عندما يتابع المرء جلسات الاستماع للعديد من الشهود أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي أقيمت للكشف عن الحقيقة في من قتل الرئيس رفيق الحريري يوم 14 شباط 2005، فانه يظن بأنه يشاهد أو يتابع مسرحية سياسية هزلية مضحكة. فكل الشهود يدلون ببيانات، وكل هذه البيانات سياسية، حتى انها متناقضة.
في أي محكمة جادة تكون الشهادة غير سياسية، أي أنها تكون مهنية في طابعها القضائي والقانوني، لا أن تكون منبراً حتى "ينفس" كل واحد من الشهود ما في قلبه من حقد أو كراهية ضد أعدائه، أو ضد خصومه، أو ضد منافسيه.. وان تتجنب المحكمة بحث المواضيع السياسية، فاذا كانت كذلك فلا حاجة لها، لأنها ستضيع الحقيقة، ولن تستطيع كشفها.
ويبدو أن جلسات هذه المحكمة طويلة الأمد، فان الشاهد الواحد يدلي بشهادته على مدار أيام، وهذا أمر غير منطقي.. واغرب الشهادات التي قدمت للمحكمة شهادة فؤاد السنيورة التي كانت مليئة بالتناقضات والمغالطات والاتهامات، وعبّر عن حقد شخصي ضد حزب الله، أي للمقاومة في لبنان.
كذلك شهادة وليد جنبلاط الزعيم التقدمي الاشتراكي، اذ انه سرد تاريخ حياة والده، وعاد ليتهم سورية بالوقوف وراء اغتيال والده، ولم يذكر في افادته أنه كان من رجال سورية قبل العام 2005، وانه لم يُبارحها الا بعد أن وقعت جريمة اغتيال الحريري، فانجر الى تحالف 14 آذار، وهو يدرك أن هذا التحالف، ولو كان رفيق الحريري حياً، لما دعمه ووقف الى جانبه.
كل انسان شريف، وكل لبناني يريد أن يعرف الحقيقة حول حادثة اغتيال "رفيق الحريري"، وكيف تمت، ولذلك فانه يرى أن المحكمة الدولية تبتعد عن أهدافها الأساسية التي أنشئت من أجلها.. وتحوّلت الى رقابة على وسائل الاعلام اللبنانية اذ استدعت اعلاميين لبنانيين لمحاكمتهم، وخاصة قناة الجديد ممثلة بالصحفية الزميلة كرمى الخياط التي حضرت الى منصة الشهادة وقالت بكل جرأة موقفها الثابت في الدفاع عن حرية الرأي.
ومن هنا، فانه لو كانت المحكمة جادة ومهنية وتريد الكشف عن الحقيقة، فكان عليها أن تستدعي ديتليف ميليس، المحقق الألماني الدولي في الجريمة، لتراجعه وتستجوبه على تصريحاته العديدة وتسريباته معلومات عديدة عن مجريات التحقيقات التي تمت في عهده.. وعليها أن تحاكم جميع الصحف وليس قناة الجديد وجريدة "الاخبار" اللبنانية وحدهما، والتي سربت معلومات من داخل هذه المحكمة.
إن هذه المحكمة تضيّع الحقيقة لا تبحث عنها، لذلك فان على لبنان الدولة، ولبنان القادة السياسيين، أن يوقفوا هذه المسرحية المكلفة جدا مالياً، وسياسياً، وسيادة.. وعليهم أن يكونوا جريئين في توجيه النقد لهذه المحكمة، واجبارها على سلوك مسارها الصحيح أو الغاءها!
(أبو نكد)