الشعب التركي قد يُمهِل ولكنه لن يُهمل
هل تغيّر رجب اردوغان، رئيس تركيا، بعد حادثة الانقلاب الفاشل ضده في اواسط شهر تموز الماضي؟ ام انه بقي على ما يؤمن به من احلام ومطامع في سورية والعراق؟ هل يُؤتمن جانبه؟ ام ما زال "عقربا" قد يلدغ في اية لحظة من اللحظات التي يراها مناسبة له؟ وهل سيحظى بدعم اميركي لكل مشاريعه في عهد الادارة الاميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب كما كان الحال في عهد الادارة الراحلة برئاسة باراك اوباما؟ هل سيسحب جيشه من شمال العراق وشمال سورية؟ ماذا يخطط له اردوغان؟
هذه اسئلة مشروعة يطرحها كثيرون في هذه الظروف والاوقات، وهي تساؤلات في "محلها" كما يقولون! ويحاول كثيرون الاجابة عنها بهدوء وتروٍ كبيرين.
لتحقيق طموحات شخصية
من طموحات الرئيس التركي الشخصية ان يحوّل نظام الحكم في تركيا الى نظام رئاسي وذلك من خلال استفتاء عام، وتعديل للدستور التركي يشمل العديد من البنود. وبعد ان يحقق ذلك يصبح اردوغان اول رئيس لهذا النظام الرئاسي المعدل يملك صلاحيات كبيرة جدا، قد تحوّله وتجعل منه "سلطان" الدولة، وليس فقط رئيس الدولة. وما زال اردوغان يعمل لتحقيق ذلك عبر خطوات فعلية على الارض مستغلا حادثة الانقلاب الفاشل، ليزيل من أمام هذه الطموحات كل المعارضين من خلال زجهم في السجون، أو من خلال فصلهم عن عملهم وخاصة في القطاعات الامنية والتربوية. ففي القطاعات الامنية، فانه عزل ضباطا كبار من قادة الجيش برتبة جنرال وفريق وعقيد، وكذلك في سلك الشرطة التركية، واجهزة المخابرات العديدة!
هذه الاجراءات "الديكتاتورية" التعسفية مستمرة تحت بند "الشك" في ان لهذا او ذاك علاقة بالانقلاب الفاشل. وقد عزل آلاف لربما عشرات الالاف من المعلمين تحت هذه الحجة فقط لانه يشك بانهم معارضون لسياسته، كذلك لم يتردد في سجن كبار الصحفيين الاتراك سواء اكانوا يعملون في صحف تركية موالية او معارضة له.
كل هذه الاجراءات لتعبيد الطريق امام اجراء استفتاء، والحصول على طموحاته وتحقيق اهدافه الشخصية.
التدخل العسكري في العراق وسورية
وتدخل اردوغان العسكري في العراق وسورية من اجل اطماعه الشخصية ايضا، اذ انه يريد ان يشغل الجيش في قضايا حساسة، ويكون مهتما بالقضايا الامنية، ولا يفكر بتغييرات داخل تركيا.. كما انه يحاول كسب دعم الرأي العام التركي من خلال اظهار ان تركيا قوية جدا عسكريا، وان هذا التدخل هو لمواجهة الارهاب الكردي سواء في شمال العراق او في شمال سورية، ومنع قيام كيان كردي مستقل في شمال سورية. وهذا التدخل برر له وضع اعضاء البرلمان الاكراد من حزب الشعوب الديمقراطي في السجون تحت بند ان لهذا الحزب علاقة مع حزب العمال الكردستاني المعارض، والذي يقاتل الجيش التركي!
وجاء هذا التدخل في وقت تنشغل فيه القوات السورية والعراقية في التصدي للارهاب، وفي خوض معارك طاحنة في كل من مناطق حلب وحماة وادلب والجزيرة السورية، وكذلك في معارك تطهير الموصل من تنظيم داعش. أي انه استغل هذه الظروف الامنية الحالية، ويدعي في نفس الوقت انه ضد الارهاب، ولكن الحقائق تقول وبكل وضوح انه لولا سياسة اردوغان الداعمة للارهابيين، لما واجهت سورية والعراق ما تواجهانه الآن، فقد تعاون مع الارهابيين بشكل كبير، وهذا ما ستؤكده الوثائق في القريب العاجل لاجل القول لاردوغان: "انك غير صادق، فانت لم تحارب الارهاب، بل دعمته كثيراً جدا، وعليك دفع الثمن".
ما هو ثمن سياسة اردوغان
سياسة الانتقام من معارضيه، واجراءاته القمعية الديكتاتورية في تركيا، واجبار الجيش التركي على دخول مستنقعين خطيرين في العراق وسورية، وقطع ارزاق مئات الالاف من العاملين مع الدولة لاستبدالهم بأشخاص موالين له، كل ذلك قد يؤدي الى احد امرين: الاول قيام ثورة عارمة ضده في الاشهر القليلة القادمة رغم قمعه لاي عمل معارض له، او انه سيواجه محاولات اغتيال قد تكون فاشلة أو ان احداها قد تنجح، فبالتالي يصبح اردوغان وطموحاته في خبر كان.
ويجب عدم نسيان ان الادارة الاميركية الجديدة لن تتعاون مع انظمة ذات ميول "خلافة اسلامية" لان سياسة ترامب معادية للاسلام السياسي، ولكل ما كان يؤمن به الرئيس اوباما.
وكذلك سيدفع اردوغان ثمن معاداته لدول الجوار سورية والعراق. وان القيادة في سورية وكذلك الشعب السوري لن ينسيا الدور القذر الذي لعبه في سورية، وخاصة دعمه للارهاب لاسقاط الدولة السورية.
انطلاقا من كل ما ذكر، فان اردوغان لم يتغير بعد الانقلاب الفاشل ضده رغم وقوف روسيا الى جانبه، وبالتالي فانه "يبصق وبكل وقاحة في الصحن الذي اعد له".. وبالتالي فان اطماعه وطموحاته كبيرة قد يحقق بعضا منها، لكنه في النهاية سيخسر نفسه.. وهذا ما سيؤكده المستقبل!