مع بداية شهر تشرين الاول الجاري، تكون الهبة (الانتفاضة) الجماهيرية الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي قد دخلت عامها الثاني. والتساؤل الذي يطرح في مثل هذه المناسبات. ما هي أهم انجازات أو منجزات هذه الهبة الجماهيرية؟ وكيف تقارن مع الانتفاضتين الاولى التي انطلقت في 9 كانون الاول عام 1987، والثانية في اواخر ايلول عام 2000؟ والى أين تسير؟
بماذا تختلف
لا بُدّ في البداية مقارنة هذه "الانتفاضة" مع من سبقتها من انتفاضات، ففي الانتفاضة الاولى كان التحرك شعبيا شاملا، واعتمدت على المقاومة السلمية، وكان سلاحها الرئيسي الحجر والقنابل الحارقة، والتظاهر واعلان الاضراب العام الذي شمل كافة انحاء الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967. وحاولت الفصائل، ومن ثم استطاعت منظمة التحرير قيادتها. وجاءت هذه الانتفاضة بعد ان شعرت الجماهير الفلسطينية بأنها لا بدّ من التحرك ضد الاحتلال، وعدم الاعتماد على العرب او اية جهة اخرى. وكان الشعار المرفوع، نحن ضد الاحتلال الاسرائيلي ولسنا ضد الشعب الاسرائيلي.
أما الانتفاضة الثانية فقد انطلقت بعد قيام شارون بزيارة الحرم القدسي الشريف يوم 28 ايلول 2000 ليؤكد ان هذا الحرم هو تحت السيادة او الهيمنة الاسرائيلية. وتصدى له الشباب المرابطون، واندلعت انتفاضة عارمة كان سلاحها البندقية والعمليات الانتحارية الاستشهادية، أي أن هذه الانتفاضة لم تكن مقاومة سلمية، بل مقاومة مسلحة مما اعطى المجال لرئيس وزراء اسرائيل آنذاك آرييل شارون باعادة احتلال الضفة الغربية بعملية عكسرية اسماها "السور الواقي".
في حين أن الهبة الجماهيرية او الانتفاضة "الحالية"، انطلقت بسبب تكرار الاعتداءات على الحرم القدسي الشريف، أي نفس انطلاق الانتفاضة الثانية، ولكنها تختلف عن الانتفاضتين السابقتين بالامور التالية:
· سلاح هذه الهبة هو "السكين"، واستهداف اسرائيليين في القدس وبقية المدن الفلسطينية، ما عدا القطاع لانه تحت السيادة الفلسطينية الحمساوية ومحاصر اسرائيليا.. وفي بعض الاحيان استخدم السلاح البسيط، ولكن غالبية العمليات هي محاولات "طعن"!
· هذه الهبة تعتمد على همة ودوافع فردية، أي أنها ليست منظمة.
· الفصائل الفلسطينية بكامل قواها بعيدة عنها، ولا تتحمل أي مسؤولية عن أية حادثة طعن.
· هي عشوائية، بمعنى أنها ليست شاملة، بل تقع الاحداث المقاومة بين فينة واخرى، وهنا أو هناك.
· الاضراب التجاري العام غير وارد فيها حتى الآن!
· ليست هناك بيانات صادرة عن قيادة موحدة أو حتى عن منظمة التحرير.
· لم تعلن القيادة الفلسطينية عن تبنيها أو دعمها لهذه الهبة.
· أوقعت خلال عام عدد كبير من القتلى في صفوف الجانب الاسرائيلي، وبثت ظاهرة الرعب والخوف حتى بين صفوف اجهزة الامن الاسرائيلي!
من أهم منجزات هذه الهبة
أثارت القضية الفلسطينية مجددا، ووجهت رسالة الى العالم كله بأن الشعب الفلسطيني ما زال تحت الاحتلال، وان المفاوضات لاكثر من 23 عاما لم تؤد الى تحرر هذا الشعب، ولا الى تحقيق اتفاق شامل ودائم، وكانت القضية منسية، ولكن هذه الهبة اعادت الاهتمام بها.
ومن منجزاتها ايضا ان العالم بدأ يفكر في كيفية كسر الجمود السياسي والعودة الى طاولة المفاوضات، وكذلك بدأ هذا المجتمع الدولي بالتحرك ولو ببطء. كما انها وجهت رسائل الى الجانب الاسرائيلي بضرورة الكف عن الاجراءات القمعية والتعسفية بحق المواطنين، والكف عن الاعتداءات اليومية للحرم القدسي الشريف، وبضرورة أن تعمل السلطات الاسرائيلية على لجم المستوطنين ووضع حد لعربداتهم واعتداءاتهم على المواطنين وحقولهم ومنازلهم، أي انها اثارت موضوع الاستيطان وتصرفات وتجاوزات المستوطنين امام الرأي العام العالمي.
ضمان استمرارها
حاولت اسرائيل مواجهة هذه الهبة من اجل وقفها. وقد هدأت في مرحلة ما، لكنها عادت للثوران لاسباب عديدة ومن أهمها:-
· غياب افق حل سياسي للقضية الفلسطينية.
· استمرار سياسة القمع والتعسف ضد أبناء شعبنا من خلال الاقتحامات والاعتقالات التي تشهدها مدننا الفلسطينية.
· تواصل الاعتداءات والاقتحامات اليومية لغلاة المستوطنين للحرم القدسي الشريف.
· الاوضاع الاقتصادية والامنية السيئة التي تجتاح مناطقنا الفلسطينية.
· التصريحات الاسرائيلية اليومية الاستفزازية ضد حقوقنا المشروعة.
· محاولة الالتفاف على القيادة الفلسطينية عبر "المبادرة العربية".. وايقاع الدول العربية في مصيدة التطبيع بذريعة ايجاد حل للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي.
· سياسة العقاب الجماعي ضد أي منطقة ينطلق منها أي مقاوم يحمل سكينا ونفذ عملا معاديا للجنود الاسرائيليين، وكذلك سياسة العقاب القاسي ضد اهل المقاوم وعشيرته اضافة الى هدم منزله.
اذا بقيت هذه الاسباب أو جزء منها، فان الهبة ستتواصل ولكن بوتيرة غير مستقرة، فأحيانا تتصاعد، واحيانا اخرى تهدأ الامور، ويظن ان الهبة قد خمدت او انتهت.. وما دام هناك احتلال، فان النضال ضده سيتواصل، وهذا ما يجب ان تدركه اسرائيل، وعليها بالتالي الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، والانسحاب من الاراضي المحتلة حقناً للدماء، وتفادياً لوقوع وسقوط المزيد من الضحايا من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي على حد سواء!