اجراءات اسرائيلية يوميا تشهدها مناطق الضفة الغربية، وجميعها تؤكد أن اسرائيل لا تريد اقامة دولة فلسطينية حتى ولو كانت "ممسوخة" وضعيفة جدا جدا.
من هذه الاجراءات سن قانون في الكنيست يلزم مستوطنو الضفة الغربية على الانصياع للقوانين الاسرائيلية، اي بمعنى آخر ضم المستوطنين الى اسرائيل "شرعيا وقانونيا". ورغم ان القانون يعارضه رئيس وزراء اسرائيل، لا لانه ضده بل لانه لا يريد عداء دول له، ولتفادي عزل اسرائيل سياسيا، الا انه وعلى ارض الواقع مُطبق لأن أوامر عسكرية تصدر عن قائد المنطقة الوسطى بين حين وآخر يلزم هؤلاء المستوطنون بتنفيذ وتطبيق القوانين الاسرائيلية.
واجراءات أخرى واضحة المعالم تعرقل اي جهد لتحقيق سلام، واهمها تصعيد البناء الاستيطاني، حتى ان رئيس الكنيست ووزراء يشاركون في وضع حجر الاساس للبناء في هذه المستوطنة او تلك.
وهناك دعوات حزبية واضحة ووقحة تطالب بضم مناطق "جـ" الى اسرائيل. وهذا يعني ان المناطق المتبقية "أ" ستكون مقطعة الاوصال في حال ضم مناطق "جـ" لاسرائيل.
كل هذه الاجراءات تتم وتجري وتمارس وتطبق امام نظر وسمع العالم، وليس هناك من يقول: كفى لاسرائيل، وكفى للاحتلال وكفى لعدم الاستقرار.
هذه الممارسات والاجراءات تؤكد عدة امور واهمها ان اسرائيل ليست معنية بقيام دولة فلسطينية، اي انها ضد حل الدولتين.وهذا يعني ان خيار حل الدولتين قد ولى ومن المستحيل تطبيقه، لان حكومة اسرائيل يمينية متطرفة ترفض التنازل عن اراضي الضفة، وكذلك لان هذه الحكومة غير قادرة على تطبيق اي قرار قضائي لازالة مستوطنة عشوائية واحدة تقطن فيها بضع عائلات فقط.. فكيف ستقدر على ازالة مستوطنات يعيش فيها حوالي نصف مليون مستوطن!
واذا كان حل الدولتين قد ولّى من دون رجعة، فما العمل وما الطرح أو الخيار البديل؟
ليس هناك بديل سوى الصمود والبقاء والحفاظ على الوجود الفلسطيني، ومحاولة تعزيز هذا الصمود بشتى الطرق والوسائل، والاعتماد على عامل الزمن، فانه لصالح شعبنا.. لان اسرائيل ستواجه مشكلة ديمغرافية، وستضطر كما هو الحال في جنوب افريقيا، الى اقامة دولة واحدة ثنائية القومية. ومن اجل الوصول الى هذه الدولة لا بدّ من توقع اجراءات اسرائيلية تعسفية من طرد او ترحيل اكبر عدد ممكن من سكان هذه المناطق بشتى الاعذار والوسائل، ولكن التعاون والتعاضد والتكافل بين ابناء الشعب الواحد هو كفيل ببقاء هذا الشعب صامداً محافظاً على وجوده في ارض اجداده.
قد يتساءل أحدهم: ما هو دور السلطة الوطنية؟ والاجابة على هذا السؤال صعب جدا، ولكن يمكن ان ينحصر دورها في ادارة الصراع لامد طويل، وتوفير الدعم للشعب الفلسطيني، وتفادي التوقيع على اي اتفاق، ورفض الضغوطات الممارسة عليها، وتصر على عدم قبول اي حل غير دولة فلسطينية، كاملة السيادة على جميع المناطق الفلسطينية المحتلة في 5 حزيران 1967، واصرارها ايضا على حق العودة، عندها تتحمل اسرائيل مسؤولية فشل الجهود السياسية.
كما ان على القيادات الفلسطينية ان تعمل على امر مهم واحد، وهو تحقيق المصالحة، والتمسك بوحدة وطنية حقيقية وثابتة، لان مصلحة الوطن وابنائه يجب ان تكون فوق كل المصالح الحزبية والفئوية.
هذه نصيحة نقدمها لكل من هو معني بملف قضيتنا من قادة في فلسطين وفي العالمين العربي والاسلامي.. فلا تراهنوا على اسرائيل، ولا تبنوا آمالاً وهمية، اذ انها تريدكم ضعافا وهزلاء ومستجدين في دعمها ومساندتها.
قد تخدعكم اسرائيل بقبول جزء من المبادرة العربية، وتطلب اقامة علاقات مقابل عدم تقديم أي شيء.. ونطلب منكم اذا لم تريدوا دعم القضية الفلسطينية، فعلى الاقل لا تمارسوا ضغوطات علينا لقبول ما هو مرفوض، ومخالف لثوابتنا الوطنية.
اسرائيل تنتهج سياسة الخداع ليس للقادة العرب بل للجميع، فهي لا تحترم الاتفاقيات الموقعة معها، ولا تريد الا ان تكون مهيمنة على العالم العربي بشتى الطرق، ولو كانت قذرة ومدمرة.
لقد رحل حل الدولتين، ولن يكون هناك سلام اذا لم تمارس ضغوطات حقيقية على المحتل الظالم.. ويجب ان يدرك العالم ان للصبر حدوداً، وان من اسباب عدم استقرار المنطقة هو عدم حل القضية حلاً عادلاً وشاملاً، لان اسرائيل لا تريد سلاماً دائماً فقادتها يخشون السلام الحقيقي العادل والشامل!