ازالة الفتور في علاقة فلسطين مع الدول الشقيقة
تدرك وتعرف القيادة الفلسطينية أن اسرائيل تعيش في "أوهام" شهر عسل سياسي، لأن الادارة الاميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب توفر لها الدعم الأعمى في كل المجالات السياسية، وفي كل ممارساتها على الأرض مع بعض الطلبات الخفيفة والهامشية جدا.. وتتوقع القيادة الفلسطينية أن تواجه العديد من الضغوطات والسيناريوهات السيئة، وهي عديدة.
السيناريوهات السيئة
أول سيناريو قد تواجهه هو اجبارها على العودة الى طاولة المفاوضات المباشرة مع اسرائيل من دون التمسك بشرط تجميد الاستيطان، اذ أن مطالب اميركا بعدم بناء مستوطنات جديدة في الضفة، مع السماح لها بالبناء داخل المستوطنات القائمة سيعتبر بأنه شبه تجميد للاستيطان، علماً أن ادارة ترامب لا تطلب تجميد البناء الاستيطاني في القدس لانها تعتبر القدس جزءاً من اسرائيل.
وقد ترفض القيادة الفلسطينية هذه الضغوطات الاميركية، لكن ما يقلق أن العديد من الدول العربية الموالية لاميركا، والمرعوبة من سياسة الرئيس ترامب تجاهها، ستساهم في هذه الضغوطات، وتقول للقيادة الفلسطينية ان العودة للمفاوضات في ظل منع اقامة مستوطنات جديدة هو بمثابة تبرير للنزول من على الشجرة، وبالتالي التخلي عن شرط تجميد الاستيطان كاملاً.. وان الضغوطات العربية ستكون اكثر ايلاماً من الضغوطات الاوروبية والاميركية.
أما السيناريو الثاني المتوقع فهو ان تقوم عدة دول عربية بالتغاضي عن بنود المبادرة العربية التي اقرت في قمة بيروت عام 2002، وان تطبع العلاقات مع اسرائيل قبل أي انسحاب اسرائيلي، وتقبل بشطب بند حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وهذه الخطوة ستعتبر بمثابة طعن للشعب الفلسطيني، وستكون القيادة الفلسطينية في وضع صعب جدا.
والسيناريو الثالث يكمن في أن بعض القادة العرب، ونتيجة تعاونهم مع اسرائيل بصورة سرية، وتلبية لرغبة الرئيس ترامب، سيصادرون القرار المستقل للقيادة الفلسطينية، وقد يشكلون وفدا عربيا للتفاوض مع اسرائيل حول الاتفاق لانهاء الصراع مع اسرائيل، وسيتم التوصل الى حل، أو ستتم عملية فرض حل لا يقبل به الشعب الفلسطيني، ولكنه قد يفرض بالقوة عبر:
1. محاصرة الشعب الفلسطيني، وفرض عقوبات اقتصادية عليه.
2. وقف كل المساعدات المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية.
هذا السيناريو قد لا يتم خوفا من ردود فعل الشعوب العربية، وخوفا من ان الشعب الفلسطيني ينتفض، وبالتالي يعود الى المقاومة بشتى أنواعها الشعبية والعسكرية والسلمية، وقد يُجبر المجموعات المتطرفة الارهابية على تحويل توجهها وبوصلتها نحو فلسطين.
وهناك خشية هؤلاء القادة العرب على كراسيهم، لان مثل هذا السيناريو سيعتبر بمثابة سيناريو "استسلام وخذلان"!
أما السيناريو الرابع والخطير فهو ي ادخال العرب في صراع شرس وعنيف مع ايران، وخلق فتنة دينية خطيرة، واستمرار تعزيز الازمات والمؤامرات التي تعيشها بعض الدول العربية. هذا الوضع سيضع القضية في ثلاجة لفترة لان العرب واسرائيل وكل العالم، جميعا سيكونون منهمكين في متابعة هذا الوضع.. علماً أن مثل هذا السينايو يخدم اسرائيل لان العرب يدخلون في صراع ديني، ويتناسون القضية المركزية.
هناك سيناريو خامس، وهو أن اسرائيل ترفض العودة الى طاولة المفاوضات في الفترة الحالية، وخاصة أنه يتم الحديث الان حول اجراء انتخابات مبكرة، وهذا يعني انشغالها في امورها السياسية. ورئيس وزراء اسرائيل يريد هذه الانتخابات في محاولة للنجاة من التحقيقات التي تتم معه حول ثلاث قضايا فساد.
كما ان حكومة نتنياهو الحالية واليمينية لن تقبل التنازل عن أي شبر من الاراضي المحتلة، اذ تعتبر اراضي الضفة هي اراضي يهودا والسامرة، وهي اراضٍ يهودية عبر التاريخ. كما ان هناك مجموعة كبيرة من الوزراء ورؤساء احزاب يرفضون "حل الدولتين"، ويؤمنون باستمرار السيادة الامنية على كامل الضفة الغربية، ويدعون الى حصول القيادة الفلسطينية على ادارة الشؤون المدنية باشراف اسرائيلي.. أي ان لا حكما ذاتيا ولا استقلالا للشعب الفلسطيني، بل سيبقى تحت نير الحتلال.
تحرك مكثف
قام الرئيس عباس بزيارة عدة عواصم عربية واوروبية من اجل انقاذ خيار حل الدولتين، ومنع فرض حلول لا يقبل بها الشعب الفلسطيني، وحاول الرئيس حشد التأييد العربي لمواقفه قبل عقد القمة العربية، وشرح أخطار السيناريوهات المعدة لتصفية القضية الفلسطينية، وشل السلطة الوطنية الفلسطينية. وشرح أسباب رفض الشعب الفلسطيني لأي حل مفروض لا يأخذ بعين الاعتبار حق العودة أو الثوابت الفلسطينية.
حل الدولتين هو خيار في وضع خطير، اذ أن القيادة الاسرائيلية تعمل على الغائه لأنها لا تريد سلاما، ولا تريد اقامة دولة فلسطينية، ولا تريد استقراراً في المنطقة... وحذر الرئيس عباس من طرح اليمين الاسرائيلي لحلول أخرى خطيرة، ومنها الخيار الاردني والخيار المصري، أي تحل القضية على حساب اراضي مصر والاردن، وهذا الامر يرفضه شعبنا الفلسطيني. وسيقاومه.
خلاصة القول أن المرحلة القادمة صعبة سياسيا، وكل الامل في تجاوزها بسلام لان العصر الذي نعيشه هو عصر "التياسات" و"المنطق الأعوج". ولا بدّ من ان ترص الصفوف الفلسطينية لمواجهة ما هو آت.