* تعميم ثقافة التسامح وقبول الآخر ضمانة حقيقة لاستقرار المجتمعات
*نرفض كافة أشكال العنف والطائفية ونعمل على تعزيز قيم التسامح
* الثقافة المصرية الأصيلة ستتمكن من تجاوز الألم والعبور بمصر إلي بر الأمان
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
تزداد الأوضاع السائدة في العديد من البلدان العربية سوءاً، في ظل استمرار التناحر والانقسامات التي أنتجت جماعات متشددة ترتكب بين الحين والآخر عمليات إرهابية بناء على دوافع طائفية ومذهبية يروح ضحيتها أناس أبرياء، كان آخرها التفجير الذي وقع في الكنيسة القطبية في القاهرة، الأمر الذي زاد الأوضاع تعقيداً، وأدخل المنطقة في دوامة من العنف والإرهاب، فما هي العوامل التي فاقمت من هذه الأوضاع ؟ وما هي الأسباب التي عززت ثقافة الكراهية في المجتمعات العربية ؟ وما أهمية التسامح في وضع حد لهذه الأحداث واستقرار المجتمعات ؟..
"البيادر السياسي" التقت عضو الشبكة العربية للتسامح طلال أبو ركبة، وأجرت معه الحوار التالي، الذي أكد خلاله على أهمية تعزيز ثقافة التسامح والمحبة بين أبناء الشعب الواحد، محذراً من خطورة القنوات الحزبية، ووسائل الإعلام الطائفية التي تعمل على غرس ثقافة الكراهية بين الشعوب وأشعال نار الفتنة .
خطاب إقصائي وتخويني
* تزداد حدة الانقسامات والتفتت في الدول العربية يوماً بعد يوم.. أنتم في الشبكة العربية للتسامح.. ما هي قراءتكم لما يجري؟ وإلى أين تسير الأمور؟
- الشبكة العربية للتسامح ومنذ سنوات، وتحديداً مع انتشار الإعلام الفضائي وما تبعه من انتشار للقنوات الفضائية الخاصة، والتي حمل جزءاً منها خطاب الكراهية في طيات رسالتها الإعلامية، وخصوصاً ضد الأقليات والأعراق الأخرى، وهو ما لوحظ تدريجياً مع انتشار العديد من القنوات المذهبية والعرقية والتي بدأت تؤلب مشاهديها ضد الآخر المختلف في المجتمعات العربية، أطلقت الشبكة صرختها مبكراً محذرةً من هذه اللغة وهذا الخطاب، ورأينا أن ما يجري في الساحة وتداعياته التي يمر بها المواطن العربي قد تم التمهيد لها عبر هذا الخطاب الإقصائي والتهميشي والتخويني بحق الآخر، لذلك طالبت الشبكة عبر العديد من بياناتها ومؤتمراتها على ضرورة الانتباه جيداً لانتشار ذلك الخطاب، واعتبرت الحل يكمن في تعميم ثقافة التسامح وقبول الآخر كضمانة حقيقة لاستقرار المجتمعات، ورأت في الوقت ذاته أن هذا لن يتأتى إلا عبر تعزيز قيم المواطنة والدولة المدنية الديمقراطية .
انفلات وعشوائية
* هل ما يحدث هو نتاج ذلك الخطاب برأيكم؟
- إن ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعة لحالة من الانفلات والعشوائية التي ضربت كل النظام العربي، والذي لم يؤسس لثقافة التسامح وقبول الآخر على مدار السنوات السابقة، مما جعل المجتمع العربي يعيش في كهوف منعزلة، وظفها المتعصبون والراغبون في الانتقام من سنوات مضت في حكم أنظمة شمولية ديكتاتورية، مما استدعى استحضار كل مواطن الخلاف والفرقة داخل المجتمع الواحد، وكان أبرزها الطائفية والمذهبية في هذه الحالة.
باعتقادي أن الحالة ستسير ولوقت ليس بالقصير نحو مزيد من العنف والدماء ما لم تتم مناهضة كافة أسباب التشظي والخلاف، وهذا لن يكون إلا عبر مصالحة مجتمعية تقوم على قاعدة المواطنة بصفتها الوعاء الجامعي للكل الوطني، وباستعادة الدولة الوطنية لأبعادها الديمقراطية والمدنية على قاعدة الشراكة الوطنية وليس الإقصاء والتهميش والتخوين لفئة أمام أخرى.
تفجير الكنيسة
* شاهدنا تطور في حدة العمليات الإرهابية والاعتداءات على الآمنين، خاصة في مصر التي شهدت حادث تفجير داخل الكنسية.. ما هو موقفكم من هذه الاعتداءات؟
- الشبكة العربية ترفض كافة أشكال العنف وتنبذها، وتعتبرها جريمة إنسانية كبرى أن يقتل الإنسان على خلفية فكره أو معتقده أو مذهبه، وفي هذا الإطار فهي تدعو إلي وقف كافة أشكال العنف، وأن يتم التعاطي مع الاختلاف على قاعدة الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، لأن مثل هذه الاعتداءات ستزيد من حدة الانقسامات المجتمعية، وستضرب بنية النسيج المجتمعي.
* إلى أي مدى ممكن أن تسيء هذه العمليات إلى العلاقات الإسلامية المسيحية؟
- في اعتقادي، ومن خلال متابعتي للمجتمع المصري، فإنني أرى أن هذه الاعتداءات لن تضر بالعلاقات ما بين المسلمين والأقباط داخل المجتمع، فالمجتمع المصري أسس لعلاقات إنسانية تحترم، والنسيج المجتمعي لا يزال قوياً وستتمكن الدولة المصرية والمجتمع من تجاوز حدة الألم، ولكن بشرط مواجهة مثل هذه الاعتداءات ومنع المتعصبين من جر المجتمع المصري إلي ويلات الاقتتال الأهلي كما يحدث في بعض الدول المجاورة ..التاريخ المصري وطبيعة المجتمع المصري والثقافة المصرية الأصيلة السائدة ستتمكن من تجاوز الألم والعبور بمصر إلي بر الأمان، شرط الانتماء لمصر الوطن قبل الطائفة والمذهب.
تعزيز قيم التسامح
ما هو الدور الذي تضطلع به الشبكة العربية للتسامح؟
- الشبكة العربية للتسامح ومنذ اليوم الأول لإنشائها وهي تعمل على تعزيز قيم التسامح داخل المجتمع العربي. وفي هذا الإطار، فهي تسعى بقوة من خلال مؤتمراتها وأنشطتها كافة إلي تعميم ثقافة التسامح داخل المجتمع العربي، باعتباره المفتاح الرئيس في مواجهة التعصب والانغلاق وخطاب الكراهية المدمر لبنى المجتمع وهياكله.
الانقسام الفلسطيني
* هل من مبادرات قدمتموها لتعزيز العلاقة بين المنقسمين الفلسطينيين وطي صفحة الانقسام؟
- الشبكة عملت على مناقشة الانقسام الفلسطيني، وخرجت العديد من التوصيات لإنهاء الانقسام، وهي تدعو في كل مناسبة لضرورة إنهاء الانقسام، وستبقى على هذا النحو حتى يسترد المجتمع الفلسطيني وحدته .
نهضة المجتمع
* لماذا اخترتم التسامح ليكون شعاراً لكم؟
- باختصار لأننا نؤمن بالتسامح كمدخل لإحداث نهضة شاملة باعتباره مفتاح تحقيق كافة الأحلام الكامنة في النفوس في بناء مجتمع مدني ديمقراطي يؤمن بالتعددية، وينعتق من نفق الظلام الذي تمر به الأمة العربية، وأنه الأساس نحو نهضة حقيقية للمجتمع العربي نحو مستقبل أفضل يقوم على الشراكة الوطنية وليس الإقصاء والتهميش.
قبول الآخر
- ما مدى التجاوب معكم فلسطينياً وعربياً؟
على مستوى المثقفين والنخب هناك تجاوب عال، وكذلك في أوساط الشباب ممن نتواصل معهم، ولكن الإشكالية تبقى دون حل طالما لم يستعيد النظام العربي قدرته على إنتاج المواطنة باعتبارها الوعاء الشامل لتعميم ثقافة قبول الآخر.
وطن الجميع
* وما هي خططكم وأهدافكم ؟ وماذا حققتم منها ؟
- الشبكة تؤمن بضرورة انعتاق المجتمع العربي من حالة التعصب والكراهية، وأن المفتاح لذلك يكمن في التسامح، لذلك فهي تعمل جاهدة على تعميم هذه الثقافة رغم أن كل الظروف تعاكس توجهها، إلا أن إيمانها بذلك يجعلها مصرة على المضي قدما صوب هدفها. وفي هذا الإطار فهي تراكم نجاحات وتسجل إخفاقات، إلا أن إصرار أعضائها وإيمانهم قوى بالنجاح خلال السنوات القادمة .
* وأخيراً.. ما هي رسالتكم؟
الرسالة واضحة، الوطن العربي وطن الجميع ، وليس وطن طائفة أو مذهب أو معتقد، لذلك فإن سبل نهوضه تكمن في الشراكة الوطنية، وليس الانغلاق والتعصب ورفض الآخر .