ليبيا تشتري نفطها بعد استعماره بقرار "دولي"
المعارضة الليبية الشريفة ستفرز قريباً
مقاومة وطنية ضد المستعمر الجديد
ما جرى في ليبيا مؤامرة حيكت منذ سنوات
سقوط طرابلس هو تكتيك للقذافي
لجر "المتمردين" نحو الجنوب والى نفق مظلم وطويل
تتابع وسائل الاعلام الغربية والمستعربة موضوع مصير معمر القذافي، أين اختفى وأين متواجد، هل يستسلم، هل ينتحر، وهل وهل.. وتتناسى في الوقت نفسه أن ما يحدث في ليبيا هو أمر خطير جداً، إذ أنها استعمرت من جديد ولكن بطريقة "حضارية" و"عولمية" ومبررة.. وبمشاركة زمرة من الذين كانوا في الحكم الى جانب القذافي، وتحت شعار "ثورة شعبية"، وهي في الواقع ليست شعبية، وليست ثورة، بل هي في الواقع انقلاب أو تمرد ضد القذافي الذي يدفع اليوم ثمن استسلامه للغرب، ومسايرته له، والرهان عليه، ويدفع ثمن تعاون أجهزة أمنه واستخباراته مع أجهزة الأمن في كل من اميركا وبريطانيا والعديد من الدول ليثبت لهم ولاءه، لكن ما قدمه لهم، أي للغرب، لم يكن كافياً، فأرادوا التخلص منه بوسيلة جداً حضارية وشرعية في نظرهم بوضع مؤامرة مدروسة طبقت حسب ما يريدون، وها هي ليبيا ترزح تحت احتلال حضاري بمشاركة فئة من "قادة" ليبيا السابقين، والجدد.
50 ألف قتيل
وسائل الاعلام الغربية لم تذكر كثيراً ان ثمن سقوط طرابلس حتى الآن هو 50 ألف قتيل ليبي، وكلهم سقطوا على يد القصف الجوي الذي قامت به طائرات سلاح جو "الناتو" مدعوما من بعض الدول العربية.
هل ذكرت أو غطت هذه الوسائل المجازر الكبيرة التي تعرّضت لها ليبيا جراء هذا القصف الجوي، وكم من المواطنين الأبرياء راحوا ضحية لهذا "العدوان" الذي أقره مجلس الأمن الدولي المفروض أن يحافظ على الشعوب ولا يصفيها ويعرضها لمجازر.
هل كشفت هذه الوسائل حجم الأضرار المادية التي تعرّضت لها ليبيا، وكم من السنوات تحتاج لاعادة اعمارها.. وهل علّقت كيف أن صداقة الغرب هي صداقة مصالح لا تقوم على أي مبدأ.. فالقذافي استضاف وصادق وزامل وقوى علاقاته "الشخصية" مع بعض زعماء اوروبا، وها هم أصدقاء قبل شهور فقط يتآمرون عليه!
كيف سقطت طرابلس
بعد حوالي ستة شهور من القتال سقطت العاصمة طرابلس بيد "الثوار" أو "المعارضين" كما تصفهم وسائل الاعلام الاستعمارية. رغم أنها كانت محصنة جداً.. ويمكن القول أن سقوط طرابلس لا يعني تماماً سقوط نظام القذافي كاملاً، فهو ما زال يقاتل حتى اليوم، واختفى وما زالت هناك ملاحقة له لمحاكمته السريعة واعدامه كما حدث للزعيم الروماني تشاوتشيسكو الذي في ليلة وضحاها أصبح خائناً وديكتاتوراً وفاشلاً، ولصاً ومزيفاً، واعدم بمحاكمة سريعة.. وها هم الرومانيون يندمون على رحيله، وها هم بدأوا وبعد عقود على هذا الحدث يدركون أن ما جرى كان مؤامرة كبيرة للتخلص من زعيم قوي ساير الغرب والشرق، وصادق كثيرين، ولم يعرّض بلاده إلى أية أزمة اقتصادية بل ان رومانيا كانت الدولة الأوروبية الشرقية الوحيدة غير المديونة للبنك الدولي.
سقوط طرابلس جاء بسبب أن القذافي اكتشف وجود عملاء ما بين صفوفه، وان المدينة ستتعرض للدمار، وان امكانية صموده لفترة أطول شبه صعبة أمام قصف الناتو الجوي للمدينة. لذلك انسحب منها للجنوب، إذ أنه كلما اتجه جنوباً، كلما تعقّدت القضية الليبية أكثر.. إذ في الجنوب الليبي تقيم القبائل الموالية له، وقوات "الثوار" لا تستطيع التوجه الى الجنوب كثيراً، كما ان طائرات حلف الأطلسي (الناتو) لن تحرز شيئاً من القصف الجوي لتلك المنطقة، بل ستكون تداعيات ذلك كبيرة وسلبية على نظام الحكم المصنوع اوروبياً في ليبيا.
من هنا يمكن القول أن سقوط طرابلس المفاجىء جاء بقرار من القذافي لانه أراد أن يتجه جنوباً، ولربما ليكشف للعالم طبيعة ما جرى في ليبيا، وهي مؤامرة للسيطرة على النفط الليبي، والذي يعتبر من أنقى أنواع النفط في العالم، لاتمام السيطرة والاحكام على النفط العربي.
اتفاق مصالح وتقسيم
خلال هذه "الثورة الانقلابية" على القذافي التي انطلقت قبل أكثر من سبعة شهور، لم تشارك اميركا كثيراً في هذا القتال ضد القذافي، بل كانت تساند وتدعم الجهود الاوروبية عن بعد. وتركت اميركا الموضوع الليبي لاوروبا، أو لبعض الدول الاوروبية فرنسا وايطاليا وبريطانيا واسبانيا.
هذا الأمر يؤكد على ان هناك اتفاقاً اميركياً اوروبياً ينص على تقسيم مناطق النفط العربي على الجانبين الاوروبي والاميركي بحيث يكون النفط في منطقة آسيا، أي الخليج العربي والعراق هو بيد أو تحت سيطرة اميركا كاملاً كما هو حاصل الآن.. وأما النفط العربي في شمال افريقيا هو شأن اوروبي، وتحت سيطرة اوروبا.
أي أن المعركة كانت للسيطرة على النفط الليبي، وكذلك تقسيم السودان جاء من اجل السيطرة على النفط في دارفور، وها هي "الحركة" أو "العجلة" تتحرك نحو الجزائر للسيطرة على نفط هذه الدولة، ووضعه تحت هيمنة اوروبا.
ويمكن القول أن ما جرى في ليبيا هو جزء من اتفاق "سايكس بيكو" جديد، يطبق بامتطاء حصان "الثورات الشعبية والتغيير"، وبصورة شرعية، وبالتعاون مع فئة ضالة أو مضللة من الشعب الليبي. وخير اثبات على ذلك ان من يقود الحملة للسيطرة على ليبيا هي فرنسا وبريطانيا حتى وصل الامر الى الاعلان عن وجود قادة عسكريين أوروبيين ميدانيين كانوا يساعدون "الثوار" في معاركهم ضد انصار القذافي!
ليبيا تبتاع نفطها
ما إن بدأت "الأزمة الليبية" المختلقة والمدعومة اوروبيا اميركيا، حتى اتخذت اوروبا واميركا قرارات بتجميد أموال وأرصدة الحكومة الليبية في البنوك الاوروبية والاميركية. وتوقف ضخ النفط وبيعه للخارج، وتوقف الدخل الليبي، وبدأ المواطن يعاني من أزمة مالية وغذائية وأمنية نتيجة المعارك الطاحنة.
وعندما سقطت طرابلس بدأنا نسمع عن طباعة "عملة" جديدة لليبيا إذ أن طائرات عسكرية بريطانية حملت صناديق من هذه العملة الجديدة مما يؤكد أن المؤامرة كانت تحاك منذ فترة طويلة.. وبدأ المجلس الوطني الانتقالي الليبي يتوسل "ويشحذ" للحصول على أموال الشعب الليبي، وقد تم "فك" الحجز والرهينة بعد ان انجز هذا المجلس ما عليه من واجبات، وهو طرد القذافي من طرابلس، واسقاط نظامه.
وهناك معلومات تقول أن رئيس هذا المجلس الانتقالي وقّع عدة اتفاقيات بخصوص النفط الليبي مع العديد من الدول الاوروبية، وبموجب هذه الاتفاقيات تتم الهيمنة الاوروبية على النفط الليبي، وتكون ليبيا تحت رحمة الاتحاد الاوروبي أو جزء منه.
وهذا بالطبع أثار غضب روسيا كثيراً، واجبرها على المشاركة في المؤتمر الذي عقد في "باريس" برعاية الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي لتوفير الدعم للمجلس الانتقالي، لتعرف روسيا ماذا يحاك ويجري، وفي الوقت نفسه لتعرف مصير اتفاقيات التعاون الكثيرة الموقعة مع ليبيا في السابق.
لقد تحوّلت ليبيا من دولة مستقلة يقودها ديكتاتور إلى دولة مستعمرة قد تعاني الامرين مستقبلاًَ؟
أي تغيير في الحكم
لقد رفع شعار التغيير في ليبيا، وقامت هذه "الثورة" تحت مطالبة القذافي بالتغيير، ومن ثم إلى إسقاطه.
الثورة لم تكن شعبية، بل كانت انقلاباً قاده زملاه القذافي مصطفى عبد الجليل، وعبد الفتاح يونس الذي اغتيل خلال المعارك ضد القذافي ومحمود جبريل وغيرهم..
لكن بعد سقوط نظام القذافي الكامل هل سيكون هناك تغيير بالفعل، وهل ستكون هناك "ديمقراطية"، وأي ديمقراطية، هل ديمقراطية العراق أم أفغانستان، أو قطر أو السعودية؟
وهل سيبقى هؤلاء الذين انقلبوا على القذافي في الحكم.. وهل ستنعم ليبيا بالهدوء، وهل ستعود الى ما كانت قبل اندلاع هذا التمرد المسلح ضد القذافي.
صحيح أن القذافي كان ديكتاتوراً، وكان "مجنوناً" في تصرفاته وتصريحاته في كثير من الأحيان، لكن هل الحكم الجديد سيكون أفضل؟ وهل ستنعم ليبيا بالاستقرار.
حرب مستمرة
لقد دخلت ليبيا منعطفاً خطيراً، فالمعارك ستتواصل بين أنصار القذافي ومعارضيه. وحتى بعد انتهاء القذافي واستسلامه ورحيله "الكامل"، هل ستنعم ليبيا بالهدوء، ولن تكون هناك مقاومة وطنية ضد الاستعمار الجديد.
ليبيا تحولت الى عراق آخر، النفط الليبي يستفيد منه المستعمرون، والليبيون سيعيشون حالة عدم استقرار، بل حالة الفوضى.. وهذا الأمر لن يكترث له المستعمرون، المهم أن النفط بأيديهم.. وما يجري في ليبيا من اقتتال ليس مهماً لأنهم لا يدفعون الثمن، بل يدفعه أبناء الشعب الليبي.
تقول دوائر عديدة مطلعة أن القبائل الليبية لن تقبل باستعمار ليبيا، لذلك ستخوض حرباً ضد تواجد المستعمرين. كما ان هناك خلافاً مستديماً بين أبناء شرق وغرب ليبيا وجنوبه، وليس هناك من توافق بينهم، فهل هذه الحرب تؤدي إلى تقسيم ليبيا إلى دولتين أو أكثر بعد سقوط مئات الآلاف من الضحايا.
معارضة وطنية
المعارضة الحالية بقيادة مصطفى عبد الجليل هي ليست معارضة بل هي فئة رفعت يافطة المعارضة لانها لم تكن يوما معارضة بل كانت جزءاً من النظام.. وهذه "المعارضة" الشكلية تقبل باستعمار ليبيا مقابل مصالح ومكاسب شخصية.
ولكن في ليبيا هناك أحرار، ووطنيون وشرفاء لن يقبلوا باستعمار ليبيا، هم لم يرضوا بالقذافي، ولكنهم لن يرضوا باستعمار وطنهم، لذلك سنجد أن المعارضة الوطنية ستنشط مستقبلاً، وستظهر مقاومة وطنية شريفة تدعو وتسعى وتعمل على تحرير ليبيا من استعمار جديد احتلها تحت شعارات مصطنعة، وبقرار "شرعي" دولي مرفوض من مجلس الامن الذي جزء كبير من أعضائه متآمرون على ليبيا إذ منحوا أنفسهم شرعية احتلال هذا البلد العربي.
المعارضة ستتعاظم قوتها مع الزمن، وسيدرك الاوروبيون أنهم ارتكبوا خطأً كبيراً، وسيكونون مسؤولين عما سيعانيه الشعب الليبي من آلام وأوضاع صعبة.. وقد ينقلب ذلك سلباً عليهم، أي على الاوروبيين، نعني الحكومات، وقد تكون تداعيات ما قاموا به ضد ليبيا غير متوقعة وأكثر مما قد يتحملونه!