هل عادت اسرائيل الى سياسة الاغتيالات
في وسط احد شوارع مدينة صفاقس التونسية، وفي حوالي الساعة الثانية بعد ظهر يوم الخميس الموافق 15/ كانون الاول 2016، قامت وحدة من جهة مجهولة باغتيال مهندس الطيران التونسي محمد الزواري، وفرت من المكان بسرعة فائقة. هذه الحادثة اثارت غضب الشارع التونسي لقيام مجهولين باغتيال مواطن وفي وضح النهار. ولكن الغضب اصبح عارما اكثر عندما عرفت هوية هذا المهندس، وعندما اصدرت كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة "حماس" بيانا زفّت فيه شهادة مهندس طائرات الابابيل، الطائرات من دون طيار، وهي من صناعة هذه الكتائب. ووعدت بالرد على هذه العملية البشعة الجبانة. وبالطبع اتهمت في البيان "الموساد" الاسرائيلي بالوقوف وراء هذا الاغتيال. ومما زاد الامور اثارة في تونس ان مراسلا صحفيا، وبعد يوم من الاغتيال، قام ببث رسالته لاحدى قنوات التلفزيون الاسرائيلي من نفس مكان الاغتيال. واخذ الشعب التونسي يطالب السلطات بالتحقيق في الحادثين، الاغتيال، ودخول مراسل صحفي اسرائيلي الى تونس بكل سهولة، وبث رسالته من هناك.
التحقيقات الاولية
أجرت تونس تحقيقات مكثفة حول الحادثين، وخاصة حادث الاغتيال، وقد اعتقلت 8 أشخاص على ذمة التحقيق، وتبين ان بعض هؤلاء ساعدوا أو ساهموا في عملية الاغتيال عن قصد أو غير قصد. وبقي بعضهم في الاعتقال وافرج عن بعضهم الآخر. وطلبت تونس من الشرطة الدولية (البوليس الدولي) المعروفة باسم "الانتربول" بالبحث عن شخصين احدهما سويسري والاخر بلجيكي، أو انهما يحملان جوازي سفر هذين البلدين المزيفين. كما طلبت تونس من السلطات البلجيكية أو السويسرية التحقيق مع هذين "الرجلين"!
أما بخصوص دخول المراسل الصحفي اليهودي الاسرائيلي، فقد تبين انه يحمل جواز سفر المانيا، وفي العادة، فان الاوروبيين يستطيعون زيارة تونس من دون الحصول مسبقا على تأشيرة.
تقصير أمني
يظهر من التحقيقات ان هناك تقصيرا امنيا، ففي حادثة الاغتيال فان الامن التونسي لم تكن لديه معلومات أو توقعات بأن اسرائيل ستقوم بعملية اغتيال، وتعتدي على الاراضي التونسية، كما ان سياسة الانفتاح التونسي في عهد زين العابدين بن علي، وفرت للاسرائيليين امكانية اختراق السيادة التونسية. ويظهر ان معلومات اجهزة الامن التونسية عن هذا المهندس لم تكن كافية. ولو كانت كذلك لوضع تحت المراقبة او الحراسة المشددة ايضا. وهذه الحراسة ستساهم في منع اغتياله أو تعقيد عملية الاغتيال.
وهناك تقصير اعلامي اذ أن على أي دولة عربية معرفة أسماء الصحفيين الاسرائيليين وخاصة اولئك الذين يعملون مع صحافة اجنبية، ويحملون جوازات سفر اوروبية.. وهذا تقصير أمني اضافة الى انه تقصير اعلامي.
ولا بدّ من القول ان "اسرائيل" انتهزت حالة عدم الاستقرار في تونس، وانهماك الامن التونسي في ملاحقة ارهابيين، والحفاظ على حدود تونس مع ليبيا. وقامت بهذه العملية الجبانة التي تصعد من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
لماذا اغتيل الزواري
اغتيل الزواري لانه مهندس طيران ليس عاديا، اذ انضم الى حركة حماس قبل عشرسنوات. وعمل في صناعة او اعداد الطائرات من دون طيار، أي انه منح "حماس" امكانيات دفاعية وهجومية كبيرة. وهذا الامر لا تريده اسرائيل اذ تعمل على منع "المقاومة" سواء في لبنان، او في غزة من امتلاك قدرات قتالية نوعية. فاسرائيل تحاول منع وصول اسلحة متطورة الى حزب الله بكل ما اوتيت من قوة، وكذلك تحاول منع حماس من تطوير قدراتها العسكرية. ولهذا قررت اغتيال الزواري في ساحة مكشوفة وضعيفة واثناء تواجده في مدينة صفاقس. وتمت العملية بهدوء. ولم تعترف اسرائيل بمسؤوليتها عن هذا الحادث، كما هي عادتها.. ولكن عمدت اسرائيل الى توجيه رسائل الى كل من "حماس" و"تونس" على حد سواء.
رسائل اسرائيل الى حماس
ومن اهم الرسائل الاسرائيلية الموجهة الى حماس:-
1. ان هناك مراقبة حثيثة على كل نشاطات حركة حماس العسكرية. ولن تتخلى عن هذه المراقبة والاستطلاع العسكري.
2. ان هناك اختراقا داخل الحركة يوفر لها معلومات معينة تريدها اسرائيل، لان اسرائيل علمت بتواجد الزواري في تونس.. وكانت قد جمعت معلومات عديدة عن تحركاته.
3. لن تسمح اسرائيل لحركة "حماس" بتقوية وتعزيز قدراتها العسكرية، وانها لن تتردد في توجيه "ضربة عسكرية" بين فينة واخرى من اجل المس بهذه القدرات.
4. ان اسرائيل تمتلك معلومات عن مشاريع "حماس" بخصوص الطيران، وانها قادرة على توجيه أي ضربة لهذه الامكانيات بشتى الوسائل.
5. قادرة على الوصول الى أي قيادي حمساوي وخاصة اذا كان عسكريا، وانها لن تتردد في تصفيته.
6. هناك امكانية لابلاغ حماس بان اسرائيل عادت الى تصفية قادتها في الخارج.. كما تم مع المبحوح وآخرين!
الرسائل الاسرائيلية لتونس
أرادت اسرائيل توجيه رسائل لتونس ومن أهمها أنها قادرة على اختراق وانتهاك السيادة متى تشاء، وقادرة على احداث توتر متى تشاء، ولذلك فان على تيار الاخوان وقف التعاون مع حماس، ووقف دعم المقاومة، وعلى تونس الاهتمام بامورها الداخلية.
هذه الرسائل اتت لان مواقف الشعب التونسي الوطنية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني وللمقاومة المشروعة تزعج اسرائيل. وهناك شكوك لدى اسرائيل بأن الزواري لم يخدم حماس فقط، بل خدم "حزب الله" في تطوير اسلحته الجوية علما ان حزب الله لديه قدراته وامكانياته المستقلة ايضا.
معاني هذا الاغتيال
من معاني هذا الاغتيال ان اسرائيل لا تريد الاستقرار في المنطقة، فهي عادت الى اسلوب او سياسة الاغتيالات في الخارج، وانها تخطط باستمرار للقيام بأي عملية، اذا توفرت لديها المعلومات، لضرب المقاومة.
ولكن هذه السياسة لها انعكاساتها الايجابية على المقاومة، اذ ان مثل هذه الاغتيالات تزيد من شعبية المقاومين، وتجند لهم الداعمين والمنتمين الجدد، وهذا يعطيها قوة ردا على أي عمل تصفوي اجرامي.
ولا بد من قول ملاحظة مهمة وهي ان على القياديين وخاصة المقاومين، ان يكونوا اكثر حصنا وحماية وحذرا من التحركات والملاحقات الاسرائيلية المتواصلة لهم!