* الهيئات المحلية تلعب دوراً أساسياً في تنمية المواطنين، ومطلوب من الحكومة تسهيل عملها

* ليس من المعقول أن نطبع مع الاحتلال في الوقت الذي يمارس فيه أبشع الجرائم ضد شعبنا وأرضنا

* عيون الممولين تتجه نحو دول ما يسمى بـ"الربيع العربي" على حساب قضايانا

غزة- القاهرة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون

كثر الحديث حول منظمات المجتمع المدني ما لها وما عليها في ظل ما يدور عن منظمات تنفذ برامج وأجندات خارجية تتماشى مع أهداف الممولين الذين في غالبهم لهم أجندات سياسية تتساوق مع أهداف الاحتلال، فضلاً عن التكرار في عمل هذه المنظمات، وعدم التنسيق فيما بينها، لكن بالرغم من ذلك كله هناك منظمات أهلية لها دور بارز وفعال في خدمة المجتمع الفلسطيني، ورفضت بشكل قاطع أي تمويل مشروط يضعه الممولون لخدمة أهداف غير وطنية.. منظمات المجتمع المدني وأهداف الممولين وشروطهم، ودور هذه المنظمات في خدمة أبناء قطاع غزة المحاصرين، ومواجهة الفقر الذي يعانون منه، وخدماتها الإنسانية، ومستقبل العمل الأهلي في قطاع غزة كانت محاور اللقاء الذي أجرته "البيادر السياسي" مع الدكتور سائد الغول، رئيس مجلس إدارة جمعية بنيان للتدريب والتقييم والدراسات المجتمعية في غزة، حيث التقته في القاهرة، وناقشت معه هذه القضايا الهامة، والتي كان أبرزها رفضه القاطع لأي تمويل لا يتماشى مع مصلحتنا الوطنية. وفيما يلي نص اللقاء.

أهداف وبرامج شاملة

* الدكتور سائد الغول.. التقينا بكم سابقاً في غزة وها نحن اليوم يتجدد لنا اللقاء في القاهرة فأهلاً وسهلا بكم.

- أهلا بكم وبـ "البيادر السياسي" التي نعرفها منذ عشرات السنين وتابعناها دوماً.. هذا المنبر الوطني الإعلامي الرائد الذي ترك بصمات واضحة في مقاومة الاحتلال وفضح جرائمه وممارساته وانتهاكاته في مختلف مراحل النضال الوطني الفلسطيني.

* جمعية بنيان إحدى المؤسسات الفاعلة في غزة.. بداية هل لك أن تطلعنا على أهداف وبرامج هذه الجمعية؟

- انطلاقاً من أهمية العمل المجتمعي الهادف، قامت مجموعة من الأكاديميين والمهنيين بإنشاء جمعية بنيان، كجمعية أهلية، تعمل في الحقل المجتمعي في إطار التواصل مع القضايا الحياتية مع المواطنين في المحافظات الجنوبية، من خلال صقل وتنمية قدرات المواطنين، حيث عملت الجمعية في عدة قطاعات، أبرزها التأكيد على الارتقاء بالمناطق المهمشة، وبناء قدرات المؤسسات العاملة في هذا المجال من خلال التدريب والدورات التكوينية التي تساعد على القيام بالعمل المجتمعي بشكل أفضل، حيث كانت المرأة حاضرة في مشاريع بنيان من خلال مشروع يهدف إلى تخفيض الفقر لدى قطاع النساء في المنطقة الجنوبية، بالشراكة مع المؤسسات القاعدية التي تعمل في تطوير مجال المرأة، فقامت الجمعية ببناء قدرات مجموعة من النساء المهمشات، وتدريبهن على إدارة مشاريع إنتاجية صغيرة، وتطوير المهاراتية الحياتية لهن، حيث شكلت الجمعية لجاناً استشارية في خدمة المرأة، ثم طورت الجمعية عملها من خلال مشروع تعزيز دور المؤسسات القاعدية في تخفيض التمييز والعنف ضد المرأة، وذلك بتمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة نصف مليون يورو لمدة ثلاث سنوات، واستوعب البرنامج العديد من النساء العاملات في المجال الإعلامي والقانوني وتشكيل اللجان النسوية، وتقديم الدعم اللوجستي واستخدام كل وسائل الإعلام المجتمعي في تخفيض التمييز والعنف، إذ عقدت الجمعية العديد من الدورات وورشات العمل والدراسات والمؤتمرات الهادفة، وإنشاء العيادة القانونية التي تعمل على حل مشاكل النساء مثل الطلاق وحق  الميراث والمشاركة في المجتمع، وأخيراً قامت الجمعية بتوزيع منحاً عبارة عن مشاريع صغيرة على خمس مؤسسات نسوية، بقيمة 45 ألف يورو، وترجم هذا المشروع بمخرجات ناجحة في هذا السياق.

* هذا على صعيد قطاع المرأة.. لكن كما نعلم أن لكم دوراً آخر يتعلق بالأطفال.. هل لك أن تحدثنا عنه؟

- نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية، اهتمت الجمعية بقطاع الأطفال من  خلال عمل مشاريع ترفيهية للأطفال المهمشين، من خلال توزيع الحقيبة المدرسية وتوزيع حقائب الأطفال، وكذلك من خلال الدعم اللوجستي لرياض الأطفال، وعمل معارض خاصة تهدف إلى مساندة الأطفال المهمشين والمحتاجين.

* وماذا عن البلديات؟

- ترى الجمعية أن الهيئات المحلية تلعب دوراً أساسياً في تنمية المواطنين، وفي هذا الإطار قامت الجمعية بعمل ميثاق شرف  مع البلديات في المنطقة الجنوبية، فقامت بعمل مشروع تعزيز مفهوم الشفافية والنزاهة لدى موظفي البلديات الممول من ائتلاف أمان حتى تتحسن الخدمات المقدمة من البلدية، وخروج البلديات من الطابع الروتيني إلى طابع المشاركة الحقيقية مع مكونات المجتمع بكل أطيافه وألوانه.. ومنذ عام نجحت الجمعية في الحصول على تمويل من مؤسسة  giz"" الألمانية في إطار المساءلة المجتمعية  وبالتعاون مع بلديات خانيونس وبني سهيلة والقرارة، وتوّج هذا المشروع بمشاركة حقيقية من المواطنين وتوجيههم نحو حقوقهم، وكيفية التعبير عن دورهم في معرفة الخدمات التي تقدمها البلدية، وقدمت الجمعية دعماً لوجستياً في هذا الصدد.

وضع مأساوي

* كما تعلمون أن قطاع غزة يعاني من ضائقة وحصار وتردي للوضع الإنساني والحياتي والمعيشي من كل الجوانب، وبالرغم من وجود العشرات وربما المئات من مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في مختلف المجالات، إلا أن الوضع يزداد سوءاً  ومأساويةً... كيف يمكن النهوض بمستوى أبناء القطاع وتوظيف ما تمتلكه هذه المؤسسات لخدمتهم؟

- الجمعيات الأهلية هي جزء من المجتمع الفلسطيني، وتعيش ذات التعقيدات والوضع الاقتصادي الذي يمر به قطاع غزة، ولكن وبالرغم من كل هذه الصعوبات، إلا أن المسؤولية كبيرة على عاتق هذه المؤسسات، وهذا يتطلب منها أن تعمل مجتمعة في إطار تخفيف معاناة شعبنا الفلسطيني من خلال خطة إستراتيجية توضح فيها الأولويات والاحتياجات وتوظيف كل عناصر القوة في مساعدة أهلنا في قطاع غزة، والعمل في إطار وطني بعيداً عن الحزبية والأجندات السياسية، وتفهم الحكومة لأهمية ودور هذه المؤسسات في إطار تشاركي وليس في إطار تنافسي، وبهذا الصدد مطلوب من الحكومة، سواءً في الضفة أو غزة تسهيل عمل المؤسسات وعدم قمع الحريات المؤسسية، والدعوة إلى فتح كل المؤسسات المغلقة  على أساس سياسي، لأن مؤسسات المجتمع المدني يجب أن تكون بعيدة عن كل التجاذبات السياسية، لأن مصلحة المواطن فوق كل اعتبار. وهنا دعوة للجميع لتضافر الجهود والخروج برؤية مستقبلية ترتقي وحجم التحديات الجسام التي نمر بها.

التمويل وشروط الممولين

* كما هو معروف أن التمويل الخارجي يخضع لشروط الممول.. هل تعرضتم لابتزازات الممولين؟

- هذه حقيقة أن هنالك بعض المؤسسات تفرض شروطاً معينة، ولكن الأمر يعود إلى طبيعة كل مؤسسة لأنها هي صاحبة القرار في قبول الشروط من عدمها، ولكن في بعض الأحيان يكون مبالغاً في  هذا الأمر، لأن المؤسسة تستطيع أن توظف هذا التمويل من خلال أهدافها الوطنية والنبيلة.

* ولكن هناك اتهامات لبعض مؤسسات المتجمع المدني بأنها تنفذ أجندات خارجية من خلال تنفيذ مشاريع لا تهدف إلى خدمة الصالح العام.. بماذا ترد على ذلك؟

- هذا مدان من كل المؤسسات الوطنية، والجميع مطالب بكشف زيف هذه المؤسسات وخضوعها للرقابة الأهلية والقانونية، لأن مثل هذه المشاريع يمكن أن تضر بالمصلحة المجتمعية الجامعة.

* ما هي الشروط التي يشترطها الممولون على القائمين على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني؟ وما مدى قبول هذه الشروط؟

- شروط التمويل تختلف من ممول إلى آخر، وذلك حسب أجندة الممول، فهنالك شروط تتعلق بمجالات اهتمام الممول والإجراءات القانونية والمهنية للمؤسسة التي تريد الدعم، وهذا أمر متفهم، وهنالك شروط يكون لها علاقة بالجانب السياسي، مثل شرط التوقيع على وثيقة نبذ ما يسمى" الإرهاب" أو التطبيع مع الاحتلال، وهذا أمر مرفوض بتاتاً من  قبلنا، حيث أننا نرفض رفضاً باتاً التعامل مع مثل هذه الشروط، لأنها تضر بمشروعنا الوطني، وتضرب الهوية الوطنية، فليس من المعقول أن نطبّع مع الاحتلال في الوقت الذي يمارس فيه أبشع الجرائم ضد شعبنا وأرضنا من خلال مواصلة الاستيطان وبناء الجدار العازل وتهويد القدس واعتقال أبناء شعبنا، فليس من المعقول أو من المنطق أن نقدم هدية مجانية للاحتلال، بتجميل صورته أمام العالم، في الوقت الذي يقاطعه العالم ويفرض مقاطعة على منتجات مستوطناته، فهؤلاء المطبعون هم أناس خارجون عن الصف الوطني، ويلهثون خلف مصالحهم الشخصية بعيداً عن مصلحة الوطن، وعليه يجب تشكيل رادع لكل المؤسسات التي تنصاع لمثل هذه الشروط، وتعمل في سياق التطبيع مع الاحتلال البغيض. 

قضايا المرأة

* عودةً إلى قضية المرأة.. فكما تعلمون أن المجتمع الغزي هو مجتمع محافظ، وما يصلح لبعض المجتمعات ليس بالضرورة أن يصلح في غزة.. هل تواجهون عقبات في تعاملكم مع قضايا المرأة في ظل حساسيات المجتمع؟

-  بالتأكيد أن المرأة الفلسطينية لها دور مميز وحيوي في الحقل السياسي الفلسطيني، فهي الشهيدة وزوجة الشهيد وأم الشهيد والأسير، وقدمت تضحيات كبيرة على مدى الصراع مع الاحتلال، ومع ذلك فإن لها دورها المجتمعي رغم بعض العادات والتقاليد الموروثة في عمل النساء خارج بيوتهن، إلا أن دور المؤسسات الأهلية ووسائل الإعلام  المجتمعي ساهمت في الحد من السلبية في اتجاه عمل المرأة، ربما المناطق المهمشة مازالت غير متهيئة بالشكل المطلوب لمثل هذه الأدوار، ودور المؤسسات أساسي في تنشيط دور المرأة ونقلها من الهامش إلى المركز، وأتوقع أن دور المرأة يشهد تطوراً ملحوظاً في قطاع غزة، وباتت ثقافة المشاركة النسوية كبيرة في كل محافل الوطن.

التكامل بين الرسمي والأهلي

* التكامل في العمل ما بين المؤسسة الرسمية والأهلية أمر مهم في تحسين الأداء وتطوير الخدمات المقدمة.. كيف تقيم لنا مستوى التعاون ما بين المؤسسة الرسمية والأهلية في قطاع غزة؟

- في رأيي أن هنالك عدم رضى في إطار العلاقة ما بين المؤسسات الأهلية والرسمية، وهي بحاجة إلى إعادة الصياغة من خلال برنامج وطني جامع، والوقوف عند  القواسم المشتركة التي تمثل مصلحة المواطن والعمل باتجاه موازٍ يقوم على الشراكة والتكامل، سيما أننا نعيش تحت الحصار الإسرائيلي الذي يمس كل جوانب الحياة ويهدد حالة الاستقرار، حيث قضية البطالة في صفوف الشباب، إذ بلغت نسبة البطالة في صفوف الشباب في قطاع غزة أكثر من 75%، وهذا مؤشر خطير يهدد بتهجير العقول والكفاءات المميزة، إضافة إلى تفكك النسيج الاجتماعي الناتج عن الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني الذي هدد الهوية الثقافية للكل الفلسطيني.

* ما هي رؤيتكم المستقبلية لمستقبل العمل الأهلي في غزة؟

- الأمور تتجه نحو الصعوبة والتعقيد، سيما أن مواقع الاهتمام للممول الخارجي قد انتقلت إلى مناطق أكثر احتياجاً بالنسبة لها، بالتحديد دول ما يسمى بـ"الربيع العربي" وهذا يتطلب توحيد ودمج بعض المؤسسات ذات البرامج المشتركة، وتقنين عملها والاتفاق على برامج وطنية لعمل هذه المؤسسات في المرحلة القادمة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية منها.

* دكتور سائد الغول.. شكراً جزيلاً لكم.

- أهلا وسهلا بكم.