أجرى الحوار الأديب والشاعر يوسف شحادة
تشرق الشمس متألقاً كل صباح على ألحان العتابا المقدسية تدق أسماع البشر، تسير إلى بوابة العطر الأخَّاذ لتُفْتح النوافذ العليَّة ناطقة باسم القدس تاج الرؤوس ومنبر الحقيقة.
سرت أبحث عن صوت الوطن في وطنٍ يُراد له الصمتْ، فسمعت بين ربوع جنين في قمّة البهاء الممثل لفلسطيني صوت أبي الحافظ يقول:
عذرا فاني لا أحب الصمت
في عصر الكلام
والموت يقلقني ويزعجني
إذا كان السلام
وصراخ أغنيتي هديل
وقصيد للحمام
واقلب الأيام في صدري
وابحث عن غرام
وارى في الناس والدنيا
ودادا وصدام
إن بعض الكذب دستورا
به يزهو الحرام
وان بعض الصدق يا وطني
قيودا والتزام
عذرا فاني لا أرى
في العرب
شيئا ذا مقام
فاعذروني سادتي
إن في الموت احترام
وجلست إليه أفتح دفاتر التاريخ في وتر الحقائق بين طيَّات المقامات الجميلة فقلت له:
أخي أبو الحافظ، أبواب القدس تدق ناقوس الخطر وبقلبنا منها أثر؛ هيهات يسمع صوتنا الأخوانُ! بزجلية القدس ينبض الطائر يرقص على الجراح قائلاً: آه ياقدس ، ماذا تقول أخي أبو الحافظ؟
أبو الحافظ: القدس هي العنوان الأول لفلسطين وبلاد الشام أجمعين، فلولاها لا تستحق البلاد أن تُسمَّى بيت المقدس أو البلاد المقدسَّة، فالقدس بداية التاريخ من يبوس إلى اليوم، وهي مفتاح السلام والحرب عل الدوام، ونحن لا نساوي شيئًا دونها... وشنَّف آذان بزجلية المعنى قائلاً:
القدس سر القصيدة والمعاني
عظيمة أبقدرها عالي المكاني
بنا تاريخها يبوس لمَّا
بحث عن تاج مجدي وعنفواني
يا إمَّا القدس تِبْقى شرفْ إمَّا
الكرامة بدونها ذُلُّ وأهانه
من الإسراء فيها جزء عمّا
كَسَتْني ثوبْ عٍزِّي وصولجاني
هواها العاطفي بالرُّوح نَمَّا
هيّا أصل ديني والدياني
فدا إلها الشَّهيد وسال دَمَّا
وندا لَشَعْب في ساعة رحيله
ابعثوا للوالدي منِّي التَّهاني
س2: قُبَّة الصخرة عندما تُشرقُ الشمس يكون لها في العيون أثر وفي القلب بهجة، ويتوق لها كل ناظر، وأنت ابن القدس ماذا تقول لها؟
ج: الجمال في قبِّة الصخرة طليعة
بها أصل العدالة والشريعة
أبحضن الشَّمس في كل يوم بدري
تِلبس حُلِّةِ التَّاج الرَّفيعة
أبجمالها ما شُفت بسنين عمري
الجمال ابدونها بهمُّه قطيعة
نور الشَّمس فيها الصُّبح يِسري
شَفَتْ لَجْروح ديرِتنا الوجيعة
فيها كل عِزّي وكل فخري
الشَّمس من نورها نور استمدت
لحَتَّى زَيَّنَتْ كُلِّ الطبيعة
س3: هذا المعنى، لو نسمع شروقي يا فنّاننا الكبير؟
ج: كل ما عباب القدس بِطُلْ فَجرِ انْهار
بَسْمَعْ نداء الوطن عمّا يِحاكيني
بمشي بعزيمة شعب حبِّ الوطن واختار
حُبُّه لأرض الكرامة أرصاص مرتينة
وقُدَّام مِنِّي على درب القدس خِتيارْ
تَمشي مَعاِ الدَّرِب عمَّا يناديني
وعباب أقصى الشرف يا نفحة الأزهار
يا هيبة الله فيها السِّحر والزينة
بِقْلوب للعاطفة مَلْيانِ نورْ ونار
علِّي اغتصبْ موطني وبِدُّو يِعاديني
وأقصى يا مبعث كرامة للرِّباط أنزار
يِسْمَعْ حنيني وآهاتي وتحانيني
في كل ركعة صلاة تِتْبَجَّلِ الأفكار
محراب تقوى وشرف وعهد ألوفا ديني
نِحنا لِنا عالزَّمن إخوة وأصل ونصار
ساكن بجسمي مثل دقِّ الشراييني
الله خلقنا تَنِبْقى بهالوطن ثُوَّار
والقدس إلها العزيمة إلِّي تِكفِّني
نِحنا ابوجه العدا يوم الندا إعصار
عن حُب هذا الوطن ما شيِّ يِلْهيني
نِحنا اقبِلنا أمانة ربِّنا القَهَّار
نِحمي تراب القدس بالعزم واللِّيني
حتى تِقوم القِيامة ويأمُر الجَبَّار
وانهض وشيل الكَفن والماي والطيني
وحْمِل كِتابي ابْعِزِّةِ المُختار
يِشْهَدْ باَنّي كُنْت فارس فِلسطيني
س4: وأنت واقف على جبل المكبر ماذا تقول لأبناء القدس؟
ج: جبل المُكبِّر يا عْيوني
بِكُلْ لَمحِة بَصَرْ في القدس كوني
ومِن ارْجال المُكَبِّر كل فارس سَكنْ
في خاطري وروحي وجُفوني
بَوَصِّي كلِّ شِهْم وكل حارس
إيْظَلُّوا ابْأرضِ المُكَبِّر زِيتوني
نِحِنْ في ابْلادنا إخْلِقْنا مدارس
نِكيد المُعتدي ونِبْني احْصوني
أُوَطَنء مِنْ دَمِّنا إثواب لا بسْ
إنْحومْ إبْحومةِ الطير السُّنوني
وطنْ في قلوبنا بالعِش جالسْ
يِفَتِّلْ فَتِلتِ إحجار الطاحوني
مفي عِنَّا ولا طابور خامسْ
عِنَّا شعبْ في عِنْدُه إرادي
يِكَسِّرْ جَبِهْةِ الكَبْشِ القروني
س5: يستشعر الإنسان كم هو في ضيق عندما تنادي الحبيبة في شرايينه من أبراجها العاجية وبقبَّتها الذهبية تستصرخع ؛ فيَسْتنجد بكلَّ شيء حتى يفتدي محبوبته، فماذا تقول للدول العربية والإسلامية؟
ج: أقول لقادة الأمة العربية لا معنى لوجودكم إذا لم تكن القدس مُحرَّرة ، ولا قيمة لأعلامكم إذا لم يرتفع العلم الفلسطيني، ولا دين لكم إذا لم تعيدوا للقدس هيبتها.
وللأمة الإسلامية أقول: إنّ الإسلام دين عمل وليس إدِّعاء، ومن لا يهتم لأمر المسلمين، فليس منهم، لكم في القدس ما لنا وعليكم ما علينا، وإنِّي لأعجب مِمَّنْ يعيش ستين أو سبعين سنة ويبحث عن المزيد في وَقتٍ كرَّم الله القدس وكرَّم شُهداءها، من هنا أقول لأصحاب الدُّنيا إنَّ في القدس أول خُطاكمْ للجَنَّة فإن لم تدخلوها لن تدخلوها.
س6:هل لك قصيدة عمودية نختم بها الكلام؟
ج: لي العديد من القصائد تفوق المئة ونيِّف فاسمع يا صديقي:
قصيدة " يا من سألت عن العفاف "
يا من سألت عن العفاف
مات العفاف ولم يزل
الحب في عصر الزناة
والصدق في الحب انتهى
أما الحياء فقد مضى
أبناؤنا تركوا الزمان
ولقد أملت بأنهم
أين المسير أحبتي
أين المسير أحبتي
هل تبحثون عن العروبة
قد ضيَّعوا تاريخنا
وأتوا على أمجادنا
زرعوا الخيانة في الجنود
والشعب مقتولُ الوجود
ورجالهم قد خُنِّثُوا
إني أظنك لا تخافْ
الذئب يرعى في الخرافْ
مفاخر في الاعترافْ
يشكو المروءة والجفافْ
في رحلة قبل الزفافْ
وتاجروا في الانحرافْ
سيحرِّرو أرض الشغافْ
إني قرأت من الغلافْ
من قدسنا بدأ الطوافْ
أم عن السُّمِّ الزُّعافْ
حتى بوقت الاعتكافْ
دَقُّوا مزامير الخِلافْ
وفي العيون وفي الشفافْ
وللحقيقة اكتشافْ
يا مَنْ سَأَلْتَ عَنِ العَفَافْ
من بيادر الشوق يُشرق العشْق، فتمضي الروح في رحب البيادر تُرقِص الوجنات فرحاً لأنها في القدس، صبراً يا قُدس فلن ننساك أبداً.
الشاعر والزجّال الكبير / موسى حافظ موسى
البلد الأصلي: السنديانة - قضاء حيفا
مكان الولادة: مخيم جنين عام 1957
التحصيل العلمي بكالوريوس في التاريخ
نبذة عامة شاعر معروف في الوطن والخارج.
- سجنه الاحتلال عام 1974.
- أمين سر اتحاد الفنانين في محافظة جنين.
- عضو المجلس الأعلى للفلكلور الفلسطيني.
- عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين.
- حائز على جائزة نوح إبراهيم الدولية للفن الشعبي.
- زرع الحب والبسمة على شفاه الوطن بأشعاره وموسيقاه.
- مثل فلسطين في العديد من الدول العربية والأجنبية حيث شارك في العديد من المهرجانات في فلسطين، الأردن، السعودية، قطر، فرنسا، والسويد.
- حاصل على وسام الاستحقاق والتميز لعام 2012 من فخامة الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين.
- حاصل على شهادة الدكتوراه الفخرية في التراث الشعبي من منظمة اليونسكو العالمية لعام 2011.
- حاصل على العديد من الدروع وشهادات التقدير من كل مؤسسات الوطن ولا يزال على رأس عمله .
- عميد الفن الشعبي الفلسطيني.
أدبه ومؤلفاته: 1- ديوان تعب السنين2- ديوان حكي قرايا 3- كتاب فنون الزجل الشعبي
ولمتابعة أخي أبو الحافظ في القديم والحديث على موقعه زريف الطول: http://zreaf.com/site/