عوامل الانضمام اليها وكيفية استثمارها
في الأول من نيسان الجاري، أصبحت دولة "فلسطين" عضوا في محكمة الجنايات الدولية. وقد لاقت هذه العضوية ترحيباً كبيراً من مختلف الأوساط الفلسطينية والعربية والاسلامية والدولية، في حين ان اميركا واسرائيل لم ترحبا بذلك، بل بالعكس اعربتا عن غضبهما من هذه الخطوة.. ولكن هذا الغضب لن يغير من الامر أي شيء، فدولة فلسطين هي عضو في المحكمة الدولية، وبالتالي هي قادرة على رفع دعاوى قضائية ضد ممارسات اسرائيلية بحق شعبنا الفلسطيني مثل جرائم حرب، أو استيطان، او مصادرة أراضٍ، في حين أن أي مسؤول أو مواطن في دولة فلسطين يمكن تقديمه أيضاً للمحاكمة على أي خلفية جنائية دولية.
عضوية متأخرة
لقد تأخرت القيادة الفلسطينية أكثر من سنتين في تقديم طلب الانضمام الى عضوية هذه المحكمة لعدة أسباب:
1. لم ترغب في اغضاب الادارة الاميركية التي كانت تبذل جهودا لاحراز تقدم ما في المسيرة السلمية، وحتى تبقى اميركا حيادية.
2. رغبت القيادة في ابقاء الباب مفتوحاً أمام تسيير أمور الشعب الفلسطيني من خلال الحصول على الاموال المستحقة من الضرائب الفلسطينية التي تحولها اسرائيل لميزانية السلطة الوطنية، ولابقاء التنسيق الأمني جار للحفاظ على الأمن والهدوء، ومنع الفلتان الأمني.
3. تجنب التعرض وممارسة ضغوطات ثقيلة وكبيرة على السلطة، واتهامها بأن ما تتخذه هو اجراء احادي الجانب.
4. تجنب مقاطعة الدول المانحة للسلطة الوطنية، وبالتالي ستعاني السلطة الوطنية من عجز مالي قد يؤدي الى انهيارها في حال عدم توفر رواتب لموظفي وعاملي السلطة الوطنية.
وقد اضطرت القيادة الفلسطينية في النهاية الانضمام الى هذه المحكمة بعد أن طفح الكيل المتمثل بـ:-
· مواصلة اسرائيل لسياسة الاستيطان، وعدم تجميده أو تخفيف وتيرته!
· حجز أموال الضرائب العائدة للسلطة لعدة اشهر من قبل الحكومة الاسرائيلية.
· تأكيد رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو على عدم ايمانه وقناعته وموافقته على حل الدولتين.
· رفض اسرائيل لرسم حدود الدولة الفلسطينية، ورفض الاعتراف بوجود دولة، بل بالعكس العمل على افشال خيار حل الدولتين.
· توقف المسيرة السلمية كاملاً، وليس هناك أمل باستئنافها حالياً.
· تهرب اسرائيل من تطبيق الاتفاقات التي تمت معها، وخاصة اطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى المعتقلين قبل اتفاق اوسلو عام 1993.
وتعرضت السلطة الوطنية الى ضغوطات داخلية كي تتوجه للانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، وبالفعل قدمت السلطة الوطنية الطلب قبل عدة اشهر، وتم الاتفاق على تسليم قبول العضوية يوم 1 نيسان 2015.
ما بعد العضوية
هل تقدم القيادة الفلسطينية أي دعوى قضائية ضد مسؤولين اسرائيليين؟ ومتى يتم ذلك؟
استناداً لمصادر فلسطينية عديدة، فان هناك ضغوطات على القيادة الفلسطينية لمنعها من خطوتين مصيريتين وحاسمتين وهما: تقديم دعاوى قضائية للمحكمة الجنائية ضد أي مسؤول اسرائيلي، وتجميد أو وقف التنسيق الأمني. وتهدد اميركا باتخاذ اجراءات عقابية كبيرة، وكذلك تهدد اسرائيل باجراءات قاسية ضد "القيادة".
ومن أجل تهدئة الأجواء، فقد قرر رئيس وزراء اسرائيل الافراج عن الاموال المحتجزة، وتحويلها للسلطة الفلسطينية، كما أن سلطات الاحتلال بادرت الى سلسلة من الخطوات على أرض الواقع لتسهيل حياة المواطن الفلسطيني تمثلت بالسماح لمن هو فوق سن الـ 55 عاماً بدخول اسرائيل من دون الحصول على تصريح، وكذلك زيادة عدد تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين بحوالي ثلاثة آلاف تصريح.
وتقول مصادر فلسطينية أن الرئيس عباس أصدر تعليماته للمؤسسات القضائية باعداد الملفات الخاصة بالقضايا القابلة لطرحها على المحكمة الدولية، أي أن على المؤسسات المعنية اعداد الملفات لتقديمها للمحكمة عندما يحين الوقت المناسب لذلك، أي أن السلطة تعد العدة لما بعد الحصول على العضوية، ولربما هذه المرحلة صعبة، وقد تكون أداة ضغط أيضاً على اسرائيل لوقف سياسة التوسع والاستيطان، ودفع المسيرة السلمية الى الامام، من خلال ايقاف اجراءاتها وممارساتها القمعية والاستفزازية اليومية بحق شعبنا.
هناك مرحلة تريث للقيادة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه هي مرحلة استعداد للمواجهة في ساحة المحكمة الدولية اذا بقي الحال على ما هو عليه، وبقيت الأوضاع مجمدة، ولا أمل في المستقبل.
الحكومة الجديدة في اسرائيل لم تشكل بعد، وحتما كما هو متوقع ستكون يمينية ومتطرفة، ولذلك لا بد من الانتظار حتى تشكل هذه الحكومة.. وكذلك لقراءة المعطيات الدولية والاقليمية المتوفرة، والتصرف بكل هدوء وروية وحكمة.. لان المواجهة السياسية والقضائية ليست اقل ضراوة من المواجهة العسكرية!