* المفاوضات السرية مع حركة حماس بشأن إجراء عملية تبادل لم تنقطع
* مطلوب وضع إستراتيجية مواجهة شاملة لوضع حد لسياسة الاعتقال الإداري برمتها
* الاحتلال يواصل حرمان الأسرى من التعليم ويفرض غرامات عليهم
* المرحلة الحالية هي من أكثر المراحل قساوة على الأسرى
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
بالرغم من حالة المد والجزر التي تشهدها قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بين الحين والآخر، إلا أن هذه القضية لا تزال تحتل مكانة بارزة في سلم أولويات الشعب الفلسطيني وقضاياه الجوهرية، لاسيما وأن الآلاف ممن أناروا طريق التحرير، وكانوا شموعاً تحترق من أجل حرية شعبهم، لا يزالون يقبعون خلف القضبان والأسلاك الشاكة، يحذوهم الأمل بفجر جديد تشرق فيه شمس الحرية، ويتنسمون عبيرها.. "البيادر السياسي" تفتح من جديد ملف قضية الأسرى في سجون الاحتلال، وتناقش آخر مستجداتها مع عمر أبو زايدة، مستشار قانوني في الهيئة العامة للأسرى والمحررين في الحوار التالي، الذي دعا خلاله إلى المزج بين الفعل الأهلي والرسمي والمؤسساتي لنصرة الأسرى، كما عرج على واقع الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية في المرحلة الراهنة.
الأسرى الفلسطينيون وقرنائهم
* ضرب الأسرى الفلسطينيون أروع أمثال الصمود في وجه الاحتلال ولا يزالون.. أين يقف الأسرى الفلسطينيون مقارنةً بزملائهم في العالم؟
- الأسرى الفلسطينيون ظاهرة مميزة استفردوا بها عن الكثير من قرنائهم من أحرار العالم ومناضليه، لعل هذه الميزات لا تقتصر على حالات الصمود الأسطوري التي مثلوها، بل بالجوانب النوعية والكمية، حيث أنه من ثورات العالم قاطبة يجتمع داخل سجون ومعتقلات المحتل أعداد ضخمة من أبناء شعبنا، يضاف لذلك الفترة الزمنية الطويلة التي أمضاها أعداد كبيرة من أسرانا، فإن كان المناضل الأممي نلسون مانديلا قد أمضى سبعاً وعشرين عاماً داخل الأسر منفرداً، فإن من بين أبناء شعبنا المئات، بل الآلاف ممن تجاوزوا فترة اعتقال نلسون مانديلا أو قاربوها، فلدينا المئات من مانديلا الفلسطينيون والعرب الذي استطاعوا خلال سنوات أسرهم أن يطوعوا سني الأسر لصالحهم بنضالهم وتضحياتهم ليخرجوا بناة للوطن، بعكس ما كان يهدف المحتل بتحويلهم لعالات على كاهل شعبنا، ولعل المرحلة الحالية هي من أكثر المراحل قساوة يعيشها الأسرى لسببين، يتمثل الأول بالعنجهية المطلقة ليس لإدارة مصلحة السجون فقط، بل لدولة الاحتلال وضربها لكل الأعراف والمواثيق الدولية بعرض الحائط، واعتبار كيانها سلطة فوق القانون في ظل اختلال عالمي لموازين القوى لصالح المشروع الصهيوني، أما من الجهة الأخرى غياب وسائل الضغط المحلية والعربية والدولية، التي من شأنها تجبر الاحتلال على التزامه بالأعراف والمواثيق الدولية، وعدم تعديه على الانجازات التي حققها الأسرى على مدار سني الأسر بنضالاتهم وتضحياتهم.
واقع السجون
* ما هي آخر المستجدات داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية؟
- يمكننا هنا إيجاز المستجدات داخل السجون والمعتقلات الصهيونية والخطوات التصعيدية بالتالي:
- التفتيش الليلي والمفاجىء عبر قوات القمع الخاصة بالسجون بحجج ومبررات واهية، كالبحث عن أجهزة خلوية لدى الأسرى، وما يرافق هذه الحملات من مضايقات وتكسير ومصادرة لمقتنيات الأسرى.
- الاستمرار في إتباع سياسة العزل الانفرادي للقيادات والرموز ولفترات طويلة.
- حرمان الأسرى من زيارة ذويهم، وذلك بعدم منح التصاريح لأقاربهم من الدرجة الأولى، مع حرمان شبه كامل للأسرى من قطاع غزة، وعلى سبيل المثال يوجد في سجن عوفر 40 معتقلاً إدارياً لم يسمح سوى لواحد فقط بالزيارة، ومن بين 530 معتقلاً إدارياً في السجون سمح فقط لـ29 معتقلاً بالزيارة، فكيف يكون الحال مع ألـ7000 معتقل فلسطيني، حيث تتكرر كثيراً إعادة الأهالي من الحواجز العسكرية قبل وصولهم للسجون والمعتقلات رغم المشقة التي يتحملونها لوجود تلك السجون في مناطق نائية وبعيدة . - حرمان الأسرى من الاتصال بذويهم بعد رفض إدارة السجون لتركيب خطوط الهاتف الأرضية التي حُققت بالمعاناة والإضرابات، وتم تشغيلها لفترات بسيطة في عدة سجون ثم سحبت.
- اتخاذ بعض الإجراءات الاستثنائية بحق بعض الأسرى وفقاً لانتماءاتهم، إما بسبب خوضهم معارك الأمعاء لتحقيق مطالب محددة، أو لأسباب مرتبطة بالجنود الأسرى، كما هو الحال مع أسرى حركة حماس في الوقت الحالي.
- ما زال الحرمان ساري المفعول بحق الأسرى في استكمال تعليمهم، وبشكل خاص الجامعي.
- ما زالت سياسة فرض الغرامات ومصادرة الكنتين تستخدم ضد الأسرى ولأتفه الأسباب.
مفاوضات سرية
* جرى حديث حول وساطة تركية لمفاوضات مع حماس حول الجنود الإسرائيليين الأسرى في غزة.. هل من مؤشرات على مفاوضات سرية بهذا الخصوص؟
- المفاوضات السرية مع حركة حماس بشأن إجراء عملية تبادل لم تنقطع مطلقاً، ولعل الوسيط الألماني هو الأكثر فاعلية في ذاك الشأن، والاحتلال يسعى للحصول أولاً على معلومات مجانية عن مصير وعدد أسراه، إلا أن تجربة المفاوض الفلسطيني ترفض تقديم أي معلومات بدون مقابل. والمفاوضات تنطلق أحياناً، وتتعثر أحياناً أخرى، وما تدخل الوسيط التركي إلا بهدف تحريك المياه الراكدة، والاحتلال يهدف لاستغلال العلاقة الطيبة بين النظام التركي وحركة حماس للحصول على معلومات، ولخفض مستوى المطالب الحمساوية، الأمر لن يكون هيناً، خاصة وأن الشروط تزداد بعد اعتقال سلطات الاحتلال لمحرري صفقة وفاء الأحرار، التي يرتبط تحريرهم المسبق كشرط لاستكمال النقاش في باقي بنود الصفقة.
الأمعاء الخاوية
* الإضراب عن الطعام سلاح لجأ إليه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال لمواجهة سياسة الاعتقال الإداري وغيره.. ما مدى فعالية هذا السلاح خاصة بعد إعادة اعتقال الأسرى المضربين بعد الإفراج عنهم ؟
- الإضراب عن الطعام الذي خاضه بعض الأسرى ضد سياسة الاعتقال الإداري وحققوا خلاله نصراً محدوداً، لكنه عظيماً ومحدوديته تمثلت بعدم إلغاء اعتقالهم الإداري فقط، بل إما الحصول على وعد بعدم التجديد لهم، أو التجديد لهم لمرة واحده ولفترة محدودة. والإضراب لم يكن جماعياً من كل الأسرى الإداريين، بل فردياً، لذلك لم يعالج سياسة الاعتقال الإداري من أساسها، بل حل قضايا فردية خاصة بالأشخاص المضربين بالرغم من درجة الخطورة التي وصل لها المضربون عن الطعام، كما هو الوضع حالياً مع حالة الأسير المضرب عن الطعام أنس جرادات، أما عظمة النصر فتكمن في حالة الصمود الأسطوري التي حققها الأسرى المضربون، وانتزاعهم لنصرهم من بين أنياب الاحتلال. ولقد كان للإضراب عن الطعام أثر ايجابي في معارك الأسرى على مدار سني الأسر، استطاعوا من خلاله الانتقال بواقع أسرهم للظروف والأوضاع التي تجيزها الأعراف والمواثيق الدولية كحقوق للأسرى، وبتقديري أنه بالرغم من أهمية هذا السلاح إلا أن الظروف المحيطة بالأسرى لا تحقق النتائج التي يرجى منه، وخاصة ظرف الضغط الجماهيري الميداني على سلطات الاحتلال، وبالطبع لا زال لهذا السلاح أثره في المعارك الفردية، إلا أن المطلوب هو وضع إستراتيجية مواجهة شاملة ليس لحلول فردية، بل لوضع حداً لسياسة الاعتقال الإداري برمتها، وإن كانت الدعوة لتطبق ما تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة بهذا الشأن أولى الخطوات، فإن الخطوة الثانية تستدعي مخاطبة الراعين للاتفاقية لإعادة النظر بهذا النص الذي لا يستخدمه سوى الكيان الصهيوني وبشكل جزافي.
آثار صحية
* ما هي الآثار الصحية التي يتركها الإضراب عن الطعام على الأسرى بعد فك الإضراب؟
- الإضراب عن الطعام هو الامتناع عن تناول الغذاء الذي بدوره يغذي الجسم وأجهزته الداخلية، ومع مرور الوقت يعمد الجسم لتعويض النقص الناتج عن عدم تناول الطعام لما تختزنه الأجهزة الداخلية للجسم. وبعد فقدان الجسم لمخزونه، تبدأ وظائف الأجهزة الداخلية بالتباطؤ في أدائها، وبعد فترة من الزمن تتوقف، وهذا بدوره يترك آثاراً لحظية بشكل واضح، وآثاراً نسبية مستقبلية حتى لو تم فك الإضراب وتناول الأسير للطعام. وللتخفيف من وطأة وأثار الإضراب يعمد الأسرى أو معالجيهم للتغذية المنهاجية، أو التسلسلية لتقبل الجسم وأعضائه لهذه التغذية، إلا أن بعض الآثار تبقى ملازمة، خاصة في المعدة وانخفاض لوظائف الكبد، وحالة الدوار الناتج عن ضعف التغذية المناسبة للدماغ خلال فترات الإضراب.
التغذية القسرية
* هناك تلويح بالتغذية القسرية للأسرى.. هل طبقت سلطات الاحتلال ذلك ؟ وما مدى خطورته على صحة الأسرى؟
- نعم لقد سبق وأن طبقت سلطات الاحتلال على الأسرى خلال الإضراب عن الطعام، وذلك في الحالة التي يمتنعون بها عن تناول المغذيات، حيث أن القانون يسمح للمضرب عن الطعام بعد مرور ثلاث أيام من الإضراب بتناول كاس من الحليب يومياً، وذلك بحكم محكمة بعد إضراب نفحة الشهير عام 81، والذي استخدمت فيه التغذية القسرية المتمثلة بإدخال أنبوب عن طريق الأنف إلى المعدة، وسكب المغذيات بها، حيث أنه قد يدخل الأنبوب إلى الرئة بدلاً من المعدة، وهذه الطريقة أدت إلى استشهاد علي الجعفري وراسم حلاوة وتبعهم بعد عام تقريباً الشهيد اسحق مراغه. ووفقاً لحكم المحكمة، لا يعتبر تناول الأسير لكأس الحليب باليد كسراً للإضراب، وفي حالات المعارك التي خاضها الأسرى الإداريون الذين أضربوا عن الطعام، توقف العديد منهم عن تناول المغذيات، لذلك تهدد سلطات الاحتلال بإتباع التغذية القسرية، وهذا من شأنه أن يهدد حياة الأسرى، أو أن يلحق بهم ضرراً كحد أدنى، وخاصة في المعدة نتاج للجروح التي يمكن أن يسببها الأنبوب.
تفعيل القضية
* هل من رسالة توجهونها لتفعيل قضية الأسرى؟
- رسالتنا لتفعيل قضية الأسرى تتمثل بضرورة النظر لها كقضية مركزية أسوةً بالقضايا الأخرى كاللاجئين والاستيطان والمياه والحدود، لذلك يجب أن يتم التعامل معها بشمولية عبر المزج والتنسيق بين الفعل الرسمي والأهلي والمؤسساتي، وأن لا يقتصر الاهتمام بها رسمياً على النشاطات والخدمات التي تقدمها الهيئة العامة للأسرى، بل أن تكون جزءاً من المنظومة الشاملة للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وأن تجد لها المكان المناسب في أنشطة وزارة الخارجية وسفاراتها وقنصلياتها وممثلياتها، وأن تطرح قضية الأسرى ومعاناتهم، وتحديد الوصف القانوني لهم على الأمم المتحدة، والسعي لضمان حقوقهم المكتسبة، وما تمنحه لهم المواثيق والأعراف الدولية بصكوك وقرارات دولية وأوروبية، خاصة وأن الاحتلال الصهيوني هو الاحتلال الوحيد على الأرض.