تراجع "طفيف" في المواقف التركية
تجاه سورية
عقد وزراء خارجية روسيا، سيرجي لافروف، ايران، محمد جواد ظريف، وتركيا داود مولود اوغلو، اجتماعا موسعا ومهما في العاصمة الروسية موسكو يوم الثلاثاء 20 كانون الاول 2016، وذلك لبحث موضوع الارهاب، والوضع العام في منطقة الشرق الاوسط والمساهمة في ايجاد حل سياسي للوضع في سورية.
هذا الاجتماع كان بمبادرة من الوزير الروسي لافروف، وسبق اللقاء الثلاثي اجتماعان عقدهما لافروف مع كل من ظريف واوغلو، وعلى حدة، لتهيئة الاجواء الجيدة للاجتماع الثلاثي.
ورغم اختلاف الآراء والتوجهات، الا ان الوزراء الثلاثة اتفقوا وباجماع على مبادىء اساسية ومهمة جدا وهي:-
· ضرورة مواصلة مكافحة ومحاربة الارهاب، وخاصة تنظيمي داعش وجبهة النصرة.
· التمسك بوحدة وسيادة الاراضي السورية والشعب السوري، ولا لاي محاولة للتقسيم والتجزئة.
· الحل في سورية هو سياسي بين ابناء سورية انفسهم، وان الدول الثلاث ستسعى الى تحقيق ذلك.
· العمل على وقف اطلاق النار على كافة الاراضي السورية باستثناء النيران الموجهة نحو الارهاب، وخاصة داعش وجبهة النصرة!
هل هناك تراجع روسي
بعض المحللين يقولون ان روسيا تساير تركيا كثيرا، وهذا قد يدل على تراجع روسي على حساب سورية. ولكن روسيا تؤكد تمسكها بالمبادىء، وبالعلاقة الوطيدة والحليفة مع سورية، فهي تعمل على "كسب" تركيا لما لها من نفوذ أو دور أو تأثير على مجموعات معارضة مسلحة في سورية. وكذلك ايران تحاول جذب تركيا نحو ايران وروسيا، والمساعدة على نزول تركيا رويدا رويدا وخطوة خطوة من على السلم الذي صعدت اليه في الازمة السورية!
ويعتبر لافروف هذا اللقاء انجازاً سياسياً كبيراً لعدة أسباب ومن أهمها:-
· اعتراف تركيا بوحدة الاراضي السورية، أي أنها ضد التقسيم، وهذا ناتج عن رفض تركيا لقيام أي كيان كردي مستقل في شمال سورية. وكانت تركيا في بداية الازمة مشاركة في المؤامرة لتقسيم سورية!
· حل الصراع في سورية يجب ان يكون سياسيا، بعد ان كانت تركيا ضد ذلك، وعرقلت محاولات الحلول السياسية.
· اعتراف تركيا بأن "داعش" وكذلك "جبهة النصرة" والتي كانت توفر الدعم لهما، وخاصة جبهة النصرة، هما تنظيمان ارهابيان، ويعني وقف تقديم الدعم لهما عبر الحدود التركية. ويشارك وزير خارجية ايران ظريف هذا الرأي للوزير لافروف، ويقول ان تركيا بدأت سياسة "تدوير" مواقفها تجاه سورية!
قمة ثلاثية
مصادر عديدة قالت، وقد اكدت ايضا، ان الوزراء الثلاثة اتفقوا على الاعداد لقمة ثلاثية لزعماء وقادة الدول الثلاث في اقرب وقت ممكن لتعزيز التعاون بين هذه الدول لانهاء الازمة في سورية.
وهذه القمة لن تعقد الا اذا شعر الرئيس الروسي ان هناك تحولا فعليا من قبل تركيا تجاه الوضع في سورية. وهذا التحول يقاس عبر اغلاق الحدود التركية امام الارهابيين، ووقف توفير الدعم لهم، والتخلص من الارهابيين الاجانب فيما بعد.
وتقول مصادر عديدة ان تركيا تسعى من خلال القمة الحصول على مساعدتها في فتح صفحة من العلاقة مع القيادة السورية، وان اردوغان مستعد للاعتذار كما فعل مع روسيا بعد ان اسقطت طائرة سوخوي فوق الاراضي السورية. وهذه الصفحة لن تفتح بسرعة الا اذا أثبتت تركيا نوايا حسنة، واثبتت ذلك.
لماذا الاهتمام بالجزء الشرقي من حلب
لم يكن الاهتمام بما جرى في العديد من المدن السورية الاخرى كمدينة حمص كما هو الحال مع الجزء الشرقي من مدينة حلب. حتى ان المبعوث الدولي اسطيفان دي مستورا حاول اقناع "المسلحين" داخل هذه المناطق باتفاق سلمي، وانه مستعد لتوفير الحماية لهم. لكن الجيش السوري واصل معاركه لتطهير هذا الجزء، فارتفعت الاصوات منادية بحل سلمي؟ والتساؤل لماذا هذا الصياح ولماذا هذه الاصوات؟
الجواب واضح وهو ان غالبية هؤلاء المسلحين هم من خارج سورية، وان فيما بينهم ضباط اتراك وسعوديين واميركان.. الخ. ولا يريد العالم قتلهم لان ذلك سيكون بمثابة فضيحة. وقد كانت الحكومة السورية ذكية، فهي لم تقبل بخروج هؤلاء "المسلحين" الا بعد ان يسمح لاهالي الفوعة وكفرية، وخاصة المرضى منهم، بالخروج من داخل الحصار المفروض عليهم. وتم الاتفاق مع المسلحين عبر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، مما يؤكد ان هناك حلقة اتصال تركية مع هؤلاء. وان تركيا قد يتم "استخدامها"، او بالاحرى استثمار العلاقة معها لوقف نزيف الدم في سورية من خلال اقناع هؤلاء بالاستسلام، او الرحيل عن حلب، وفيما بعد عن سورية. ويقال، ويؤكد ايضا، ان حافلات اخذت "المسلحين" الذين تركوا الاجزاء الشرقية من حلب الى داخل الاراضي التركية مما يعني ان هؤلاء على صلة ما مع تركيا!
تفاؤل بالمستقبل القريب
هناك تفاؤل روسي وايراني بالمستقبل القريب اذ ان تراجع تركيا عن مواقفها، وتقربها اكثر من ايران وروسيا هو مؤشر جيد. وان هذا التقارب هو لصالح سورية، اذ انه من الممكن بدء حراك سياسي بين ابناء سورية جميعا.
ولا بدّ من الاشارة الى ان تركيا مجبرة على السير على هذا الخط لانها تعلم مسبقا ان ادارة ترامب القادمة ستحارب الارهاب ومن يدعمه، ولهذا قررت التراجع والتقرب من روسيا التي ستكون لها علاقات مع الرئيس ترامب.
التفاؤل نابع من ان تركيا، واخيرا، ستطبق قرارات مجلس الامن باغلاق حدودها امام الارهاب، وتساهم في تجفيف منابع دعمه. وهذه خطوة حققها اللقاء الوزاري الثلاثي.. وهي خطوة مهمة مهما اختلفت الآراء بين الوزراء على بعض التفاصيل للحل السياسي!!