من المستفيد؟ ومن المعارض ولماذا؟
يوم السبت الموافق 16 كانون الثاني 2016 هو يوم تاريخي حاسم، اذ امتاز بلقاء وزيري خارجية ايران محمد جواد ظريف، مع نظيره الاميركي، جون كيري، في جنيف، واعلنا بدء تطبيق الاتفاق الدولي الموقع مع ايران في تموز المنصرم حول ملفها النووي الايراني.
هذا اللقاء جاء عقب تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي أكد ان ايران ملتزمة ببنود الاتفاق، وطبقت ما عليها من مطالب واستحقاقات، وانها متعاونة بشكل جيد مع الوكالة في مشروعها النووي السلمي.
هذا الاعلان من الوزيرين، ومن الرئيس الاميركي باراك اوباما، اكد أن المنطقة انتقلت الى مرحلة جديدة، اذ كانت ايران العدو اللدود لاميركا، أصبحت هناك علاقة بينهما. وهذا الاتفاق ساهم في "فتور" العلاقة السعودية وبعض دول الخليج مع اميركا، لان هذه الدول تعادي ايران، وكانت ترغب في ان يحدث صدام عسكري مدمر..
هناك مستفيدون، وهناك معارضون لانهم متضررون من هذا الاتفاق، ولان المفاوضات نجحت وحققت ما لم يرغبوا فيه!
ايران المستفيد الاول
تطبيق الاتفاق يعني انتصاراً لايران على كل الخصوم الذين كانوا يتمنون ان يكون تقرير وكالة الطاقة الدولية مغايراً لما صدر، وكانوا يتمنون ان يفشل تطبيق الاتفاق. واضافة الى ذلك فان ايران ستستفيد كثيرا من التطبيق، وفي نواحٍ عدة:-
· ستحصل ايران على مبلغ يقدر أكثر من 50 مليار دولار من الاموال التي كانت محتجزة نتيجة العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها.
· اعتراف العالم بحق ايران في امتلاك طاقة نووية لاغراض سلمية، وبالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
· سيتحسن الاقتصاد الايراني اذ ان تصدير النفط الايراني للعالم سيكون مفتوح الابواب ولكل دول العالم دون قيود، وسيتحسن الدخل القومي لايران رغم ان سعر برميل النفط في انحدار كبير.
· العلاقة الدولية مع مختلف العالم ستكون دون قيود، وسيكون لايران دور أكبر على الساحة الدولية، وكذلك على الساحة الاقليمية.
· اصبحت ايران خارج اطار "محور الشر"، وكذلك انتهى التحرك الدولي ضد ايران حول الملف النووي!
المستفيدون الآخرون
عدة دول ستكون مستفيدة من هذا الاتفاق. وفي المقدمة الدول التي فاوضت ايران حول هذا الملف (الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الامن + المانيا)، اذ ان هذه الدول أنهت مفاوضاتها واتصالاتها مع ايران بنجاح كبير بالتوصل الى هذا الاتفاق الذي أكد على ان ايران لن تمتلك سلاحاً نووياً، وهناك مراقبة مشددة على هذا الامر، كذلك ارتاحت هذه الدول من وجود خطورة لهذا الملف، وبالتالي انهت مشكلة من مشاكل العالم بمعالجتها بصورة هادئة.
وهناك مكاسب حققتها وستحققها هذه الدول من خلال اقامة مشاريع استثمارية في ايران. وهذا انعكس في قيام عدد من المسؤولين في هذه الدول بزيارة لايران.
واضافة الى هذه الدول، فان القوى المتحالفة مع ايران ستحصل على مكاسب عديدة وخاصة سورية، ومن هذه المكاسب ان ايران ستشارك في مؤتمرات فيينا، وجنيف. وان سورية ستكون اكثر قوة في هذا الامر أو الموضوع، اضافة الى انها تستطيع الآن وبعد الحصول على 50 مليار دولار على تقديم دعم مالي للدولة السورية في مواجهة الارهاب، والمتآمرين عليها من عدة دول وجهات خارجية.
كما ان الدول المتحالفة ستحصل على دعم معنوي وسياسي من ايران، اضافة الى تعميق العلاقة الثنائية، والتعاون المشترك في شتى الميادين.
المعارضون للاتفاق
يجب الاعتراف بأن المعارضين لهذا الاتفاق هم "قليلون" أو يمكن القول بأنهم قلة صغيرة، وفي مقدمتهم اسرائيل، وبعض الدول الخليجية، بقيادة السعودية!
اسرائيل منزعجة لان ايران اصبحت دولة اقليمية قوية، وهي ند لاسرائيل، وتشكل خطراً عليها اذا واصلت اسرائيل مخاصمتها ومعاداتها، والتحريض ضدها. وايران بقوتها ستعزز محور المقاومة في المنطقة، وخاصة أنها تقف خلف حزب الله اذ انها تموّله بكل ما يحتاج اليها من عتاد ومال وتدريب. وهذا ما لا تريده اسرائيل، لان حزب الله عدو ند وقوي جدا لاسرائيل، وهي تسعى لاضعافه، او القضاء عليه بشتى الطرق والوسائل، واسرائيل مستاءة لان ايران تستطيع ان تملك سلاحاً نووياً إن ارادت ذلك في وقت قصير، ناهيك عن أن ايران أصبحت دولة نووية، وهذا بحد ذاته انتصار كبير لها.
والقيادة الاسرائيلية الحالية في وضع محرج اذ أنها عملت على مدى عشر سنوات تحريض المجتمع الدولي لمعاداة ايران، ومنع حصولها على طاقة نووية، وهذه الجهود تكللت بالفشل الذريع جدا، وتم التوصل الى اتفاق سلمي عبر الجهود الدبلوماسية والسياسية.
وهي أكثر احراجاً لأنها كانت تدعي وتقول ان الملف النووي الايراني من اولى اولوياتها، وبالتالي كانت تستخدم هذا الملف كعذر في التهرب من استحقاقاتها السلمية مع الجانب الفلسطيني. واليوم، وبعد أن حلّت هذه الازمة، او هذه القضية، فان اسرائيل محرجة مجدداً لأن المجتمع الدولي سيقول ان الملف النووي الايراني وجد حلاً عادلاً ومنصفاً، ولذلك فان الاهتمام سيتوجه نحو ملف القضية الفلسطينية، وهذا ما لا تريده، لان ذلك يعني على اسرائيل تقديم "تنازلات" او "استحقاقات" من أجل تحقيق "سلام" في منطقة الشرق الأوسط، وهي لا تستطيع تقديم ذلك لانها معنية في بقاء الاحتلال، ولان ضريبة "السلام" عالية ومكلفة، ودفعها قد يؤدي الى وقوع انقسامات وتشققات داخل المجتمع الاسرائيلي.
ولذلك يجب على اسرائيل ابقاء هذا الملف النووي الايراني مفتوحا الى ما لا نهاية حتى تتهرب من استحقاقات السلام، ولهذا بدأت بفتح صفحة قوية من العلاقات الخفية والعلنية مع بعض دول الخليج المعارضة لايران، والمعارضة بالطبع لهذا الاتفاق الدولي.
ومن هذه الدول المعارضة للاتفاق هي السعودية التي تتهم ايران بعدة أمور واهمها:-
· خلق فتنة دينية، وصراع بين السنة والشيعة، علماً أن ايران تتهم السعودية بالوقوف وراء ذلك.
· دعم ايران للمتظاهرين والمعارضين لنظام الحكم في البحرين سواء اعلامياً، أو مادياً.
· وقوف ايران الى جانب "الحوثيين" في اليمن، والذين يعارضون السعودية، وهم شيعة ومن ابناء اليمن الاصليين.
· دعم حزب الله في لبنان، وتقويته على حساب الاحزاب الأخرى الموالية أو التابعة للسعودية مثل تيار المستقبل.
رفضت السعودية كل الجهود التي تبذل من أجل تقريب وجهات النظر، وازالة الخلافات بينهما، وتصر السعودية على تحدي ايران. وهناك عدة دول خليجية تدعم السعودية في مواقفها العدائية لايران، وهناك من يتحفظ على هذا الموقف السعودي. والدولة الوحيدة التي لا تريد مشاكل أو الانخراط في أي صراع هي سلطنة عُمان، التي تحاول قدر الامكان لعب دور الوساطة بين كل الافرقاء المختلفين، الا ان هذه الوساطة حتى الآن لم تفلح.
السعودية واسرائيل في خندق واحد
استغلت اسرائيل علاقتها السرية مع السعودية، واستغلت أيضاً العداء السعودي لايران، فقررت الانضمام الى الخندق المعادي لايران، لتقوده وتحمسه وتشجعه، وتسخنه ضد ايران وضد الاتفاق. وهناك أيضاً خصم مشترك ولدود للسعودية واسرائيل الا وهو حزب الله، لذلك التقت المصالح، وتشجعت السعودية على خوض مقامرة او مغامرة أو "مؤامرة" ضد اليمن، وضد ايران. أي أن السعودية اختارت طريقاً مليئاً بالأشواك، وتتحدى اميركا والمجتمع الدولي، وتظن انها قادرة على مواجهة ذلك.
النظام الجديد في السعودية اتخذ خط المواجهة مع خصوم السعودية، فبالأمس القريب كانت تحاول السعودية احتواء أي خلاف، وحله بطرق سلمية، وتتجنب الدخول في معارك، اما اليوم فان ولي العهد محمد بن سلمان يقود هذا التحرك "الهجومي" على ايران، ويتزعم العنترة والعربدة. وهذا سيؤدي الى "افلاس" السعودية، وكل الدول التي تساندها او تقف الى جانبها.
والمؤلم أن السعودية تحاول شراء مواقف الدول بالمال، ولكن هذا لن يجدي، ولن ينفع في المستقبل سواء اكان قريباً أم بعيداً.. والسعودية تحاول الاقتراب وللاسف قريباً من اسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، وكذلك اقتراب اسرائيل من السعودية على حساب هذه القضية الام.. والاكثر خطورة ان اسرائيل تحاول جر السعودية الى مواجهة عسكرية مع ايران، اي توكل حربها ضد ايران للسعودية وبعض دول الخليج، واميركا تدرك ذلك، فهي تعمل على تقديم النصيحة للسعودية بوقف حالة الانجرار او الانزلاق الى وحل قذر جدا!
الاتفاق تم وماشٍ
مهما حاولت اسرائيل ومعها الدول التي تعارض الاتفاق من العمل لالغاء او شطب او عرقلة الاتفاق، فانه ماشٍ ومستمر والمعارضون هم الذين يدفعون الثمن الباهظ.
وانطلاقاً من هذا الواقع، فان اسرائيل تدرك انها لا تستطيع الغاءه، في حين انها توهم السعودية بانها قادرة على ذلك.
مهما قيل وكتب، فان الاتفاق فتح صفحة جديدة من العلاقات الاقليمية في المنطقة، وان من لا يقرأ هذا التطور فانه سيكون الخاسر الاكبر، وكل الامل في أن تقرأ السعودية ومن معها هذا الاتفاق جيدا، والعمل على القبول به أو السكوت عليه بدلاً من معارضته وتحدي المجتمع الدولي.. وعلى كل الدول أن تعي أن العالم يتجه نحو تهدئة الامور لا تصعيدها، ومن يصعد الأوضاع لا بدّ أن يكتوي بنار التصعيد.