقتصادية وسياسية أقوى في المستقبل. وهذا ما تريده روسيا اذ ان حجم التبادل التجاري يصل الى 40 مليار دولار سنويا، وخلال السنوات القليلة القادمة سيصل الى مائة مليار دولار في العام الواحد.
ويقال ان اردوغان قام بتحقيق المصالحة مع اسرائيل قبل فترة قصيرة. واتفاق المصالحة وزيارة روسيا تعني ان تركيا غير راضية عن السياسة الاميركية في المنطقة.
المطالب التركية والروسية
خلال الزيارة قدم اردوغان عدة مطالب للرئيس الروسي واهمها:-
· عدم قيام أية دولة كردية مستقلة في شمال سورية.
· تعزيز العلاقات الثنائية وخاصة الاقتصادية.
· التعاون المشترك أمنياً وسياسياً للتصدي للارهاب وخاصة تنظيم داعش.
أما مطالب بوتين فقد كانت واضحة المعالم واهمها:-
· التعاون لضرب قوى الارهاب جميعا.
· اغلاق الحدود امام الارهابيين، ومنعهم من التسلل عبر الاراضي التركية الى داخل سورية.
· روسيا ضد أي انقلاب اذ انها تدعم النهج الديمقراطي ليس فقط في تركيا بل في سورية، اذ ان الشعب السوري هو وحده الذي يقرر من ينتخب قيادة له.
· الحفاظ على وحدة الاراضي السورية، وروسيا ضد التقسيم أو التجزئة سواء في سورية او في أي منطقة في الشرق الاوسط.
· التعاون التركي الروسي الامني لمنع الارهابيين من العودة الى تركيا او الى روسيا، أي القضاء عليهم! وقد طلب الرئيس الروسي تزويد روسيا بأسماء الارهابيين الذين دخلوا سورية عبر تركيا من اجل تطابقها مع القوائم المتوفرة لدى المخابرات والاستخبارات الروسية.
الاتفاق حول عدة قضايا
تم الاتفاق مبدئياً على عدة قضايا وأهمها:-
· تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين وبصورة تدريجية، لان بوتين يريد أن يرى الالتزام التركي بالقضايا الاخرى جديا، وليس مجرد مناورة للحصول على مكاسب من الغرب. ولا يريد بوتين ان يُطعن مرة اخرى من قبل تركيا.
· الحفاظ على وحدة سورية، ودعم الحل السياسي.
· العمل المشترك لاغلاق الحدود التركية أمام الارهابيين، ووقف تزويدهم بالسلاح والمال والعتاد المتنوع.
· العمل المشترك لضرب تنظيم داعش، وروسيا تطالب بضرب أيضاً جبهة النصرة واخواتها من المجموعات الارهابية الاخرى. مع ان تركيا لم تقرر ذلك بعد لان جبهة النصرة موالية لها.
· تشكيل لجنة أمنية وسياسية مشتركة من الجانبين لبحث العديد من الامور حول الوضع في سورية.
· استمرار الاتصالات بين الرئيسين التركي والروسي لازالة بعض نقاط الخلاف حول قضايا عديدة.
تراجع تركي مؤقت أم دائم
هناك تراجع في الموقف التركي تجاه سورية اذ اعلن رئيس وزراء تركيا علي بن يلدريم على خارطة الطريق للحل في سورية تعتمد على ثلاث نقاط رئيسية:-
1. حماية الحدود التركية السورية.
2. منع اقامة كيان كردي مستقل في شمال سورية، على الحدود التركية السورية!
3. عودة اللاجئين السوريين الى وطنهم الام سورية.
هذه النقاط لم تفّصل اذ ان حماية الحدود لها معان وتفسيرات كثيرة، هل اغلاقها أمام الارهابيين، ومنعهم من التوجه الى سورية أو منعهم فقط من العودة الى تركيا بعد السماح لهم بدخول سورية.
اما فيما يتعلق بعودة اللاجئين السوريين، فان ذلك يتطلب حلاً سياسياً واضحاً وجدياً، ولم يبين يلدريم ما هو الحل الذي تسعى اليه تركيا؟
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف طالب تركيا بمنع المسلحين الارهابيين من استخدام الممرات "الانسانية" على الحدود التركية لنقل تعزيزات عسكرية في شاحنات مفروض ان تكون معبأة ومحملة بمساعدات غذائية ودوائية واضحة.
أما بخصوص الحل السياسي في سورية، فان هناك تناقضات في الموقف التركي اذ ان وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو كرر الموقف التركي المعادي للرئيس الدكتور بشار الاسد، حيث اصر على ضرورة رحيل الرئيس الاسد، في حين ان مسؤولين اتراك قالوا انهم يقبلون بأن يبقى الرئيس الاسد في المرحلة الانتقالية، ولكن بعد انتهائها لا بدّ من رحيله.. أي ان تركيا ترضى ببقاء النظام الحالي والتعامل معه، ولكن اعتراضها هو على شخص الرئيس الاسد، وهذا الموقف يعتبر تدخلا سافرا في حق الشعب السوري في اختيار قيادته من دون تدخل خارجي!
مناورة سياسية ام استدارة جادة
مراقبون يقولون ان تحرك اردوغان نحو الشرق، أي نحو روسيا وايران هو مناورة سياسية نكاية بالرئيس الاميركي باراك اوباما الذي لم يلبّ مطالب تركيا في اقامة منطقة آمنة على الحدود التركية مع سورية، وكذلك عدم تسليم الداعية فتح الله غولن الى تركيا لاتهامه بانه ضالع في الانقلاب الفاشل الاخير.
ولماذا تعتبر مثل هذه التحركات مناورة. هناك عدة عوامل ومن أهمها:-
· لا يستطيع اردوغان الخروج او الانعتاق عن حلف الناتو اذ ان تركيا عضو بارز ومهم جدا فيه.
· لا يستطيع اردوغان التخلص من القاعدة الجوية الاميركية الكبيرة في انجرليك فهو جزء من التحالف الاميركي في العالم.
· لا يستطيع ضرب العلاقات الاقتصادية القوية القائمة مع الاتحاد الاوروبي.
وقال مسؤولون اتراك وبكل وضوح ان تركيا لا تستطيع التخلي عن حلفائها الاساسيين، كما ان العداء الروسي العثماني التاريخي هو منذ عهود القياصرة، وما هذا التقارب سوى مناورة، وليست استدارة كاملة وجادة.
بالمقابل هناك من يقول ان اردوغان لا يستطيع أن "يمزح" مع الرئيس الروسي بوتين، ولا يستطيع ان يخدعه لان هذا الامر ستكون له عواقب وخيمة جدا.. وبالتالي لا يقوم اردوغان باستدارة، بل بتحقيق توازن العلاقة مع كل من الشرق والغرب، لان الغرب بقيادة اميركا يدعم الاكراد، ووفروا لهم المساعدات العسكرية والمالية تحت شعار محاربة "داعش"، واستطاعوا تحقيق انجازات. وبعد تحرير مدينة منبج، هناك من يدعو الى اقامة كيان مستقل للاتراك في شمال سورية. وروسيا ايضا على علاقة قوية مع الاكراد، ولكن هذه العلاقة قد لا تؤدي الى طعن سورية بالسماح للاكراد باقامة دولة مستقلة في شمال سورية، أي بداية تقسيم سورية.
يمكن القول ان اردوغان يتبع سياسة وسطية الآن، ولكن التساؤل الكبير هو: هل سيقبل بالرئيس الاسد ام يطالبه بالرحيل مع ان هذه المطالبة ليست منطقية، وكذلك هي مرفوضة روسياً وسورياً.
في الواقع هي ليست استدارة كاملة، وكذلك ليست مناورة سياسية، بل هي تحرك لانهاء وازالة العزلة عن تركيا، وابقاء تركيا قوية لمواجهة الانتقادات اللاذعة الموجهة ضد اردوغان لاجراءاته ضد من تورط أو شك فيه بأنه متورط في الانقلاب!
زج الاخوان في المرحلة الانتقالية
اردوغان لن يفكر يوما في التخلي عن الاخوان المسلمين، ولذلك فهو قد ينزل قليلا عن الشجرة لتحقيق انجاز سياسي ما لصالح الاخوان في سورية، اذ انه مع بداية المؤامرة على سورية طلب من الرئيس الاسد ضم اعضاء في حزب الاخوان المسلمين الى الحكومة، فرفض الرئيس بشار الاسد لان الدستور لا يسمح باقامة احزاب دينية، وتم تشكيل الائتلاف السوري المعارض، وتنقل هذا الائتلاف بين احضان تركيا ثم قطر ومن ثم السعودية مع ان السعودية لا تؤيد "الاخوان"، وتتحفظ عليهم.
والانجاز السياسي المطلوب هو ان يكون معارضون اخوانيون داخل الحكومة الانتقالية، حتى يضعوا موطىء قدم في الدولة السورية القادمة. وبعدها قد يتخلى عن جبهة النصرة او يعمل على حلّها مع ان مثل هذا الحل غير مرغوب فيه من كل الاطراف في سورية، وخاصة من الطرف الاساسي الا وهو الدولة السورية.
اردوغان مستعد لمحاربة داعش، ولكنه غير مستعد لمحاربة جبهة النصرة، وهذه معضلة، ومشكلة كبيرة مع روسيا وكذلك مع سورية، والسؤال هل ينزل عن الشجرة ويقبل بضرب جبهة النصرة مقابل انجاز سياسي محدود: الامر وارد، ولكن لا بدّ من الانتظار لمعرفة قرار اردوغان، ولمعرفة ما يقرره الميدان الذي هو صاحب القول الفصل في موضوع الحل السياسي أيضاً.