لماذا سحبت مصر مشروع القرار وصوتت لصالحه
تداعيات القرار على العلاقة الفلسطينية الاميركية
في عهد الرئيس الجديد ترامب
تلقت الدبلوماسية الفلسطينية نكسة لا بل ضربة سياسية موجعة (استمر مفعولها لـ 24 ساعة فقط) عندما قرر مندوب مصر في الأمم المتحدة، وهو عضو ايضاً في مجلس الامن الدولي، سحب مشروع اقتراح لمجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان، والغاء التصويت عليه الذي كان مقرراً مساء يوم الخميس 22/12/2016. وتم سحب المشروع بعد ساعات من تصريح الرئيس الاميركي المنتخب بأ،ه ضد هذا القرار، ويجب استخدام حق النقض الفيتو ضده.
مندوب مصر قدم مشروع القرار بعد أن اقرت الرباعية العربية ذلك في اجتماع وزراء خارجية مصر والاردن والمغرب والسعودية عقد الاثنين الموافق 19/12/2016 في القاهرة.
والتساؤل: لماذا تم سحب القرار؟ ومن يقف وراء ذلك؟ ولماذا أيدت مصر القرار بعد أن قدمته دول أخرى؟
رغبة ترامب
تقول مصادر عديدة ان الرئيس المنتخب دونالد ترامب اتصل بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، واخبره بأنه غير راضٍ عن هذا المشروع بتاتاً، وان على مصر الا تقف ضده وضد سياساته الآتية.. وقام الرئيس المصري السيسي بالاتصال مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وتشاور معه حول ذلك، واتفقا بضرورة سحب المشروع، وعدم اخراج الادارة الاميركية الجديدة، وكذلك عدم الدخول في مواجهة معها وخصوصا ان مصر رحبّت بفوز الرئيس ترامب، وتعتقد بأنه افضل كثيرا من الرئيس الحالي باراك اوباما لانه وقف ضد ثورة 30 يونيو التي اسقطت حكم الرئيس الاخواني محمد مرسي. وجمد اوباما العلاقات مع مصر لفترة من الزمن!
كيري المحرّض
وزير خارجية اميركا جون كيري هو المحرّض على تقديم مثل هذا المشروع عبر العرب الى مجلس الامن لانه هو طلب من الوفد الفلسطيني ان يُقدّم هذا المشروع عبر الرباعية العربية. وادعى كيري بعد سحب المشروع انه كانت هناك امكانية لامتناع اميركا عن التصويت لان المشروع لن يحصل على دعم 9 أصوات من اصل 15 اذ ان اميركا تلعب لعبة سياسية قذرة. ومن الدول التي قد تمتنع عن التصويت فرنسا وبريطانيا، وكانت هناك دول ستصوت ضده، فبالتالي لن يمرر هذا القرار، ولكن كانت هذه مجرد تكهنات.
وهناك تكهن آخر بأن كيري قد يطلب بالامتناع عن التصويت، ولكن المندوبة الاميركية في الأمم المتحدة قد تستخدم حق النقض الفيتو، وهي ابلغت المندوب العربي المصري في مجلس الامن بذلك. أي ان مصر، ممثلة اللجنة الرباعية، ستكون "كبش" فداء لخلاف بين اوباما وترامب، وبين كيري والمندوبة الاميركية في الأمم المتحدة.
كانت فرنسا وبريطانيا مع التأجيل
مندوبا فرنسا وبريطانيا طلبا من مندوب مصر سحب هذا المشروع او أيداه لانهما لا يريدان أي قرار في هذه الفترة الانتقالية للادارة الاميركية، فبالتالي يؤججان خلافاً مبكراً مع سياسة ترامب في المنطقة.
لقد كان هناك جو بضرورة تأجيل بحث موضوع الاستيطان فيما بعد، الا ان فلسطين مُصّرة على ذلك، ومع الاصرار الفلسطيني قدم المشروع.
هذه الاجواء في الأمم المتحدة واميركا ساهمت في تشجيع الرئيس السيسي على اتخاذ قرار جريء وشجاع بسحب المشروع، وتأجيل تقديمه الى ما بعد تولي ترامب، عندها تكون مصر قد انهت فترة عضويتها غير الدائمة في مجلس الامن التي حسب المعطيات والقوانين تنتهي مع نهاية العام الحالي 2016.
الموقف الروسي..
روسيا منهمكة في سورية، وفي محاربة الارهاب في الشرق الاوسط، وهي متهمة "زوراً" من قبل الرئيس اوباما بأنها لعبت دوراً فعالاً في نجاح الرئيس ترامب في الوصول الى البيت الابيض.
العلاقة بين الادارة الاميركية الجديدة برئاسة ترامب مع روسيا ستكون جيدة، هذا المتوقع لها، وان ترامب رشح وزير خارجية اميركا الجديد وهو صديق للرئيس الروسي بوتين.
انطلاقاً من هذه الاجواء، فان روسيا غير معنية في الوقوف الى جانب اوباما ضد ترامب في موضوع الاستيطان الذي ترفضه ولا تؤيده، ولكنها لا تريد ان ترد على "ترامب"، وتريد ان تكون العلاقة قوية معه، وليست قائمة على خلافات.
ولذلك فان المندوب الروسي في الامم المتحدة كان مبدئياً مع تأجيل تقديم مشروع القرار الذي قد لا يصادق عليه مجلس الامن.
ولا شك ان هناك اتصالات قوية بين روسيا ومصر، وان موضوع سحب المشروع، والغاء التصويت عليه تم بعلم روسيا ايضا اذ كانت على اطلاع على كل خطوة، لان اللجنة الرباعية كانت معنية ان تكون على اتصال مع كل الدول صاحبة العضوية في مجلس الامن الدولي من اجل معرفة مدى امكانية تمرير مثل هذا المشروع المدين للاستيطان!
اتصالات مع مندوبين آخرين
بدأت القيادة الفلسطينية باجراء اتصالات مع دول لها عضوية مؤقتة في مجلس الامن، وخاصة مع فنزويلا وماليزيا، ونيوزيلندا والسنغال من اجل تبني القرار الفلسطيني، وقيام مندوبو هذه الدول بتقديمه لمجلس الامن للتصويت عليه.
وهناك استعداد من هذه الدول على ان تقوم بذلك، ولكن هل هذا سيغير من الوضع وتتم المصادقة على المشروع؟ لا تغيير في المواقف سوى ان اميركا واذا كانت تنوي الامتناع عن التصويت، فان اميركا ذاتها ستضطر للتصويت ضد القرار لانه مقدم من قبل دولة خصم للسياسة الاميركية في جنوب اميركا، ولكن من قدم الطلب ماليزيا رسميا مدعومة من دول أخرى! وتوقع وقوف اميركا ضده لم يكن صائباً.
نكسة أم انقاذ!
قد يظهر في بادىء الامر أن الدبلوماسية الفلسطينية اصيبت بنكسة سحب مشروع القرار من دون تنسيق او ترتيب مسبق معها. وان هذه الدبلوماسية خسرت الكثير عبر عدم التصويت على هكذا قرار لان مراهنتها قائمة على "وعد" من كيري بالامتناع عن التصويت، وبالتالي ستتم المصادقة عليه وتمريره. ولكن الم تحسب الدبولوماسية ان المشروع لم تتم المصادقة عليه.. فهل نكسة سحبه هي اكبر من نكسة فشله؟ اليس الفشل ضربة موجعة في حين ان سحبه من التصويت هو بمثابة انقاذ من فشل آت، وجو دبلوماسي قائم.
لا بدّ من تقييم الوضع قبل كيل الاتهامات، ولا بدّ من مراجعة شاملة للظروف والمعطيات التي اجبرت المندوب المصري على هذه الخطوة. ولا بدّ من تعزيز العلاقة مع مصر لا ان نزيدها فتوراً وحساسية دون معرفة اسباب مثل هذا القرار "المفاجىء" والذي له ظروفه! ومصر صوتت لصالح مشروع القرار الذي أعدته وسحبته!
ليست النكسة الوحيدة
يجب أن تعترف الدبلوماسية الفلسطينية: ان هذه النكسة المؤقتة والقصيرة لم تكن الوحيدة التي تتلقاها، بل تلقت قبلها نكسة قرار القيادة الفرنسية عن تأجيل عقد المؤتمر الدولي الذي كان مقررا عقده في 21/ كانون الاول 2016، الى اواخر شهر كانون الثاني القادم، او الى اجل غير مسمى.. أي هناك تراجع في المواقف تجاه قضيتنا لان هناك معطيات جديدة على الساحة الدولية، واهمها ان العالم اصبح متعدد الاقطاب، وان هناك ادارة جديدة قادمة للولايات المتحدة، وان هناك انتصارات على الارهاب في سورية والعراق؟ وان العالم مجبر على مواجهة الارهاب لانه بدأ بالوصول الى عواصم ومدن غربية عديدة، ولان المعطيات الاقليمية في المنطقة ليست ثابتة، وهناك تغيرات.
حتى لا تقع نكسة جديدة، لا بدّ من اعادة الحسابات، ولا بدّ من مراجعة دقيقة للوضع قبل الاقدام على اية خطوة سياسية، وتقدير مدى نجاحها؟ ويجب الا نقامر على "توقعات" قد لا تكون صحيحة او واقعية.
كل العالم توقع فوز هيلاري كلينتون، ودول عديدة راهنت على فوزها، وقامت بخطوات عديدة، فخسرت الكثير لأن رهانها لم يكن سليماً.
انتصار باهر
استطاعت الدبلوماسية الفلسطينية تحويل النكسة الى انتصار من خلال الحصول على مصادقة وتأييد الدول الأعضاء جميعاً في مجلس الأمن على مشروع القرار الذي يدين الاستيطان ويدعو الى وقفه. وتم تمرير المشروع بعد أن امتنعت اميركا عن التصويت، مما حدا باسرائيل اتهام كيري بالتآمر مع الوفد الفلسطيني.
وهذا القرار يؤكد من جديد ان الاستيطان غير شرعي ومعيق لمسيرة السلام، وان على اسرائيل وقفه أو تجميده وهو انجاز كبير للدبلوماسية الفلسطينية.
تداعيات القرار
أعلنت اسرائيل عدم احترامها او التزامها بالقرار كما هو الحال في تعاملها مع قرارات سابقة عديدة لمجلس الامن وأهمها قراري 242 و338.
ولكن من تداعيات هذا القرار ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب، سينتقم من السلطة الفلسطينية بتحريض من اسرائيل، لأنها ساندت الرئيس اوباما وانحازت له ضد مواقفه وآرائه، فبالتالي فان العلاقة الفلسطينية الاميركية ستكون في وضع سيء للسنوات الاربع القادمة إلا إذا حدثت معجزة تغير ذلك!
هناك انتصار في مجلس الامن! والتساؤل ما هي تكاليفه في المستقبل؟ وكيف يمكن تفادي دفع ثمن ذلك؟