ساهم في تمزيق وتدمير العالم العربي
تخلى عن حلفاء اميركا وخاض حروباً بالوكالة
صنع الاسلام السياسي والتنظيمات الارهابية
بعد 20 يوما من تاريخ صدور هذا العدد الجديد من البيادر، يغادر الرئيس باراك حسين اوباما البيت الابيض منهياً بذلك ادارته التي استمرت على مدى ولايتين كامليتين، أي لثماني سنوات كاملة، اذ تسلم منصبه يوم 20/1/2009. وسيحل مكانه الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب الذي تم انتخابه يوم الثلاثاء 8 تشرين الثاني 2016.
في هذا التقرير أو بالاحرى التحليل، يتم القاء الاضواء على اهم منجزات الرئيس اوباما خلال السنوات الثماني الماضية بصورة واقعية وموضوعية!
جائزة نوبل للسلام
حصل اوباما على جائزة نوبل للسلام للعام 2009، أي في بداية عهده لان خطابه الاول خلال تسلمه منصبه الرئاسي وعد بعدم القيام بأي حروب. وقد منح هذه الجائزة لتشجيعه على الالتزام بهذا النهج. وبالطبع كانت أمامه تركة ثقيلة جدا من ولاية الرئيس الاميركي السابق جوج بوش الابن الذي غزا العراق بقوات اميركية، وبدأ بتدمير الشرق الاوسط وصناعة مجموعات ارهابية. وحاول بالتعاون مع اسرائيل القضاء على المقاومة من خلال شن اسرائيل حربا على لبنان في تموز 2006 لتوجيه ضربة لحزب الله، وكانت النتيجة عكس ذلك، كما ان اسرائيل شنت حربا اواخر عام 2008 على القطاع، ولم تفلح في القضاء على المقاومة الفلسطينية المتواجدة في القطاع.
واستطاع الرئيس اوباما سحب قواته من العراق، وبالتالي الغاء تورط قوات اميركية بصورة مباشرة في الصراعات الداخلية التي خلقتها ادارة بوش في العراق.
حروب بالوكالة
لم يتدخل الرئيس اوباما عسكريا وبصورة مباشرة في كل ما حدث في الشرق الاوسط من فوضى ارادتها ادارة الرئيس الاسبق جورج بوش ان تكون خلاقة، ولكنها وللاسف كانت فوضى مدمرة للمنطقة، وكذلك مسيئة للعلاقات الاميركية مع زعماء، وكذلك مع شعوب الدول الحليفة لاميركا.
لقد اعترفت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون للفترة 2004 وحتى 2013 بانها كانت وراء دعم "داعش" لمواجهة تنظيم "القاعدة"، ودعمت سياسة اوباما بتعزيز علاقته مع الاسلام السياسي "المعتدل". التي اعلن عنها في كلمته في جامعة القاهرة في حزيران 2009، اذ دعا الى مصافحة العالم الاسلامي والتعاون معه.
ويمكن القول ان كل ما واجهته الدول العربية مع بداية عام 2011 وحتى يومنا هذا من دمار وحروب داخلية او مؤامرات قذرة لتدمير واسقاط الدول، وخاصة الداعمة للشعب الفلسطيني أو لتيار المقاومة، هي نتيجة مخططات او سياسة اميركية معدة سابقا، اذ قام اوباما بتنفيذ ما كان سلفه بوش يسعى الى تحقيقه، وهو خلق شرق اوسط "جديد"، أي شرق اوسط مدمرا.
على حساب دول الخليج
هذه الحروب والفوضى "المدمرة"، وتمويل العناصر الارهابية، وخلق مجموعات ارهابية لم تكن على حساب الخزانة الاميركية، بل كانت على حساب خزائن دول الخليج وخاصة السعودية وقطر والامارات، اذ ان تسليح الارهابيين ومجموعاتهم التي تحمل اسماء ومسميات عديدة كان على حساب قطر والسعودية. وها هي السعودية تغرق في وحل اليمن، وتخسر مئات المليارات، كذلك دولة قطر من اجل اسقاط سورية، ولم تسقط، وحاولت اسقاط مصر، ولكن الشعب المصري كان واعيا، واسقط النظام الاخواني برئاسة محمد مرسي في 30 يونيو 2013.
خسر حلفاء اميركا
اذا نظرنا الى الوضع في المنطقة وعلاقة اميركا بالرؤساء والقادة العرب فيمكن القول ان ادارة اوباما ساهمت ودعمت فقدانها لاهم حلفائها واهمهم: الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، الرئيس المصري حسني مبارك، الرئيس الليبي معمر القذافي، والرئيس اليمني علي عبد الله صالح. وكان هؤلاء جميعا حلفاء مخلصين لاميركا. ولكن من اجل تغيير "الوجوه"، ودعم ما يسمى بـ "الديمقراطية"، و"الربيع" العربي، خسرت اميركا هؤلاء، وحاولت ركوب موجة "الثورات" للاصلاح والحرية والديمقراطية من اجل تدمير سورية، ولكنها صمدت بوجه المؤامرة، وها هي تواجه الارهاب بكل قوة، واستطاعت القيادة الشرعية السورية عبر حكمة وحنكة فريدتين، الحصول على دعم الاصدقاء والحلفاء لها وخاصة روسيا وايران، وكذلك حزب الله اللبناني.
خسارة الحليف السعودي
العلاقة بين السعودية وادارة اوباما لم تكن جيدة، بل كانت فاترة جدا لاسباب عديدة ومن اهمها:-
1. دعم ادارة اوباما للاسلام السياسي المعتدل، أي للاخوان المسلمين، وتعزيز دور قطر في العالم العربي على حساب السعودية التي تطمح في أن تكون الرائدة والقائدة، وخاصة في اوائل حكمه وحتى السنوات الاخيرة، اذ كانت قطر هي التي تسيّر العالم العربي عبر جامعة الدول العربية!
2. دعمه ايضا لتركيا، ولنظام رجب طيب اردوغان، واصبح نظام الحكم اخوانيا تحت شعارات "ديمقراطية"؟
3. دعم الاخوان يعني معاداة "الوهابية السعودية"، وهذا يعني ان اوباما دينيا كان ضد السعودية.
4. اجرى محادثات مع ايران، وقبل بمشروعها النووي عبر التوصل الى اتفاق دولي وقع قبل عام ونصف. وبالنسبة للسعودية فان ايران خصم سياسي كبير، وهناك محاولات لاشعال نار حرب دينية بين دول الخليج بقيادة السعودية وايران.
5. اعتبرت ادارته تنظيم "داعش" ارهابيا، وكذلك جبهة النصرة فيما بعد.. ولم يقم اوباما بدعم جهود السعودية في اسقاط سورية وقيادة الرئيس الدكتور بشار الاسد، وكان يتفرج، ويدعم سياسيا ومعنويا فقط. وحاولت السعودية تحريضه على شن غارات عسكرية على سورية في آب 2013 بحجة امتلاك سورية لسلاح كيماوي. واستطاعت سورية عبر دعم روسي تجاوز هذا الوضع الخطر بتخليها عن السلاح الكيماوي، لتثبت انها لم تستعمله وتستخدمه، وان الارهابيين هم الذين يستخدمونه من اجل تحقيق مآربهم وتدمير سورية وشعبها الجبار.
6. شعور قادة السعودية بانه من الممكن أن تتخلى الادارة الاميركية عنهم كما تخلت عن حلفائها الاوفياء لها.
7. خروج وظهور اصوات اميركية تحمّل السعودية مسؤولية احداث 11 ايلول عام 2001، ودعمها ايضا للارهاب، وصدور قانون "جاستا" الذي يجيز مقاضاة السعودية من قبل اهالي الضحايا للحصول على تعويضات مالية؟
العلاقة الاميركية الاسرائيلية
رغم وجود فتور في العلاقة الشخصية بين اوباما ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، فان ادارة اوباما قدمت لاسرائيل من مساعدات مالية وعسكرية ما لم تقدمه أي ادارة سابقة. وكان الخلاف بينهما هو ان اوباما يريد تحقيق اتفاق سياسي ما بين الفلسطينيين واسرائيل، وكان نتنياهو يعرقل ذلك بوضع شروط.
لقد أعلن الرئيس اوباما انه ضد الاستيطان، ولكن علاقاته القوية مع اسرائيل منعته من الاقدام على أي عمل ضد اسرائيل بهذا الخصوص، حتى ان حق النقض الفيتو استخدم ضد مشروع قرار يدين الاستيطان قدم لمجلس الامن عام 2010.
لقد كان نتنياهو ضد سياسة اوباما في منطقة الشرق الاوسط، وخاصة ايران. ولم يصغ اوباما الى طلبات اسرائيل، وخاصة نتنياهو للتورط في حروب ومواجهات في منطقة الشرق الاوسط، كما حدث مع ادارة الرئيس بوش التي تورطت في العراق، وكان غزو القوات الاميركية للعراق مكلفا ناهيك ان تداعيات هذا الغزو كبيرة، ولم تنته بعد. وان ما يواجهه الشرق الاوسط اليوم نتيجة هذا الغزو.
لقد سعى اوباما الى حل المشاكل بالعقل والسياسة، في حين ان نتنياهو يريد حلها باستخدام القوة والعضلات وهذا يعني توريط اميركا بحروب ليست بحاجة اليها، فيكفيها تورطها في حروب بالوكالة، هذه الحروب ادت الى تعاظم العداء العربي والشرق الاوسط لاميركا، وفقدت اميركا الكثير من الحلفاء، كما ان اوباما لا يريد ان يثقل على الخزانة الاميركية فيكفيها عجزا ومعاناة نتيجة الغزو الاميركي للعراق وتبعاته الخطيرة واهمها ان العراق الذي كان خصما وعدوا لدودا لايران، اصبح اليوم حليفا لها وتحت هيمنتها والى حد كبير!
وفي اطار الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية القوية مع اسرائيل، فقد قام الرئيس اوباما بخطوات داعمة ومساندة لاسرائيل ومن أهمها:-
· منح الدعم السياسي لاسرائيل على الساحة الدولية اذ لم يسمح بتمرير أي مشروع قرار يدين اسرائيل. وكان التصويت ضد أي قرار وخاصة في مجلس الامن الدولي.
· كان ضد الاستيطان، ولكنه لم يفرض أي عقوبة على اسرائيل، كما انه لم يضغط عليها لوقف هذا الاستيطان.
· ساهم بصورة غير مباشرة في تحقيق الاتصالات التي تجري حاليا بين اسرائيل والعديد من الدول العربية، وخاصة الخليجية منها من خلال وسائل عدة!
· غض النظر عن عدة حروب شنتها اسرائيل على القطاع عام 2011 وعام 2013 وعام 2014، بل وفر لها الدعم السياسي والعسكري لهذه الحروب.
· وفّر ميزانية جيدة لتطوير القبة الحديدية "للتصدي للقذائف أو الصواريخ متوسطة ومنخفضة الارتفاع".
· منح اسرائيل 50 طائرة من نوع "اف 35" من خلال صفقة عسكرية قوية جدا. ووصلت الى اسرائيل اول طائرتين من هذا النوع المتطور جدا.
· تم التوقيع على اتفاق مساعدات للسنوات العشر القادمة تمنح اميركا بموجبه لاسرائيل 38 مليار دولار. وهذه المساعدات تم رفعها 800 مليون دولار سنويا عن السنوات العشر السابقة.
· تغاضى عن موقف نتنياهو المعارض لسياسته، وحافظ اوباما على العلاقة الاستراتيجية القوية بين البلدين.
موقفه من القضية الفلسطينية
لقد تفاءل الفلسطينيون من تولي الرئيس اوباما مهامه الرئاسية، وخاصة انه اعرب عن معارضته للاستيطان، لكنه وللاسف لم يفعل الشيء الكثير بخصوص ذلك، بل دعم الموقف الاسرائيلي الى حد كبير.
اوباما ملتزم برسالة الرئيس السابق جورج بوش لرئيس وزراء اسرائيل عام 2004 ارئيل شارون التي تنص على تعهدات منها عدم ازالة المستوطنات. وزير خارجيته جون كيري فشل في تقريب وجهات النظر، حتى انه توصل الى اتفاق لاجراء مفاوضات لمدة تسعة شهور مقابل اطلاق سراح الاسرى القدامى المعتقلين قبل عام 1993، ولكنه فشل وخاصة بعد رفض اسرائيل الافراج عن الدفعة الرابعة من السجناء.
لم تكن القضية الفلسطينية من اولويات مهامه اذ انه انهمك في الشأن الداخلي، وفي المفاوضات مع ايران، وفي الانسحاب من العراق، ومعالجة ومتابعة قضايا عديدة في منطقة الشرق الاوسط.
ولا شك ان الانقسام لعب دورا ما في اضعاف الموقف الفلسطيني. وخلال ولايته تصاعدت وتيرة الاستيطان، وسياسة التوسع استمرت، ولم يستطع احد وقف هذه الاطماع الاسرائيلية في الارض الفلسطينية. وكانت لقاءات اوباما مع الرئيس عباس قليلة وشحيحة خلال فترة الـ 8 سنوات!
الاستنتاج ...
يمكن الاستنتاج بأن الرئيس اوباما ساهم في التوتر العالمي، ودعم الارهاب ومجموعاته العديدة من خلال استخدامه في حروبه ضد الاخرين.
ما يعانيه العالم هو نتيجة سياسة الادارة الاميركية بقيادة اوباما الذي واصل نهج جورج بوش الابن، ولكن بصورة اسوأ.
لم يستطع تحقيق أي انجاز عالمي سوى الاتفاق الدولي مع ايران، وكذلك اقامة علاقات مع كوبا، وابقاء التحالف الاميركي مع اسرائيل قويا ومتينا.
بخصوص عالمنا العربي، فهو يتحمل مسؤولية المؤامرة التي شنت على سورية، وها هي خيوطها الاخيرة تحتضر، ويتحمل مسؤولية الفوضى التي تشهدها الدول العربية.
لم يكن اوباما افضل من بوش.. بل اسوأ منه، وهذا ما أثبتته الممارسات والسياسة الاميركية الخارجية.
لذلك فان رحيله لن يتأسف احد عليه. وهناك رئيس جديد قادم لم تتضح سياسته بعد وحتى الآن.