* قد يتطاول الإسرائيليون ويفرضون الجزية على بعض العواصم العربية ..!!.
* الشعب الفلسطيني لا يزال صامداً ويقاتل في خندق الدفاع الأول عن حقوقه وكرامة أمته
* الاحتلال حاول الهروب إلى الأمام وأضمن محطات الهروب هو التصعيد على غزة
* هناك إجماع رسمي وشعبي وفصائلي على استحقاق أيلول
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
فجأة وبدون أي سابق إنذار.. الأرض تهتز والشبابيك تتكسر والجدران تتطاير، فما الذي حدث ؟.. إنها غربال السماء ألقت حمولتها الفتاكة صوب منزل أو ورشة، أو موقع أمني أو سيارة، أو مجموعة من الناس.. أشلاء تتطاير، وأجساد محترقة ومتفحمة، وبنايات تحولت في لحظة إلى كومة من الركام، فما الذنب الذي اقترفه هؤلاء الضحايا ؟!.. عدوان جديد تعرض له قطاع غزة عنوانه القتل وسفك الدماء.. في غزة كل شيء مستباح، لا حرمة لطفل أو شاب، أو شيخ أو امرأة أو بيت أو مسجد أو كنيسة، كل شيء تحت نيران الطائرات التي لا تفرق بين أحد.. الهدف هو القتل وسفك المزيد من الدماء.. فما هي دوافع هذا العدوان ؟ وهل عملية ايلات أشعلت فتيل الحرب، أم أن العدوان كان مبيتاً ؟ وهل تصمد التهدئة الجديدة وتحقن الدماء الفلسطينية أم ستنهار؟.. هذه الأسئلة وأخرى طرحتها "البيادر السياسي" على الأمين العام للجبهة العربية الفلسطينية جميل شحادة في الحوار التالي.
الهروب إلى الأمام
* عدوان إسرائيلي جديد على قطاع غزة وتهدئة جديدة، كيف قرأتم تطورات الأحداث ؟ وما هي دوافع هذا العدوان؟
- من الواضح أن هذه الحكومة الإسرائيلية تعيش مأزقاً كبيراً، فعلى الصعيد الداخلي لديها مشاكل، وكذلك على صعيد علاقاتها الدولية، أهمها مواجهتها للاستحقاق الفلسطيني في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولهذا التأييد الدولي الواسع للمطلب الفلسطيني بالاعتراف بالدول الفلسطينية، فلا مفر أمامها سوى الهروب إلى الأمام، وبالتالي أضمن محطات الهروب هو هذا التصعيد على غزة بهدف إشغال الرأي العام العالمي بأن هناك وضعاً أمنياً متفاقماً في غزة وإسرائيل، وبالتالي الناس ستلتفت إلى هذا الحدث الساخن على حساب الاستحقاق الفلسطيني في مجلس الأمن، فهذه الخطة التي لجأت إليها الحكومة الإسرائيلية فقامت بهذا العدوان غير المبرر، وغير الأخلاقي، فهو عدوان ظالم على أهلنا وأبناء شعبنا في قطاع غزة ليسقط كواكب من الشهداء والجرحى، معتقدين بأن هذا أفضل غطاء لهذه الحكومة من أجل الهروب من استحقاقاتها.
* في ظل الحديث عن التهدئة، هل تنجح هذه التهدئة في إعادة الهدوء إلى جبهة قطاع غزة؟
- أعتقد أن الطرف الإسرائيلي هو أكبر مستفيد من التهدئة خلال العامين الماضيين وخاصة في قطاع غزة والتي لم يشهد لها القطاع مثيل منذ قدوم السلطة حتى الآن، فالاحتلال يحتاج إلى هذه التهدئة، وأعتقد بأن هناك جهوداً دولية تمارس ضغوطاً حقيقية على الحكومة الإسرائيلية من أجل العودة إلى التهدئة.. أعتقد بأنه سيكون هناك خلافاً داخل هذه الحكومة الإسرائيلية بين العودة إلى التهدئة، ومواجهة الاستحقاق الفلسطيني، وبين الهروب من الاستحقاق الفلسطيني ومواجهته بالتصعيد العسكري على قطاع غزة والفلسطينيين وفصائل المقاومة في القطاع.
تصدير الأزمة
* ولكن كما تعلمون أن نتنياهو يعاني من أزمة داخلية واحتجاجات شعبية، هل سعى إلى تصدير أزمته الداخلية إلى غزة من خلال العدوان؟
- بالتأكيد، كل ما عمله نتنياهو الآن هو تصدير لأزمته الداخلية، فقد أعلنت المقاومة الشعبية أنه ليس لها علاقة بالعملية التي حدثت في إيلات، ومع ذلك استهدفت قوات الاحتلال فصائل المقاومة، والشعب الفلسطيني وقياداته وكوادره في قطاع غزة، واستهدفت مناطق مدنية وسقط شهداء مدنيون في القطاع، مما يؤكد أن حكومة الاحتلال لا تواجه تهديد، وإنما تريد أن تصدر أزمتها الداخلية من خلال هذا التصعيد العسكري على قطاع غزة، لذلك نقول وبشكل واضح أن هذه اللعبة أصبحت مكشوفة، حيث أن العالم تنبه منذ اللحظات الأولى إلى هذا المأزق الذي تعاني منه حكومة نتنياهو، وصدرت إدانات واضحة من قبل الأطراف الدولية، وخاصة الأطراف التي تدعي أنها حليف للطرف الإسرائيلي، سواءً أمريكا أو فرنسا أو ألمانيا أو دول أوروبا، فكل العالم أصبح يطالب الحكومة الإسرائيلية بوقف عدوانها وقصفها ضد المدنيين في قطاع غزة.
*وزراء من حكومة نتنياهو أعلنوا أنهم لا يستبعدون إقدام جيش الاحتلال على عملية برية ضد قطاع غزة، هل تتوقعون أن تقدم حكومة الاحتلال على شن حرب جديدة على القطاع؟ وهل من مؤشرات على ذلك؟
- غير مستبعد على هذه الحكومة أن تقوم بأي شي، ولكن بالحسابات أستبعد أن يكون هناك عدوان شامل على قطاع غزة، لأنه سيكون الطرف الخاسر من وراء هذه الحرب هو الطرف الإسرائيلي كما حصل في عدوان عام 2008-2009، لذلك سيكون لحكومة الاحتلال حساباتها الخاصة قبل أن تقدم على أي حرب جديدة، خاصة أن هناك متغيرات في الساحة العربية كانت تحسبها إسرائيل وأمريكا أنها لمصلحتها، وثبت أن هذه المتغيرات أصبحت تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وفي مصلحة القضية الفلسطينية، والحصار الذي فرض على السفارة الإسرائيلية في القاهرة هو أحد العناوين الرئيسية لهذه المتغيرات التي حصلت في الساحة العربية، والتفاعلات الجماهيرية والشعبية في الدول العربية جميعها تصب في مزيد من التمسك بالقضية الفلسطينية، وتبني مطالب الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، ووقفة حاسمة ضد سياسة الاستيطان التي تحاول إسرائيل أن تتوسع بها من أجل خلق ضجة على حساب التحرك الفلسطيني باتجاه الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
* جامعة الدول العربية أدانت العدوان الإسرائيلي، هل تتوقعون أن تشهد الجامعة العربية تغيراً جوهرياً بعد التغيرات في بعض الدول العربية بما يمكن من اتخاذ قرارات جريئة أكثر من تلك التي مضت؟
- أعتقد أن ما يجري في الساحة العربية لن يكون بمعزل عن الجامعة العربية والأنظمة العربية، وسيؤثر على مواقفها بشكل جدي، لكن إلى أي مدى ؟.. أعتقد بأن هذا الموضوع لن يكون بشكل مفاجئ، وإنما سيكون بشكل تدريجي.. الآن صدرت إدانة وغداً سيصدر موقف باتجاه التهديد بسحب السفراء ووقف العلاقات، وسيكون هناك موقف حازم أكثر جدية مستقبلاً طالما هناك تفاعل وتأييد شعبي وعربي تجاه القضية الفلسطينية.
استحقاق أيلول
* مع اقتراب موعد استحقاق أيلول لا تزال حالة الانقسام سائدة في الأراضي الفلسطينية بالرغم من توقع اتفاق المصالحة.. إلى أي مدى ممكن أن تؤثر هذه الحالة على الموقف الفلسطيني ؟ وكيف يمكن أن نقدم على هذا الاستحقاق ونحن منقسمون؟
- إنهاء الانقسام أصبح ضرورة ملحة ويضع المسؤولين في الفصائل الفلسطينية المعنية أمام مسؤولياتها، خاصة أن الإخوة في حركة حماس قدموا خطوة مهمة بالتوقيع على اتفاق المصالحة، وعليهم تقديم المزيد من المرونة باتجاه تنفيذ اتفاق المصالحة، وخاصة في موضوع تشكيل الحكومة التي سوف تستغرق مدتها عشرة أشهر لنذهب إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية، ونذهب بموقف موحد باتجاه استحقاق أيلول، خاصة وأن هناك إجماعاً رسمياً وشعبياً وفصائلياً على استحقاق أيلول، فالكل مجمع على الذهاب إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة لنيل الاعتراف لكامل بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، ووقف الاستيطان.. أعتقد أن هذا يستحق منا أن نتجاوز خلافاتنا وأن نقدم مزيداً من المرونة في برامجنا الخاصة لمصلحة البرنامج الوطني العام.. هذا نداء موجه للجميع، وخاصة أن العدوان الأخير على قطاع غزة يفرض علينا أن نواجه هذا العدوان موحدين.. حماس واجهته على الأرض، والرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية واجهوه بدعوة مجلس الأمن إلى الانعقاد بدورة خاصة من أجل وقف هذا العدوان وإدانته، ومن أجل فرض على إسرائيل الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وبالأمن والسلام في المنطقة.
* لكن كما تعلمون لا تزال المصالحة تراوح مكانها عند نقطة اختيار رئيس وزراء الحكومة المقبلة، فهل حقاً القضية هي قضية رئيس وزراء أم أن هناك خلافات أعمق من ذلك تعيق تشكيل الحكومة الجديدة؟
- على ما يبدو الكل مستمرئ الواقع الموجود ويحاول أن يكيفه وفق مصالحه، لكن أعتقد أن هذا المنطق وهذا التصرف لن يكون في المصلحة الوطنية والشعب الفلسطيني يدرك ذلك، ويعي كل الخطوات التي تتخذها القيادة السياسية، وبالتالي إذا لم تكن هناك خطوات جدية باتجاه تنفيذ اتفاق المصالحة، فعلى الجميع أن يواجه الشارع الفلسطيني الذي هب في 15آذار، و15 أيار وفي شهر نيسان من أجل أن يفرض علينا جميعاً أن ننجز اتفاق المصالحة أولاً، وأن ننفذ هذا الاتفاق كما تم التوقيع عليه.
مأزق أمريكي
* هل تتوقعون أن تنجح جهود القيادة الفلسطينية في معركة أيلول؟
- بالتأكيد فهذه معركة سياسية كبيرة وضعت الموضوع الفلسطيني على أجندات كل حكومات العالم.. 194 دولة أصبح على أجندتها موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي، والاعتراف بدولة فلسطين، فالبعض منها اعترف وبلغ عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين 122 دولة، وبقية الدول التي لم تعلن موقف حتى الآن لا تزال تدرس هذا الموضوع.. هذا حدث سياسي كبير وضخم، وبالتالي بغض النظر عن النتائج التي سوف نخرج بها في معركة أيلول، بمعني إذا استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو في مجلس الأمن، فإن الكاسب الأكبر من هذه المعركة السياسية هو الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، لأن الطرف الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية متمسكة بالموقف الإسرائيلي ستواجه في كل زيارة وعلاقة بسؤال واضح من الجميع ما هو موقفكم من الموضوع الفلسطيني والاعتراف بالدولة الفلسطينية ؟.. هذا مأزق كبير ستواجهه الولايات المتحدة الأمريكية والطرف الإسرائيلي.
* لا أحد يجرؤ أن يقول لأمريكا لا.. فبماذا يفيد المأزق الأمريكي في ظل هذا الواقع ؟.
- أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية لها مصالح في المنطقة، والموقف السياسي لأي طرف يجب أن يدخل في حسابات الولايات المتحدة، فما بالك إذا كان هذا الموقف هو موقف مؤيد للطرف الفلسطيني ومتناقض مع الطرف الأمريكي.. إذا كان التعبير عنه بإعلان موقف سياسي من قبل الدول التي اعترفت بالطرف الفلسطيني، فمستقبلاً سيكون التعبير عنه بالمساومة بين موقف الولايات المتحدة الأمريكية المؤيد للطرف الإسرائيلي ظلماً وزوراً وبهتاناً، وبين مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة أن هناك انطلاقة وهبة ونهضة جماهيرية واسعة، سواءً في الدول التي تشهد صراعات ومسيرات ومظاهرات وثورات معلن عنها، أو في الدول التي لم تعلن عن هذه الثورات، ولكن هناك تفاعلاً للوسط والدور الجماهيري مما يفرض على الحكومات أن تضع هذه المتغيرات في حسابها عندما تتخذ أي موقف سياسي.
مهادنة وتعايش..!!
* هل من دعوة توجهونها للدول العربية في هذا الشأن؟
- نقول أن الدول العربية عليها أن تستفيد من هذه المرحلة، وأن تدرسها دراسة وافية وجيدة، وأن تعلم أنها في سياستها السابقة بالمهادنة والتعايش مع مصالح الولايات المتحدة والارتباط بها لم تحصد النتائج المرجوة، وما حصل في مصر وتونس شاهد على ذلك، فلم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية أن تحمي حلفاءها، ولن تستطيع أن تحمي حلفاءها في المرحلة القادمة، لذلك على هذه الدول أن تأخذ الحراك الشعبي الجماهيري العربي في حساباتها عندما تتخذ مواقفها. ونقول للجماهير والثورات العربية لا يزال الشعب الفلسطيني صامداً ويقاوم الاحتلال، ويقاتل في خندق الدفاع الأول عن حقوقه وكرامة أمته، وهو ينتظر وصول هذا المد الجماهيري والدعم القومي العربي إلى الشعب الفلسطيني حتى ينتصر في معركته، لأنه إذا لم ينتصر الفلسطينيون في معركتهم، ستكون هناك كارثة على كافة العواصم العربية، وقد يتطاول الإسرائيليون ويفرضون الجزية على بعض العواصم العربية ..!!.
* بالرغم من الواقع السائد، هل أنتم متفائلون؟
- نعم نحن متفائلون جداً في المرحلة القادمة، حيث أن الشعب الفلسطيني خرج من إطار العمل السياسي التقليدي والروتيني إلى العمل السياسي الأكثر فاعلية، إلى مشاركة الجماهير الفلسطينية والشعب الفلسطيني كله في المعركة القادمة التي لم تعد مقتصرة على القيادة الفلسطينية أو الفصائل الفلسطينية التي قادت النضال خلال المرحلة الماضية. ونحن متفائلون بأن هذه المرحلة ستولد قوى سياسية وبرامج أكثر قدرة على التعامل مع طبيعة الظرف الراهن، وهذا سيكون في مصلحة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.