العلاقة مع اسرائيل قوية وما يقال عن توترها

للاستهلاك والتضليل الاعلامي

رفض قيام دولة كردية على الحدود الجنوبية

أعلن رئيس وزراء تركيا احمد داود اوغلو ان تحرك القوات التركية نحو الحدود السورية ليس للقيام بأية عملية عسكرية داخل سورية بل لحماية الحدود التركية، وتوفير الامن لأبناء الشعب التركي في المنطقة.

هذا التحرك والانتشار للجيش التركي اثار علامات استفهام كبيرة، وخاصة ان البرلمان التركي السابق كان قد منح الجيش التركي حرية العمل خارج حدود تركيا حفاظاً على الامن القومي التركي.

التحرك يتزامن مع الهجوم على حلب

هذا التحرك العسكري جاء متزامنا مع ضراوة المعارك في مدينة حلب اذ حاولت العديد من الفصائل المتحالفة مع بعضها بعضا في السيطرة على هذه المدينة، الا ان الجيش العربي السوري يتصدى وبكل بسالة لهذا الهجوم المدعوم تركيا، لان آلاف العناصر الارهابية شاركت في هذا الهجوم على حلب انطلاقا من الاراضي السورية.

وتزامن هذا التحرك العسكري التركي المشبوه مع تقدم قوات الحماية الكردية نحو العديد من البلدات الحدودية مع تركيا، وخاصة مدينة تل الابيض بعد عين العرب. وقد فشل تنظيم داعش في هجومه على مدينة عين العرب رغم قيام عناصره بمجزرة بشعة طالت اكثر من مئتي كردي مدني، اذ استطاعت قوات الحماية الكردية مدعومة من فصائل قتالية عدة منها الاشورية والسريانية والكلدانية من سحقها وبالتالي بدأ تنظيم داعش يشعر ببدء مرحلة الهزيمة على الاراضي السورية وكذلك على الاراضي العراقية.

ومن مؤشرات ضعف هذا التنظيم الشعور بنقص في عدد المقاتلين بعد ان سحق المئات بل الالاف منهم خلال الفترة الماضية، ويبدو ان التجديد لداعش قد ضعف، كما أن وضع قيود على سفر المتطرفين والتكفيريين من بعض الدول الاوروبية والعربية ساهم في اضعاف هذا التنظيم في العدد.

وعندما يضعف هذا التنظيم، فان ذلك مؤشر الى ان الاكراد، وبعد سيطرتهم على المناطق الشمالية الشرقية لسورية، قادرون على اقامة دولتهم المستقلة بالتعاون مع الاكراد في شمال العراق. وابدى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان معارضته الكبيرة لقيام اي دولة كردية جنوب تركيا غير الدول القائمة حاليا.

لماذا هذا التحرك العسكري التركي

من هنا ينطلق تساؤل واضح: لماذا هذا التحرك العسكري التركي على الحدود مع سورية: هل هو لمنع الاكراد من اقامة دولة لهم؟ وهل من اجل منع عودة المقاتلين الارهابيين الى الاراضي التركية بعد ان منوا بخسائر على يد قوات الحماية الكردية او على يد الجيش العربي السوري، أو لهجوم تركي واسع على الاراضي السورية لاقامة منطقة آمنة عازلة تحت يافطة منطقة لتوفير المساعدات الانسانية؟

اوغلو قال ان الجيش التركي لن يقوم بأي عملية داخل الاراضي السورية، أي أنه وجه رسالة لسورية تطمئنها بان تركيا لن تدخل حربا ضدها. ولا يستطيع احد الاطمئنان لهذا الكلام، فالقادة الاتراك الحاليون خدعوا سورية، وخانوا العلاقة الوطيدة التي كانت بين الدولتين قبل بدء تنفيذ المؤامرة الكونية على سورية والحكومة التركية الآن، وبعد فشل حزب العدالة والتنمية من الحصول على الغالبية البرلمانية في الانتخابات الاخيرة تجد نفسها الى حد كبير مقيدة في اتخاذ اي قرار مقامر ومغامر عسكريا لان مثل هذا القرار قد يقضي كاملا على هذا الحزب جماهيريا، اما فيما يتعلق منع قيام دولة كردية مستقلة فهذا هو الاحتمال الاكبر للجيش التركي اضافة ايضا لمنع العناصر الارهابية من العودة الى تركيا، وبالتالي القيام بأعمال ارهابية ردا على بدء تركيا وقف دعمها لهم بعد الانتخابات الاخيرة.

أي أن هدف التحرك حماية تركيا من هجمات متوقعة سواء من الاكراد الذين سيطالبون باقامة دولة لهم، او الارهابيين الذين سيفرون من سورية بعد ان يبدأ الاتراك بحكومتهم الجديدة تغيير السياسة الخارجية السابقة القائمة على دعمهم!

الاكراد اقوياء داخل تركيا

لقد استطاع الاكراد الحصول على حوالي 80 مقعدا في البرلمان التركي، اي ان لهم ثقلا أو تأثيرا على الحكومة. وهذا الفوز يؤكد احتمال اندماج اكراد تركيا بالدولة التركية بدلاً من المطالبة بالاستقلال عنها.

ولا شك ان علاقة الاكراد بتركيا سيئة اذ ان الحكم التركي ارتكب مجزرة في "ديرسيم" عامي 1937 و1938. وحاولت حكومات تركيا دمجهم واحتوائهم في المجتمع التركي وتذويب هويتهم. حتى ان الاكراد ذاقوا الصعاب في عهد حزب العدالة والتنمية اذ ان اعضاء برلمان اعتقلوا، وكذلك تم اعتقال ومطاردة صحفيين وكتاب وادباء وموسيقيين لانهم يستخدمون اللغة الكردية، وممنوع عليهم استخدام هذه اللغة، اي أن الجهود لتذويب الهوية الكردية مستمرة ومتواصلة.

هم اقوياء ايضا على المستوى العالمي اذ ان الكونغرس الاميركي، وبعض الجهات داخل الادارة الاميركية يسعون الى تقسيم العرب الى ثلاث دول: احداها كردية في شمال العراق، وان تم ذلك، فان اكراد سورية وتركيا قد ينضمون اليها، وهذا ما ترفضه تركيا لان هذه الدولة ستشكل خطرا على الامن القومي التركي، اذ ان العداء الكردي لتركيا يعود لسنوات طوال، وبالتالي ستدخل تركيا في صراع مع الاكراد، وهذا سيؤي الى ضعفها اقتصادياً وسياسياً.

سيناريوهات متوقعة

بعد أن فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على اغلبية المقاعد في البرلمان التركي ولذلك فانه مضطر للتحالف مع احزاب اخرى، وهذا يعني ان سياسته الخارجية ستتغير، وهذا التغير يعني هزيمة وفشل لسياسة تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية في التعامل مع الملفين السوري والعراقي. ولذلك هناك عدة سيناريوهات قد تقدم عليها الحكومة الحالية قبيل تشكيل الحكومة الجديدة، اذا شكلت:-

السيناريو الاول هو انضمام تركيا للتحالف الدولي ضد داعش، وهذا يعني تغير في السياسة التركية العامة، ومعناه عدم تقديم مساعدات لتنظيم داعش، ولكن مقابل مكاسب من اوروبا والادارة الاميركية، ولكن هذا السيناريو وارد التحقيق لان تركيا مجبرة في النهاية على ذلك تنفيذا واحتراما لقرارات مجلس الامن العديدة المناهضة للارهاب. وهذا لن يغير شيئاً من شعبية الحزب في الداخل التركي.

السيناريو الثاني يتضمن البدء بحرب مجددة على الاكراد تحت حجج وأعذار عديدة، ومن أهمها منع اقامة دولة مستقلة لهم على الاراضي التركية، وهذا يعني العودة الى المواجهة بين حزب العمال الكردستاني وتركيا بعد انهاء الهدنة الموقعة بين الجانبين.

لربما هذا السيناريو قد يشغل الاتراك الى حد ما، وقد يلفت نظرهم الى ان تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية هي قوية، وبالتالي يتم خلط الاوراق، وتتعرقل عملية تشكيل حكومة ويعود الشعب التركي الى اجراء انتخابات جديدة.

السيناريو الثالث وهو الخطير اشعال نار المواجهة مع سورية من خلال التدخل العسكري المباشر، ولكن لهذا السيناريو مخاطره الكبيرة وقد يساهم في طرد حزب العدالة كاملا من الحكم، وفشل ذريع اكبر في حال وقوع المواجهة، ودفع تركيا الثمن الباهظ نتيجة هذه السياسة.

العلاقات مع اسرائيل قوية

هناك لقاءات مستمرة علنية بين تركيا واسرائيل، وآخرها لقاء مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية دوري غولد مع مدير عام وزارة الخارجية التركية لتحسين العلاقات بين الدولتين.

وما يقال عن وجود توتر في العلاقات هو غير صحيح اذ ان حزب العدالة والتنمية يستخدم هذه الدعاية المضللة لكسب تأييد عربي له، وللحصول على دعم جماهيري تركي من خلال اللعب بعواطف الجماهير المؤيدة للقضية الفلسطينية.

لم تقطع العلاقات الدبلوماسية، وكذلك العلاقات الاقتصادية والتجارية متواصلة ولم تتراجع، بل بالعكس قويت في الآونة الاخرى اذ ان البضائع التركية ترسل الى ميناء حيفا ومن هناك تقوم الشاحنات بنقلها من اسرائيل عبر الاردن الى مناطق الخليج العربي، اي ان اسرائيل هي البديل لسورية في الطريق التجاري نحو الخليج.

ومما يؤكد قوة هذه العلاقات قيام الحاخام يهودا جليك، المتطرف في اسرائيل، والذي يدعو الى السيطرة على الحرم القدسي الشريف، ويؤكد حق اليهود في الصلاة في المسجد الأقصى، زار تركيا مؤخراً بدعوة من أحد الكتاب، وشارك في حفل افطار رمضاني كبير حضره اكثر من الف تركي "مسلم" كما ادعى جليك نفسه، واكد له هؤلاء الاتراك ان من حق اليهود زيارة الحرم ومسموح لهم باداء الصلاة فيه.

وجليك هو من اصل اميركي ولد في الولايات المتحدة قبل 50 عاماً، اي عام 1965. وهو من مؤسسي جماعة "القيادة اليهودية"  التي يقودها موشيه فيجلين، عضو الكنيست السابق والمتطرف جدا. وشغل فيجلين منصب رئيس "صندوق تراث الهيكل". وتعرض جليك لمحاولة اغتيال في العام المنصرم 2014 بعد ان قام الشاب المقدسي معتز حجازي باطلاق النار على جليك. وقامت الشرطة الاسرائيلية بتصفية حجازي لدى اقتحامها لمنزله في منطقة الثوري/ القدس.

تعاون تركي اسرائيلي في سورية

ومما يؤكد متانة العلاقة الاسرائيلية التركية هو التفاهم أو الاتفاق المشترك على تدمير سورية، فاسرائيل على علاقة او اتصال مع جبهة النصرة، وتوفر لها المساعدة والدعم "الانساني" في ضرب قوات الدولة السورية، في حين ان تركيا تدعم هذه الجبهة في شمال سورية. والدولتان تعملان على تدمير سورية وتقسيمها الى دويلات وهما تنفذان بصورة مباشرة واحيانا بصورة مبهمة وغير واضحة وغير مباشرة المخططات المعادية لسورية والعالم العربي.

فاسرائيل تسعى لقيام حزام امني جنوبي، وتركيا تعمل على اقامة حزام مماثل في الشمال، ولكن هذه المحاولات فشلت حتى الان بسبب تصدي سورية: الجيش والشعب والقيادة، لهذه المؤامرة الكبيرة.

حتى انه يقال ان تركيا هي الجهة الوسطية للتوصل الى اتفاق هدنة بين حماس واسرائيل تشاركها في ذلك قطر عرابة الاخوان المسلمين في المنطقة.

ومن هنا يمكن الاستنتاج بان دور تركيا مشبوه، وليس كل ما يقوله قادتها هو صحيح، بل هو دجل وخداع، وآخر افلام تركيا انها منعت انطلاق "اسطول الحرية 3" من اراضيها، فانطلق من الاراضي اليونانية، وبالتحديد من جزيرة تكريت، وهذا المنع جاء ليتفادى توتر العلاقات القوية، ويبقى التعاون المشترك في التصدي للمقاومةن وخاصة حزب الله وسورية قائما ومتينا.

ليست كل قبة هي مزار، فتركيا (اردوغان) تجيد فن التضليل والخداع، ولذلك دورها مشبوه ضد عالمنا العربي، فهل المعارضة التركية قادرة على الاطاحة بهذا الحزب "الاخواني"، وبالتالي ابعاد الكثير من المشاكل عن الشعب التركي.

عهد اردوغان بدأ العد التنازلي. والسنوات القادمة ستكشف الكثير من المستور عن هذا الحزب الذي خدم دولة اسرائيل، ولم يكن عدوا لها الا بالكلام والدعاية فقط!!